كشفت شبكة "سي إن إن" الأميركية، في تحقيق استقصائي صادم، أن جيش الاحتلال دفن جثامين فلسطينيين في قبور ضحلة مجهولة قرب معبر "زيكيم" شمالي قطاع غزة، بينما تركت جثامين أخرى مكشوفة لأسابيع في العراء حتى تحللت، وسط منع كامل لوصول الطواقم الطبية والإنسانية إلى المنطقة.

وبحسب التحقيق، فإن مئات المقاطع المصوّرة وشهادات من سائقي شاحنات الإغاثة وشهود عيان وثّقت قيام جرافات تابعة لجيش الاحتلال بجرف الجثث ودفنها بشكل غير لائق في مواقع قريبة من المعبر، الذي تحول إلى الممر الرئيسي لدخول المساعدات الإنسانية.

وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية التي اعتمد عليها التحقيق نشاطًا مكثفًا للجرافات "الإسرائيلية" بين منتصف حزيران/يونيو وأيلول/سبتمبر الماضيين، بما في ذلك تحريك مساحات واسعة من التربة في أماكن سقوط الضحايا.

وبرّر جيش الاحتلال هذا السلوك بأنه "إجراء روتيني يتعلق بمعالجة تهديدات متفجرة أو احتياجات هندسية"، وفق ما نقلته الشبكة.

كما نقلت "سي إن إن" عن شاهدَيْ عيان قولهما إن قوات الاحتلال أطلقت النار يوم 15 حزيران/يونيو الماضي على حشود الفلسطينيين الجائعين أثناء توجههم إلى شاحنة مساعدات قادمة من المعبر، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى تحت الشاحنات، ومنع وصول طواقم الإسعاف لأيام.

وقال أحد أفراد طواقم الإنقاذ للشبكة إن الجثامين التي انتشلت لاحقًا كانت في حالة تحلل متقدمة، وإن الكلاب التهمت أجزاء منها بسبب بقائها المكشوف الطويل في العراء.

وفي شهادة أخرى، ذكر أحد سائقي شاحنات المساعدات أنه كان يرى جثثًا "في كل مرة يعبر فيها معبر زيكيم"، مؤكدًا مشاهدته جرافات الاحتلال وهي تدفنها.

وروى الفلسطيني عادل منصور أنه بحث في المنطقة عن ابنه البالغ 17 عامًا، ليصدم بالعثور على جثث جرفتها الجرافات مع صناديق المساعدات، وقد رُصّت فوق بعضها.

ولم تقتصر الانتهاكات على معبر زيكيم؛ إذ كشف جنود "إسرائيليون" خدموا في غزة، في شهادات متفرقة، أن جثامين مدنيين فلسطينيين تركت أيامًا كاملة قرب قواعد الاحتلال حتى تحللت، وأن بعض الجثامين دفعتها الجرافات إلى حفر جانبية على الطرق العسكرية.

وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قد أكد أن جيش الاحتلال اتّبع خلال حرب الإبادة المستمرة سياسة ممنهجة تقوم على دفن جثامين فلسطينيين في مقابر مجهولة، بما في ذلك قرب مراكز توزيع المساعدات في وسط وجنوبي قطاع غزة، في ظروف تمنع التعرف إلى الضحايا أو معرفة ذويهم بمصيرهم.

وأوضح المرصد في بيان له أن تحقيق "سي إن إن" يعزز ما توصّل إليه ضمن برنامج توثيق موسّع اشتمل على تحقيقات ميدانية في شمالي القطاع وجنوبه، ومقابلات مع ناجين وشهود عيان وعائلات مفقودين، إضافة إلى جمع بيانات من الطواقم الطبية وتحليل المواد البصرية، بما يكشف نمطًا واسعًا ومنظّمًا لعمليات الدفن يعكس سياسة معتمدة، وليست حوادث فردية.

وأضاف أن التوثيقات الميدانية أثبتت أن قوات الاحتلال دفنت جثامين فلسطينيين في ساحات عامة وأراضٍ مفتوحة وأماكن قريبة من منشآت حيوية مثل مراكز توزيع المساعدات والمستشفيات والمدارس، بعد إغلاق المنطقة عسكريًا ومنع الطواقم الطبية والأهالي من الوصول، في محاولة لطمس الأدلة المحتملة على عمليات قتل غير مشروع ومنع أي تحقيق فعّال فيها، إلى جانب حرمان العائلات من حقها في معرفة مصير أقاربها.

مطالبة حقوقية بتحقيق دولي وتحرك ميداني لانتشال الفلسطينيين المدفونين قرب زيكيم

من جانبه، طالب المركز الفلسطيني للمفقودين والمخفيين قسرًا بفتح تحقيق دولي مستقل في عمليات التجريف والدفن القسري التي نفذها جيش الاحتلال بحق شهداء مدنيين فلسطينيين قرب معبر "زيكيم" شمالي قطاع غزة، والتي كشف عنها تحقيق استقصائي لشبكة "سي إن إن" الأميركية، مؤكدًا ضرورة تحرك اللجنة الدولية للصليب الأحمر مع طواقم مختصة للوصول إلى المنطقة والبحث عن الضحايا وانتشالهم ودفنهم بكرامة.

وأوضح المركز، في بيان صدر الخميس، أنّ المعطيات الصادمة التي كشف عنها التحقيق — استنادًا إلى مئات مقاطع الفيديو والصور الملتقطة من محيط معبر "زيكيم"، إلى جانب شهادات سائقي شاحنات المساعدات وشهود العيان — تؤكد أن ما جرى يمثل جريمة خطيرة تستوجب تحقيقًا دوليًا عاجلًا ومستقلاً.

وأشار البيان إلى أن التحقيق المنشور عبر "سي إن إن" يكشف حجم الانتهاكات التي تعرّض لها الضحايا، بما في ذلك دفن جثامين فلسطينيين في قبور ضحلة مجهولة، وترك رفاتهم مكشوفة تتعرض للتحلل والنهش، إلى جانب إطلاق قوات الاحتلال النار على مدنيين كانوا يبحثون عن المساعدات الإنسانية.

وأكد المركز أن ما ورد في التحقيق يتقاطع مع شهادات يملكها من ذوي المفقودين والناجين، حيث تُظهر المواد المرئية وصور الأقمار الصناعية نشاطًا منهجيًا للجرافات التابعة لجيش الاحتلال طوال شهور الصيف، في المواقع التي سقط فيها مدنيون فلسطينيون بفعل القصف أو إطلاق النار المباشر.

ويشار إلى أن العدوان على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 خلّف أكثر من 70 ألف شهيد ونحو 171 ألف جريح، غالبيتهم من الأطفال والنساء، إلى جانب دمار واسع ونزوح داخلي يطال معظم سكان القطاع البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة.

ورغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 11 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، يواصل جيش الاحتلال خرق الاتفاق يوميًا عبر القصف والاعتداءات ومنع إدخال المساعدات، ما فاقم الأزمة الإنسانية إلى مستويات كارثية.

بوابة اللاجئين الفلسطينيين - وكالات

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد