في مخيم نهر البارد شمالي لبنان، حيث تتشابك الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، وتثقل كاهل الفلسطينيين، لم يعد "التوك توك" مجرد وسيلة نقل صغيرة، بل تحوّل إلى جزء من تفاصيل الحياة اليومية.
وبين الأزقة الضيقة والبيوت المتلاصقة، فرض هذا المركب حضوره كحل عملي يسهّل التنقّل داخل المخيم، ويوفّر في الوقت نفسه مصدر رزق لعشرات الشبان، في صورة تعكس قدرة الأهالي على التكيّف وابتكار حلول بسيطة وسط واقع معيشي قاسٍ.
حلّ يومي في أزقة المخيم
مع الارتفاع المستمر في أسعار المحروقات وتكاليف المواصلات، إلى جانب صعوبة دخول السيارات الكبيرة إلى معظم أحياء المخيم، وجد الأهالي في التوك توك وسيلة نقل أقرب إلى واقعهم، سواء من حيث الكلفة أو سهولة الوصول "من الباب إلى الباب".
ويقول عمر وهبة، أحد مستخدمي هذه الوسيلة، لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، إن من ابتكر التوك توك "كان ذكيًا فعلًا"، لأنه سهّل الكثير من تفاصيل الحياة اليومية، لا سيما نقل الأطفال إلى المدارس وإعادتهم إلى منازلهم بأمان.
وتشارك عفاف ديب هذا الرأي، مؤكدة أن التوك توك متوافر في أي وقت، وأن أسعاره أقل بكثير من سيارات الأجرة، ما يجعله الخيار الأنسب للعائلات، وخصوصًا عند التنقّل مع الأطفال أو ذوي الاحتياجات الخاصة. وتضيف أن هذه الوسيلة تتيح لها إيصال ابنها إلى المؤسسات المختصة من دون تحمّل أعباء مالية إضافية.
أما الأطفال، فقد أصبحوا بدورهم يعتمدون على التوك توك في تنقّلهم اليومي، خاصة خلال أوقات الذروة المدرسية. ويشير الطفل محمود دياب إلى أن التوك توك يتجاوز الازدحام، ويوصل الركاب مباشرة إلى باب المنزل، على عكس الباصات التي تستغرق وقتًا أطول، ولا تصل إلى داخل الأحياء. ويؤكد حسين عفيفي أن هذه الوسيلة "أهون على الناس"، سواء من حيث السعر أو سهولة الوصول.

التوك توك كملاذ عمل للشباب
في المقابل، شكّل التوك توك ملاذًا اقتصاديًا لعدد كبير من الشبان في مخيم نهر البارد، في ظل ارتفاع معدلات البطالة وغياب فرص العمل. ويقول خالد عربية، أحد سائقي التوك توك، لموقعنا، إنه وجد في هذا العمل راحة له وللناس على حد سواء، معتبرًا أن هذه الوسيلة خفّفت عن الأهالي أعباء التنقّل داخل المخيم.
ويربط علاء سليمان لجوء الشباب إلى هذه المهنة بحالة الحصار والضغط الاقتصادي، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الشبان المتعلمين اضطروا للعمل في هذا المجال بدلًا من الانجرار إلى مسارات خطرة، مؤكدًا أن "العمل مهما كان شاقًا أكرم من مدّ اليد".
من جهته، يوضح عمران مدحت، وهو سائق توك توك أيضًا، أنه اضطر إلى ترك عمله في مجال الكهرباء وتمديدات الطاقة الشمسية بسبب تراجع الطلب، فاتجه إلى قيادة التوك توك لتأمين مصروفه ومصروف عائلته. ويلفت إلى البعد الإنساني لهذه الوسيلة، لا سيما في نقل المرضى وكبار السن الذين لا يستطيعون السير في الأزقة الضيقة أو استخدام وسائل نقل أخرى.

ولم يعد دور التوك توك مقتصرًا على نقل الركاب فحسب، بل تطوّر ليشمل خدمات التوصيل. ويوضح صالح عفيفي أن سائقي التوك توك باتوا ينقلون الدواء والخضار والمواد الغذائية، ويخدمون الأفران والمحلات التجارية، بأسعار مناسبة لمختلف فئات المجتمع داخل المخيم.
ويضيف أن هذه المهنة "تؤمّن الحد الأدنى من العيش"، رغم الصعوبات التي يواجهها السائقون المستأجرون، لا سيما كلفة الإيجار والمحروقات.
بدوره، يشير خالد عودة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين إلى أن التوك توك سهّل حياة العديد من العائلات، وخصوصًا النساء اللواتي لا يستطعن مغادرة منازلهن بسهولة، إذ تحوّل السائقون إلى ما يشبه خدمة توصيل سريعة تؤمّن احتياجات البيوت خلال وقت قصير.
هنا يظهر أنّه في مخيم نهر البارد، لم يعد التوك توك مجرد وسيلة نقل عابرة، بل بات انعكاسًا لواقع اقتصادي واجتماعي صعب، وحلًا عمليًا للتكيّف مع الأزمات المتلاحقة. وبين الحاجة اليومية للمواصلات، وسعي الشباب إلى لقمة العيش بكرامة، يواصل التوك توك أداء دوره في تخفيف المعاناة، مؤكّدًا مرة أخرى قدرة الفلسطينيين على ابتكار حلول بسيطة في مواجهة واقع معقّد.
