مقال: ماهر شاويش
ليس تصريحاً عابراً ما قاله بنيامين نتنياهو في بدء الاجتماع الأسبوعي لحكومته، ناقلاً لهم مجريات الحديث مع نيكي هايلي، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، حيث خاطبهم قائلاً: "قلت لهايلي آن الأوان للأمم المتحدة لكي تنظر في استمرار عمل الأونروا".
وممَّا لا شك فيه أنها لم تكن المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي أشار خلالها قادة الاحتلال ومسؤولوه، سواء عبر القول أو الفعل، لرؤيتهم القديمة الجديدة لهذه المؤسسة الدولية، وهو بالطبع ما يعكس نظرتهم المباشرة لها، وكذا موقفهم من قضية اللاجئين الفلسطينيين، حيث أضاف نتنياهو في ذات الاجتماع مستنكراً ومحرضاً: "بينما يوجد ملايين اللاجئين في العالم تعتني بهم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة فإن للفلسطينيين وحدهم وكالة خاصة بهم".
وتابع نتنياهو قوله: "إن تحريضاً واسع النطاق ضد "إسرائيل" يمارس داخل مؤسسات الأونروا"، مشيراً إلى أن "وجودها يفاقم مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بدلاً من حلها".
كل ما سبق وغيره الكثير يفتح الباب واسعاً حقيقة حول تجديد طرح النقاش المتعلق بوجود الأونروا تحديداً في هذا التوقيت؟!
وفي استحضار تاريخ الكيان الصهيوني مع الأونروا نلاحظ أن العلاقة منذ تأسيس الأخيرة لم تكن على ما يرام، وكانت دوماً محل نقد واحتجاج، ولم تخل من دعوات صريحة للشطب والإلغاء.
فقد نقل موقع "القناة السابعة" على سبيل المثال لا الحصر مقالاً كتبه "عادي أربيل" بعنوان "يجب إغلاق الأونروا". قال فيه: "إن الأونروا في كل سنوات عملها لم تصلح شأن لاجئ واحد، بل عملت على الحفاظ على حق العودة". وأشار إلى أن إقامة هذه الوكالة وتخصيصها لرعاية قضية اللاجئين الفلسطينيين تحديداً، كان خطيئة بحد ذاته.
والخطيئة الثانية حسب أربيل هي عدم وضع تفويض واضح للأونروا عند إقامتها، فلم يتم وضع تعريف محدد لمصطلح لاجئ، ما سمح للأونروا بمنح صفة لاجئ ليس فقط للجيل الأول، بل لكل الأجيال اللاحقة من أبناء وأحفاد اللاجئين. ولفت إلى أنه "لو لم يتم إقامة "الأونروا" لكان عدد اللاجئين حالياً صغيراً جداً، فالغاية من إقامتها لم تكن متابعة قضية اللاجئين، بل العمل على تضخيم مشكلتهم حسب زعمه، فـ"الأونروا" هي جهاز سياسي جل هدفه هو منع المس بحق عودة اللاجئين بصفته سلاحاً للقضاء على الدولة اليهودية".
وختم أربيل قائلاً: قصة "الأونروا" كلها خطأ منذ البداية وحتى النهاية، ويتم استخدامها كأداة سياسية ضد "إسرائيل"، وعلى "إسرائيل" التعامل معها في السياق ذاته، على "إسرائيل" العمل على إنهاء هذه الوكالة فوراً".
ما قاله هذا الكاتب بالطبع هو نموذج يعكس رؤية متجذرة في الوعي الصهيوني للأونروا.
وأيضاً من أوائل الذين حرضوا على إثارة موضوع حل "الأونروا"، عضوة الكنيست السابقة عينات وولف، التي اعتبرت أنه "لا مبرر لاعتبار الأجيال الثالثة والرابعة والخامسة من أحفاد اللاجئين ممَّن ولد في غزة وغيرها لاجئين".
وكذلك رسمياً سعت "إسرائيل" إلى تغيير تفويض "الأونروا" بادعاء أنها لم تقدم أي حل لقضية اللاجئين، وهذا الحل بالنسبة لـ"إسرائيل" هو العمل على توطنيهم حيث استقر بهم اللجوء، أي القضاء على أي أمل لهم بحق العودة.
وكان نائب وزير الخارجية الإسرائيلي سابقاً "داني أيلون" دعا لتغيير التفويض الممنوح للأونروا، مشدداً على أنها لم تقدم أي حل لقضية اللاجئين. كما قاد أحد ممثلي "إسرائيل" في الأمم المتحدة، رون بريسور، حملة ضد "الأونروا" قال فيها إن الإصرار على حق عودة الفلسطينيين هو تعبير مخفف لتدمير "إسرائيل". معتبراً أن نقل صفة لاجئ لأبناء اللاجئين هو أمر مضلل.
وفي ذات السياق، وفي وقت سابق، نشرت يديعوت أحرونوت مادة على موقعها الإلكتروني بعنوان: "انهيار الأونروا سيقبر حق العودة"؟!
كل ما ذكر سابقاً هو غيضٌ من فيض؛ إذ إن تصفية وجود الأونروا المرتبط بحق العودة وبقضية اللاجئين هو هدف مباشر للاحتلال وضعه نصب عينيه، وسعى ولا يزال يسعى بشكل حثيت لتحقيقه. والمتابع لهذا التوجه يدرك سلوك وممارسة الكيان الصهيوني بهذا الصدد؛ فهو لم يتوقف عنداستهداف هذه المؤسسة وحسب، بل وجه سهامه إلى اللاجئين أنفسهم وبناهم التحتية في المخيمات، وشن حرباً على كل ما يرمز لحق العودة باعتباره حجر العثرة الكؤود أمام كل مخططاته في تصفية القضية الفلسطينية.
ربما يرى نتنياهو اليوم، وفي ظل انشغال العالم العربي بقضاياه الداخلية، فرصة مؤاتية لتحقيق هذا الهدف، وقد زاد حماسه هذا حالة الانقسام المحلي الفلسطيني وكذا العربي، حتى بتنا نشهد إرهاصات تفكك كيانات ومجالس عربية لم يتوقع أحد ما أن تصل إلى ما وصلت إليه.
الأمر جد خطير ويستدعي وقفة من قبل صناع القرار الفلسطيني رسمياً وفصائلياً، تساندهم فيها مؤسسات المجتمع المدني والأهلي والنقابي الفلسطيني، تكون فيها الغلبة لإعلاء صوت المصلحة الوطنية بعيداً عن الحسابات الحزبية والفئوية الضيقة. فالمستهدف هو حق العودة جوهر القضية الفلسطينية وعنوانها الأساس.