11 شهراً .. مخيمات شمالي الضفة الغربية في مواجهة مشاريع الإلغاء والضم

الخميس 04 ديسمبر 2025

تواجه مخيمات اللاجئين الفلسطينيين شمالي الضفة الغربية مخططات "اسرائيلية" لإعادة هندستها جغرافيا وديمغرافيا بما يحقق أهداف مشاريع التهجير القسري التي تنفذ في جميع أنحاء الضفة، وتجري بوتيرة متسارعة في إطار سياسات التهويد وهدم المنازل بذرائع مختلفة تدفع نحو إنهاء القضية الفلسطينية تدريجياً بدؤاً من قضية اللاجئين ووكالة "أونروا" وصولا إلى ضم كامل الضفة الغربية باتجاه حسم "الصراع الفلسطيني الاسرائيلي".

ومنذ بدء العدوان العسكري "السور الحديدي" على مخيمات جنين ومن ثم طولكرم ونور شمس في كانون الثاني/ يناير الماضي، أصبح ما يقارب 40 ألف لاجئ فلسطيني مشردين مجدداً خارج مخيماتهم ومنازلهم وتحولوا إلى نازحين بينما تحولت المخيمات إلى "مدن أشباح" طبقاً لوصف وكالة "أونروا" في مشاهد أعادت للذاكرة وقائع النكبة عام 1948 تحت وطأة ظروف إنسانية مأساوية ووسط صمت دولي وغياب للتحرك الفلسطيني الفعلي.

في مخيم الفارعة اقتحام هو الأصعب منذ سنوات واستخدام الطيران لأول مرة

ومؤخراً انتقل الجيش "الاسرائيلي" نحو مخيم الفارعة في مدينة طوباس في عدوان موسع عبر حملة اقتحامات ومداهمات عنيفة للمنازل والأحياء حيث اعتبر هذا الاقتحام الممتد من أصعب الاقتحامات التي شهدها المخيم منذ سنوات بما شهده من العنف والبطش اللاإنساني بحق المدنيين ، حيث بدأ فجر الجمعة 28 تشرين الثاني / نوفمبر واستمر حتى مساء السبت وسط إجراءات عسكرية مشددة تركت تأثيراً عميقاً على السكان في المخيم وفقا للجنة الشعبية.

ويقول عمر ابو الحسن مسؤول اللجنة الشعبية في مخيم الفارعة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن اقتحام قوات الاحتلال لمخيم الفارعة ضمن العملية العسكرية التي أسمتها بـ (الحجارة الخمس) على محافظة طوباس، فرض فيها حصار محكم على المداخل الأربعة للمخيم، ما أدى إلى عزل المخيم بشكل كامل عن محيطه المحاصر منذ يومين سابقين.

وأضاف ابو الحسن: إن الحصار شمل منع التجول بشكل كامل، وعرقلة وصول سيارات الإسعاف والإطفاء التي واجهت صعوبات كبيرة في التنقل بين الحارات والوصول إلى المصابين والمناطق التي تمت فيها عمليات التفجير.

وقد خلق هذا الإغلاق حالة من الشلل داخل المخيم، وارتفعت شكاوى الأهالي من نقص القدرة على الوصول إلى الحاجات الأساسية والطارئة.

خضع المعتقلون لتحقيقات مطولة وسط ظروف قاسية

ووثق مسؤول اللاجنة الشعبية اقتحام جيش الاحتلال نحو 200 منزل في المخيم تخلله هجمات وحشية وتفتيش عنيف عبر تكسير للأبواب وتحطيم للأثاث والعبث بمحتويات المنازل، في مشهد أكد أنه ترك أثراً نفسياً كبيراً على الأهالي، ولا سيما الأطفال والنساء لافتاً إلى أن عمليات التفتيش امتدت في بعض المنازل لساعات طويلة، وخلّفت خسائر مادية كبيرة نتيجة التخريب المتعمد أو العشوائي.

وحول عمليات الاعتقال أكد مسؤول اللجنة الشعبية في حديثه لبوابة اللاجئين أن نحو 50 فلسطينياً اعتقلوا من المخيم وجرى اقتياد العديد منهم إلى منازل أخرى داخل المخيم كانت القوات قد أخلتها من سكانها وحولتها إلى ثكنات عسكرية مؤقتة.

وفي تلك المنازل خضع المعتقلون لتحقيقات ميدانية في ظروف قاسية، تخللتها اعتداءات جسدية وإهانات، بحسب شهادات الأهالي وقد شكّل هذا النوع من الاحتجاز والتحقيق داخل المنازل السكنية أحد أبرز الانتهاكات التي رافقت العدوان.

وأسفر الاقتحام "الاسرائيلي" عن تسجيل ثلاث إصابات بين السكان، نُقلت إلى المستشفى بعد تعرض أصحابها للضرب المبرح أثناء الاعتقال أو المداهمة. وأفادت الطواقم الطبية بأن هذه الإصابات شملت كسوراً وكدمات وإصابات في الرأس، وأن الوصول إليها كان معقداً بسبب القيود الشديدة على حركة سيارات الإسعاف داخل المخيم.

وفي تطور غير مسبوق بالنسبة لمخيم الفارعة، استخدمت قوات الاحتلال "الاسرائيلي" للمرة الأولى الطائرات في إطلاق النار داخل المخيم، في خطوة اعتبرها السكان نقلة خطيرة في طبيعة العدوان، وقد أثار إطلاق النار من الطائرات حالة من الذعر بين الأهالي، خصوصاً أن الطائرات حلّقت على ارتفاع منخفض وأطلقت نيراناً في محيط عدد من المنازل، ما أدى إلى انتشار الخوف وارتفاع مستوى التوتر داخل المخيم/ بحسب مسؤول اللجنة الشعبية.

إضافة إلى ذلك، يقول أبو الحسن: إن القوات "الاسرائيلية" قامت بتفجير منزل اللاجئ الفلسطيني قاسم العبادي بعد محاصرته وإخلاء المنطقة المحيطة به وأسفر التفجير عن تدمير المنزل بالكامل وإلحاق أضرار متفاوتة بعدد من المنازل المجاورة بفعل قوة الانفجار.

وقد تسبب هذا الحدث بتهجير العائلة وتشريد أفرادها، الذين أكدوا تعرضهم لصدمة نفسية حادة نتيجة فقدان منزلهم بهذه الطريقة المفاجئة والعنيفة.

وترك هذا الاقتحام المطوّل وآثاره العنيفة تأثيرات إنسانية كبيرة على سكان مخيم الفارعة فقد عاش الأهالي على مدار يومين في حالة من الخوف المستمر وانعدام الأمن، مع انقطاع الحركة وانتشار قوات الاحتلال داخل الأزقة، وتواصل المداهمات والاعتقالات كما أدى تدمير المنازل واستخدام الطائرات والضرب المبرح وعرقلة وصول الطواقم الطبية إلى زيادة الشعور بالعقاب الجماعي، وخلق واقع قاس يتجاوز الطابع الأمني للعملية ليصل إلى التأثير المباشر على الحياة المدنية وفقاً لما ذكره مسؤول اللجنة الشعبية.

على الرغم من الظروف القاسية التي عاشها المخيم قبل الاقتحام وأثناءه، تحاول اللجنة الشعبية في مخيم الفارعة تعزيز صمود الأهالي وإدارة الجانب الإنساني للأزمة.

فقد كان المخيم يواجه أصلاً أزمة مياه حادة ناتجة عن تعطل البئر الرئيسية والوحيدة المغذية للسكان، إلا أن اللجنة الشعبية بذلت جهوداً كبيرة، وبصعوبة شديدة، لتأمين المياه لكافة منازل المخيم من الآبار المجاورة قبل بدء الاقتحام، وذلك لضمان الحد الأدنى من احتياجات السكان في ظل توقعات بتصعيد عسكري وشيك.

ومع بدء الاقتحام فعّلت اللجنة الشعبية لجنة الطوارئ التابعة لها، وبدأت التحرك ميدانياً وتركز عمل لجنة الطوارئ على متابعة أوضاع العائلات التي نزحت من منازلها سواء داخل المخيم أو خارجه، ومحاولة توفير الاحتياجات الأساسية لها، إضافة إلى التنسيق المستمر مع هيئة الارتباط من أجل تأمين خروج الحالات الصحية الطارئة والمرضى والإصابات التي تطلبت نقلاً عاجلاً إلى المستشفيات.

مخيم طولكرم ونور شمس 310 أيام من العدوان الاسرائيلي دمرت المخيمين

اما بالنسبة الى مخيمي طولكرم ونور شمس الذين يتعرضان منذ 310 أيام إلى عدوان "اسرائيلي" شرس عبر عمليات الهدم والتجريف والتي تزامنت مؤخراً مع هجمات للمستوطنين ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم، وخلال هذه الفترة هُدم نحو 1440 منزلاً بشكل كامل و2573 منزلاً تضررت جزئيًا، في ظل استمرار إغلاق مداخل المخيمين بالسواتر وتحويلهما إلى مناطق خالية من الحياة.

كما سجل استشهاد 14 فلسطينيا، بينهم طفل وامرأتان، إحداهما كانت في الشهر الثامن من الحمل، إضافة إلى عشرات الإصابات والاعتقالات، وتدمير واسع طال البنية التحتية، والمنازل، والمحلات التجارية، والمركبات.

ويسعى الجيش "الاسرائيلي" من خلال هذه العمليات العدوانية إلى فرض الأمر الواقع في إنهاء وجود المخيمين وجعلهما احياء تابعة للمدن، ومنع أي عمليات إعادة بناء للمنازل المهدمة داخلهما بحسب بيانات محلية تؤكد أن المخيمين يشهدان بشكل شبه يومي سلسلة انفجارات وعمليات إطلاق نار كثيف تزامنا مع إجبار عائلات على إخلاء منازلها في الأحياء المتبقية منهما.

وسجل خلال العدوان على مخيمي طولكرم تهجير قسري لأكثر من 5 آلاف عائلة من مخيمي طولكرم ونور شمس، أي ما يزيد على 25 ألف فلسطيني.

مخيم جنين 316 يوماً من العدوان ونزوح 4 آلاف أسرة

مدينة جنين ومخيمها الهدف الأول الذي بدأ به جيش الاحتلال "الاسرائيلي" منذ 316 يوماً متواصلاً تصاعدت خلالها عمليات الهدم والتجريف والاقتحامات، وهدم 700 منزل ومنشأة عقب أوامر الهدم الجديدة التي طالت 25 منزلاً في الآونة الأخيرة .

وخلال العدوان على مخيم جنين أجبر جيش الاحتلال "الاسرائيلي" نحو أربعة آلاف أسرة فلسطينية على الخروج من منازلها قسراً في ظل ظروف إنسانية قاسية يعيشها الأهالي المهجرون.

وفي خضم ما يجري من هجمة "اسرائيلية" على الضفة الغربية تصاعدت مع بدء حرب الإبادة على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، يكرس جيش الاحتلال واقعاً جديداً يذهب باتجاه إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين.

استهداف مخيمات الضفة سيستمر ما لم يكن هناك تدخل أممي ودولي

ويرى علي هويدي مدير الهيئة (302) للدفاع عن حقوق اللاجئين أن ما يجري يحدث كخطوة في سياق ما وصفه بــ"حسم الصراع الفلسطيني الاسرائيلي"، مؤكداً أنها لا تنفصل عن مصادرة الاراضي والتهويد وهدم المنازل حيث يريد الاحتلال أن يكرس أمراً واقعاً بإنهاء رمزية المخيم كمقدمة لانهاء قضية اللاجئين.

ونبّه هويدي في حديث لبوابة اللاجئين الفلسطينيين بأن الاحتلال يشترط لعودة الذين تهجروا من المخيمات 3 شروط أولها إقفال مكتب "اونروا" وإزالة اسم مخيم والثالث أن تقوم شرطة فلسطينية بإدارة الأحياء بعد تغيير اسم المخيم الى حي، لافتاً إلى أن هذا له بعداً سياسياً بامتياز كتدرج بحسم الصراع.

ويعتقد هويدي أن هذه العملية ستسمر إن لم يكن هناك تحرك دولي من الأمم المتحدة على اعتبار أن هذه المناطق محتلة وفق القانون الدولي، مؤكداً أنه لا يحق للاحتلال إلغاء عمل وكالة أممية في مناطق محتلة فهو يضرب بعرض الحائط كل المواثيق والقوانين والقرارات الدولية ومستمر في العمل على استراتيجيته بإنهاء المخيمات وإنهاء قضية اللاجئين كمقدمة لإنهاء حق العودة.

وعلاوة على ذلك، يفيد مدير هيئة الدفاع عن حقوق اللاجئين أن وكالة "أونروا" تهتم باللاجئين الفلسطينيين الذين اصبحوا مهجرين مرة أخرى وتقدم لهم خدمات على اعتبار انهم لا زالوا لاجئين إلا أن هذه الخدمات ليست على المستوى المطلوب كالصحة والتعليم وعلى المستوى الإغاثي وهو ما سينعكس بشكل مباشر على الاوضاع الانسانية لـ 35 الف مهجر من هذه المخيمات.

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد