فلسطين المحتلة - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
وجّه الأسير في سجون الاحتلال مروان البرغوثي النائب في المجلس التشريعي، رسالة تم توزيعها على البرلمانيين في مختلف أنحاء العالم، حول إضراب الأسرى عن الطعام "إضراب الحريّة والكرامة".
كما وجّه رسالته إلى أعضاء الجمعية البرلمانيّة لمجلس أوروبا الذي يضم (47) دول ويُمثّل (800) مليون مواطن في دول القارة الأوروبي، وهو يُعنى بقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية.
وكان الأسير البرغوثي قد كتب الرسالة مسبقاً، تحسباً لعزله وعزل الأسرى المضربين، لمناشدة برلمانيّو العالم لدعم الإضراب ومطالب الأسرى العادلة والشرعيّة.
وقام السفير رياض منصور المندوب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة في نيويورك بإيصال الرسالة إلى البرلمانيين في أرجاء العالم.
فيما يلي نص الرسالة:
الزملاء النواب الأعزاء،
إذا كنتم تقرؤون هذه الرسالة الآن، فهذا يعني أن الاحتلال "الإسرائيلي" قد اختار الاستمرار في سياساته القمعية والعقوبات الجماعية ضد الأسرى الفلسطينيين والتحريض ضدهم بدلاً من تلبية مطالبهم الشرعية، واستلامكم هذه الرسالة يعني أيضاً أنني قد وضعت في العزل الانفرادي مرةً أخرى مع زملائي الآخرين المضربين عن الطعام، ولكننا لن نصمت ولن نستسلم ولن تنكسر إرادتنا.
إن إضراب الأسرى عن الطعام هو وسيلة شرعيّة وسلميّة لمواجهة انتهاك حقوق الأسرى التي يكفلها القانون الدولي، وبما أنّ الأسرى الفلسطينيين يقبعون تحت ظلم الاحتلال، فإنّ لهم الحق في الحماية بموجب القانون الدولي الإنساني، نحن لجأنا لهذا الإضراب بعد أشهر من استنزاف جميع جهودنا وكافة محاولاتنا لنيل مطالبنا الشرعية المتعلقة بالاعتقال التعسفي الجماعي للفلسطينيين والتعذيب والإجراءات العقابية تجاه الأسرى والإهمال الطبي المتعمد وزيارة ذوينا والاتصال معهم والحق في التعليم، وتلك أبسط الحقوق التي يتوجب أن ننعم بها.
الزملاء والأصدقاء الأعزاء:
إنني أثمن تضامنكم مع زملائكم النواب الفلسطينيين الأسرى، كما أثمن دعم البرلمانات في مختلف أرجاء العالم لحقوق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه في تقرير مصيره، وإنهاء الاحتلال الغاشم، وتحقيق السلام العادل والشامل وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.
ولكن "إسرائيل" تستمر في اعتقال النواب الفلسطينيين حيث كنت أول نائب فلسطيني يتم اعتقاله وذلك في العام 2002، ومنذ ذلك الحين، اعتقلت "إسرائيل" 70 نائباً، أي أكثر من نصف أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، ولا يزال 13 منهم يقبعون في سجون الاحتلال، مما يعتبر إهانة لكل البرلمانيين وللديمقراطية ولحقوق الإنسان، كما تعتبر إهانة للحرية والعدالة، ويجب الرد عليها.
إنّ مصير النواب الفلسطينيين هو مصير الشعب الذي يمثلونه، فلقد اعتقل الاحتلال "الإسرائيلي" ٠٠ ٨ ألف فلسطيني خلال ٥٠ عاماً، أي ما يعادل 40% من الذكور في الأرض الفلسطينية المحتلة. ولا يزال 6.500 منهم يقبعون في زنازين الاحتلال، جميعنا في نظر "إسرائيل" مدانون وتهمتنا غير المعلنة هي رغبتنا في الحرية، جوعنا لها، و تضحيتنا من أجلها.
إن القانون "الإسرائيلي" يُبيح الاستعمار والعقاب الجماعي والتمييز والفصل العنصري، وهل من الطبيعي ان لا يتم مساءلة من ساند هذه القوانين؟ لقد قام برلمانيون "إسرائيليون" بالتحريض على اعتقالنا ودعموه وشجعوه. ها هم يجلسون بينكم في المحافل البرلمانية الدولية بينما يمنعوننا ويحرمون علينا ذلك.
وكذلك بالنسبة للمحاكم "الإسرائيلية"، فهي جزء من هذا الاحتلال العسكري الاستعماري الذي لطالما هدف إلى الاستيلاء على أرضنا واستبدال أهلنا واستئصال جذورنا. وعلى عكس ادعاءات المحاكم "الإسرائيلية" التي لا أساس لها من الصحة، فإننا نملك الأدلة والحقائق، فلقد أدانت هذه المحاكم العسكرية الفلسطينيين بمعدل يصل إلى 90-99%. وأقولها مرةً أخرى: هذا أبارتهايد قضائي يدين الوجود والصمود الفلسطيني بينما يمنح الحصانة لـ "الإسرائيليين" الذين يرتكبون الجرائم ضد شعبنا.
كما تعلمون، لقد تمت إدانتي من قبل محكمة "إسرائيلية" رفضت الاعتراف بها و بشرعيتها، خاصة بصفتي ممثل لشعب يقبع تحت الاحتلال، وحكم عليّ بالسجن لـ5 مؤبدات و40 عاماً بتهمة "الإرهاب" في محاكمة سياسية صورية بشهادة المراقبين الدوليين، ولم تقبل أي دولة على وجه الأرض هذا الحكم، لأن مثل هذه الأحكام هي مصير قادة حركات التحرر في مختلف أرجاء العالم عبر التاريخ. فلم تستطع محكمة ريفونيا التي حكمت على نلسون مانديلا بالسجن مدى الحياة نزع الشرعية عنه وعن نضال شعبه، بل ساهمت في نزع الشرعية عن نظام الفصل العنصري الذي أصدر الحكم الجائر عليه.
ولهذا السبب، لقد قام أحمد كاثرادا، رمز مناهضة الأبرتهايد ورفيق مانديلا، بإطلاق الحملة الدولية لحرية مروان البرغوثي وكافة الأسرى الفلسطينيين، وهو الذي كان قد أطلق حملة الحرية لمانديلا قبل أن يمضي هو كذلك 26 عاماً في سجون الفصل العنصري، ولهذا السبب تم إطلاق هذه الحملة من زنزانة نيلسون مانديلا في روبن آيلند، وانضم 8 من حاملي جائزة نوبل للسلام، و120 حكومة، والمئات من البرلمانيين، والقادة، والأكاديميين، والفنانين، والمفكرين، ومؤسسات المجتمع المدني لهذه الحملة الدولية. ولهذا قرر حائزون على جائزة نوبل للسلام وبرلمانيون وبرلمانات ترشيحي لجائزة نوبل للسلام دعماً لنضال شعبنا الفلسطيني من أجل الحرية.
لطالما عانى الأسرى الفلسطينيون من الظلم والاضطهاد، ولكن في السنوات الأخيرة عمدت سلطات الاحتلال إلى حرمان الأسرى حتى من حقوقهم التي تمكنوا من انتزاعها من خلال خوضهم إضرابات سابقة عن الطعام، فكان علينا التصدي لهذا التصعيد في عقاب الأسرى وذويهم. ولقد قررنا خوض هذا الإضراب لأن "إسرائيل" لم تترك لنا أي خيار آخر. فلقد أجبِرَ الفلسطينيين دائماً على التضحية من أجل نيل حقوق من البديهي التنعم بها ولكنهم حرموا منها، كذلك الأسرى الفلسطينيين.
لقد أطلقنا اسم "الحرية والكرامة" عنواناً لهذا الإضراب، لأن الحرية والكرامة تخفق في قلب شعبنا وتعيش في وجدانه، فنحن عانينا على مدى 70 عاماً ولا نزال نسعى لتحقيق حريتنا والحفاظ على كرامتنا، ونعلم أن للحرية والكرامة صدى يدوي في كل أرجاء العالم وفي تاريخ البشرية وتاريخ النضال ضد جميع أشكال القمع والعبودية. الحرية والكرامة قيم إنسانية جوهرية تحقيقها وحده يسمح بإنجاز السلام، لأن السلام لا يقوم بين الظالم والمظلوم، ولأن السلام لا يمكن أن يتحقق مع وجود الظلم والاضطهاد، كما لا يوجد سلام بين السجين والسجّان، وحدها الحرية هي الطريق إلى السلام.
إنني أدعوكم واناشدكم برفع صوتكم عاليا من أجل جميع من تحاول "إسرائيل" إسكاتهم، إنني أدعوكم لوقفة عز من أجل من تم الزج بهم في غياهب الزنازين ليتم نسيانهم، أدعوكم لدعم المطالب العادلة لإضراب الأسرى الفلسطينيين وضمان احترام القانون الدولي الذي يحفظ لهم حقوقهم، أدعوكم لدعم حرية وكرامة الشعب الفلسطيني حتى يتم تحقيق السلام.
ربما يعتقد البعض بأن هذه هي النهاية وأننا سوف نهلك هنا في العزل الانفرادي، ولكنني أعلم أنه رغم هذا العزل الجائر نحن لسنا وحدنا، أعلم أن ملايين الفلسطينيين وغيرهم في مختلف أرجاء العالم يقفون معنا وإلى جانبنا، فأقول لكم جميعاً بأن لنا لقاء قريب، ولنا موعد مع الحرية.