بينما يمرّ مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في العاصمة اللبنانية بيروت بإحدى أصعب مراحله الأمنية والاجتماعية، يظلّ الوجه المشرق للمخيم حاضراً رغم كل التحديات.

ويبرز هذا الجانب المضيء من خلال فريق "زهرات فلسطين" الذي لمع اسمه في مجال كرة القدم النسائية، إذ يضم 35 فتاة من اللاجئات الفلسطينيات يمارسن شغفهن داخل المخيم بفخر وروح رياضية عالية، ويحملن حلم تمثيل فلسطين في البطولات العالمية.

الفريق، الذي لا يتجاوز عمره ثلاثة أشهر، يعتمد برنامجاً تدريبياً منظّماً يهدف إلى تطوير المهارات البدنية والرياضية للاعبات، وتعزيز ثقتهن بأنفسهن، وتوفير مساحة آمنة تمكّنهن من التعبير عن مواهبهن في بيئة غالبًا ما تفتقر لمثل هذه الفرص.

وفي حديثه لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، قال مدرب الفريق محمد عبد الله: "تم تأسيس النادي قبل ثلاثة أشهر فقط، ويضم نحو 35 فتاة من مخيم شاتيلا ومن جنسيات مختلفة، سمّيناه زهرات فلسطين لأنهن يزهرن كالأمل رغم الظروف، ويحملن مستقبل الوطن وأحلامه".

وأضاف عبد الله أنّ وجود فريق نسائي في مخيم شاتيلا "ليس مجرد نشاط رياضي عادي، بل يحمل بُعدًا اجتماعيًا وثقافيًا ووطنيًا مهمًا، ويشكّل فرصة حقيقية للنهوض بالفتيات داخل بيئة تعاني من تحديات كبيرة".

وأشار إلى أن كرة القدم في المخيمات ليست وسيلة للترفيه فحسب، بل هي وسيلة تمكين وتغيير اجتماعي عميق، موضحاً: "عندما نتحدث عن فتيات من مخيم شاتيلا، فإن أهمية الرياضة تتضاعف. إنها نافذة للحياة وسط واقع صعب، ومساحة لتعزيز القوة والثقة بالنفس، ودعم الصحة الجسدية والنفسية، وكسر القيود الاجتماعية، وتعزيز المشاركة".

WhatsApp Image 2025-12-09 at 11.31.42 AM (3).jpeg

وعن رؤيته المستقبلية للفريق، قال عبد الله: "حلمنا يبدأ من شاتيلا وقد ينتهي في ملاعب دولية. نريد لفتياتنا أن يصبحن قويات قادرات على تغيير واقعهن وبناء مستقبل أفضل لأنفسهن ولمجتمعهن، وأن يكتسبن الثقة والشجاعة وروح القيادة والعمل الجماعي. نريد أن يكبرن في مساحة قائمة على القوة والحلم، لا الخوف والقيود".

وأوضح المدرب أن المخيم يعاني، كغيره من مخيمات اللجوء، من ضيق المساحات والبنى التحتية المحدودة، ما يجعل وجود منشآت رياضية ضرورة ملحّة، وقال: "نحتاج ملاعب صغيرة أو صالات مغلقة للتدريب في الصيف والشتاء، ومساحات آمنة للفتيات بعيدًا عن الشوارع، وبيئة احترافية تساعد على تطوير المهارات واستضافة المباريات والفعاليات، إلى جانب مراكز مجتمعية رياضية متعددة الأنشطة".

وفي ما يتعلق بالدعم، أكد عبد الله أن الفريق يعاني من نقص في الموارد والمعدات والزي الرياضي وصعوبة تأمين ملاعب ثابتة للتدريب، إضافة إلى غياب الدعم المؤسسي المستمر، موضحا: "الدعم الذي تلقيناه في البداية كان مبادرة من جمعية وتمكّنا من خلاله شراء بعض المستلزمات، لكنه غير كافٍ لتحقيق الاحتراف أو التطوّر".

وختم حديثه بالقول: "اخترنا اسم زهرات فلسطين لأنه يحمل الأمل والحياة والجذور، الزهرة رمز للنمو والبراءة والجمال، وفلسطين ليست مجرد وطن بل هوية. وعندما يجتمع الاسمان، يصبح لكل لاعبة معنى يتجاوز حدود اللعب والرياضة".

WhatsApp Image 2025-12-09 at 11.31.44 AM.jpeg


من جانبها، تحدثت اللاعبة أمينة منذر أبو الرب (14 عاماً) من داخل مخيم شاتيلا، قائلة: "شاركت بالفريق لأن الرياضة بتعطيني طاقة وقوة، وكرة القدم شغفي منذ كنت صغيرة، عيلتي وأصحابي شجّعوني، والمدرب شاف فيي موهبة ودعمني".

وأضافت: "انتسبت للنادي من حوالي ثلاثة أشهر، وطموحي أوصل لمستوى احترافي وامثّل المخيم وفلسطين، وأكون نموذجاً لبنات جيلي وأثبت إنه لا شي مستحيل"

وتصف أمينة مشاركتها بالفريق بأنها "تجربة رائعة" قائلة: "حسّيت إني بين عيلة، وكل وحدة فينا بتدعم التانية. بنصح كل بنت عندها حلم إنها تبلّش ولو بخطوة صغيرة. أهم شي تثق بنفسها وما تستسلم"، وتؤكد أمينة أن كرة القدم داخل المخيم "مش بس لعبة، هي مساحة أمل وسعادة وتغيير، وهي المتنفّس الوحيد إلنا".

وعن الصورة النمطية حول المخيم، تقول: "في مواهب عظيمة بشاتيلا بس ما حدا سلط الضوء عليها. نحنا اليوم عم نكسر الصورة النمطية ونثبت إنو بنات المخيم قادرات يكونوا قويات وملهمات. كل تمرين وكل مباراة رسالة أن المخيم مش بس معاناة، هو كمان إبداع وإرادة".

أما اللاعبة ميرا محمود المحمود، ابنة المخيم والحالمة بالوقوف يوماً على منصات التتويج رافعة العلم الفلسطيني، فقالت لموقعنا: "حلمي يصير حقيقة وأصير لاعبة مشهورة. كرة القدم هي الرياضة اللي بتشبهني وبتخليني عبّر عن ذاتي وبتعطيني طاقة وثقة".

WhatsApp Image 2025-12-09 at 11.31.44 AM (1).jpeg

وأضافت: "انتسبت لنادي زهرات فلسطين لأنني أحب التدريب الجدي، وأحلم أن أصير لاعبة قوية وأرفع العلم الفلسطيني بالمحافل الرياضية".

وتشير ميرا إلى أن تجربتها ضمن الفريق كانت ممتعة ومفيدة وتقول :"تعلمت التعاون والانضباط والثقة بالنفس. وأنصح البنات بممارسة كرة القدم لأنها ليست حكراً على الشباب".

وتضيف: "كرة القدم بالمخيم مساحة فرح، تجعلني انسى الضغط والمشاكل، وتفتح أمامي باب أمل، هناك مواهب كثيرة في المخيم، تنتظر الفرصة، ونحن قادرون أن نصل إذا وجدنا من يدعمنا ويؤمن فينا".

في ظل واقع يثقل المخيم بالضغوط والتحديات، ينجح فريق "زهرات فلسطين" في تقديم نموذج حيّ للإرادة التي لا تنكسر، وللأمل الذي يزهر رغم كل شيء. هنا، في الأزقة الضيقة التي اعتادت على روايات المعاناة، تولد قصة مختلفة عنوانها القوة والطموح والإبداع.

فهؤلاء الفتيات لا يركضن خلف الكرة فقط، بل يركضن خلف مستقبل أفضل، ويكتبن صورة جديدة لشاتيلا؛ صورة تقول: إن المخيم ليس مجرد مساحة للألم، بل أرضٌ قادرة على إنجاب النجاحات.

ومع كل خطوة يخطونها في الملعب، يثبتن أن الحلم قادر على العبور من بين الأزقة، وأن شاتيلا برغم قسوته ما زال يصنع الأمل.

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد