فلسطين المحتلة - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
صابرينا جودة
قبل نحو عام وتحديداً في 2/5/2016، قُتل الناشط بهاء نبابتة (29) عاماً من مخيّم شعفاط للاجئين شمال شرقي القدس المحتلة، كان ضحيّة رصاص مجهولين، اُطلِق النار عليه أثناء مروره في الشارع الرئيسي للمخيّم. نبابتة كان دعا في لقاءٍ سبق الحادثة إلى ضرورة تدخّل السلطة الفلسطينية ومؤسساتها من أجل القيام بواجبها في القضاء على آفة المُخدرات ومروّجيها وشل عملهم.
مخيّم شعفاط الذي يُشكّل جزءاً من أحياء القدس المحتلة التي عُزلت عن امتدادها الطبيعي خارج جدار الفصل العنصري، تطوّقه المستوطنات والنقاط العسكرية إلى جانب الجدار، لتجعل منه بيئة خصبة لتفريخ مشاكل وأزمات تؤثّر على البُنية الاجتماعية والحياتية داخله، من بينها المخدّرات والسلاح وكثير غيرها، وبتسهيل من الاحتلال، فأصبح المخيّم ملغوم بمختلف أنواع الممنوعات من "كوكايين، حشيش، مرجوانا، حبوب اكستازي، المبسطون والمسطلون، والهايدرو.."، طالت مؤخراً طلاب المدارس والنساء لتُشكّل ظاهرة كارثية جديدة يصعُب حصرها والسيطرة عليها.
يتعامل القضاء "الإسرائيلي" بمعايير مزدوجة فيما يخص تعاطي وترويج المخدرات، إذ ينص القانون على أنّه في حال القبض على مُتعاطي المخدرات يتم تخييره بين الحبس الفعلي أو دفع غرامة، وبين التوجّه إلى مركز للعلاج، وفي حال قبض على مروّج أو تاجر مخدرات فإنّ الحكم قد يصل إلى الحبس الفعلي لمدة (10) سنوات كحد أقصى، إلّا أنّ هذا القانون لا يُطبّق في حال إلقاء القبض على مُتعاطي أو تاجر مخدرات فلسطيني.
الشاب (م. ج) مُدمن سابق يبغ من العمر (27) عاماً، يقول لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" أنّ والده تقدم بشكوى لدى النيابة العامة ضده، بشأن قضية التعاطي، وألقي القبض عليه واحتجز لمدة شهر، إلّا أنّه لم يخيير بين العلاج أو السجن، يقول: "قضيت معظم فترة التحقيق في الإجابة عن أسئلة تتعلق بالجيران، ولا تمت لموضوع المخدرات بأي صلة"، وبعدما أطلق سراحه توجه طوعاً إلى مركز لعلاج الإدمان.
اما الشاب (ر. م) البالغ من العمر (34) عاماً، أصيب بشلل نصفي بعد أن حاول الانتحار حين ركض مُسرعاً في الشارع باتجاه سيارة، يقول لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "بدأت قصتي مع المخدرات منذ كنت طالب في الثانوية، وما دفعني للتجربة هو الفضول والتحدي"، كان يعرف مُدمن توفي جراء جرعة زائدة من المادة المخدرة، وكان الأخير يُخبره أنّه ما أن يبدأ التعاطي لن يتمكن من الإفلات من الإدمان، فأراد أن يُثبت العكس وأنّه قادر على التحكم بنفسه ويستطيع خوض التجربة دون أن يقع تحت سيطرة المُخدّر إلى أن اكتشف العكس، يقول: "المُخدر أقوى مني ومن كل مخاوفي وأهلي وأصدقائي ومن الحياة"، ويتابع "بتلاقي حالك مُستعد تكذب بعدين بتصير مستعد تسرق بعدين بتصير تفكر حتى بالقتل.. بس تحصّل المُخدّر وترتاح"، وبدأت عملية توفير المُخدر تزداد صعوبة مع الوقت، فقام الشاب الذي كان يحصل من خلاله على المُخدر، بإيصاله بما أسماه "المعلّم" ليتفاجأ حين تواصل معه بأنّه "إسرائيلي".
يقول الشاب (ر. م) أنّ هذا الرجل وعده بإعطائه الكميّة التي طلبها دون مقابل، في حال وافق على العمل معه، وقال له: "المخيم سوق جيّد لترويج البضاعة، لكن لا أستطيع العمل بنفسي داخله". ويضيف (ر. م)، "طلب مني أن أعمل معه، كان كل ما يعنيني في تلك اللحظة هو الحصول على المُخدّر، لم ينتظر مني إجابة، أعطاني كمية تكفي عشرة مدمنين وطلب مني الخروج من السيارة."
بعد مرور أسبوع عاود "المعلّم الإسرائيلي" الاتصال بالشاب وطلب منه مقابلته في نفس المكان، وكان برفقته رجلان آخران في المقعد الخلفي للسيارة، جاء بكميّة أكبر من المُخدّرات، يقول
(ر. م)، "أخبرته أنني لا أحتاج إلى كل هذه الكمية، وأكتفي بربعها، ضحك وأخبرني أنها ليست لي إنما للبيع، وأنّ عليّ أن أقوم بذلك". أخبر الشاب "المعلم" أنّه سيدفع ثمن الكمية التي أخذها إن أمهله بعض الوقت لكن ليس بإمكانه بيع كمية جديدة، حينها وضع الرجل يده خلف مسند الرأس وأظهر سلاحه المُخبأ في حزامه مُهدداً، وخاطب رجاله قائلاً "ماه شلومخم" أي "كيف حالكم"، ثم أعطى الكمية للشاب وقال أنه سيتصل به فيما بعد ليستلم المبلغ.
هكذا كانت البداية، وتطوّر الأمر مع الوقت وبدأ (ر. م) يدل المتعاطين الذين لم يتمكنوا من توفير ثمن المخدرات، واستمر ذلك إلى أن سمع الشاب قرار اتخذه جدّه بحقه أثناء المجلس العشائري، حيث قررت العائلة بموافقة الجميع أن ينشر قرار التبرّؤ منه في الجريدة، حينها قام الشاب بتناول جرعة كبيرة من المُخدّر محاولاً الانتحار.
في أحد الأيام أثناء خطبة الجمعة بمخيّم شعفاط، تحدّث الشيخ عن هول كارثة المُخدرات في المخيّم، فقاطعه أحدهم وطلب منه أن يردع ابن شقيقه قبل أن يخطب في الناس وقال له "لو كل عائلة تمسك ابنها بيضلّش في البلد تُجار حشيش"، أجاب الشيخ بأنّهم حاولوا "ما طلع بإيدنا، هو أكبر منّا وبإمكانه حبسنا كلنا."
وحول تدخّل السلطة الفلسطينية، يقول أحد النُشطاء من مخيّم شعفاط الذين تطوعوا للحد من هذه الكارثة داخل المخيّم، أنّه لا يُفضّل تدخّلها لحل هذه المشكلة، فهي في الواقع مستفيدة من ذلك ولا تسعى إلى إيجاد حلول جذريّة، فتجربة تدخّلها كان لها أثر سلبي جداً، إذ تم تشكيل لجنة من بعض نُشطاء المخيّم من أجل مراقبة تجار المخدرات في المنطقة ليقوموا بكتابة تقارير مُفصّلة حول أماكن تواجدهم وأعدادهم وأسمائهم، ليتم التعامل معهم من قِبل الجهات المُختصة، وتم بالفعل إلقاء القبض على بعض تُجار ومُدمني المخدرات عند تواجدهم في أماكن عمل سلطة مكافحة المخدرات بالضفة المحتلة، وتم التعامل مع المقبوض عليهم بطرق غير قانونية، فكان يتم تعذيبهم في مراكز التوقيف بشكلٍ وحشي، أمّا تجار المُخدرات يتم استغلالهم للعمل كمندوبين لدى السلطة ليصلوا من خلالهم إلى التجار الأكبر من أجل ابتزازهم أحياناً لتحقيق مصالح خاصة، حسب الناشط الذي تطوّع لمدة عام مع اللجنة التي كانت تسعى للحد من انتشار المخدرات.
أما أهالي مخيّم شعفاط فيقترحون أن يتم تشكيل مجلس عشائري من جميع عائلات المخيّم لأنّ القضية تمسهم وأبناءهم بالدرجة الاولى، يصدر عن المجلس قرارات أهليّة عن كيفية التعامل مع التجار والمروّجين والمُدمنين من أبناء المخيّم، وحل تلك العصابات التي تتكاثر فيه.
في ظل انتشار وتفاقم آفة المخدرات بجميع أشكالها في مخيّم شعفاط، والإدمان الذي يدفع بصاحبه للقيام بأي فعل للحصول على المخدرات، تستغل سلطات الاحتلال ذلك لتجنيد المدمنين كعصابات إسقاط وإفساد لضرب بُنية المخيّم واستغلال أولئك الشُبّان، بالمقابل فإنّ السلطة لا تقوم من جانبها بأي محاولات جادة للقضاء على هذه الظاهرة وحماية المخيّم، بل تتعامل مع القضية بشكل عبثي من خلال أفرادها الذين يقوم بعضهم باستغلال الأمر لمصالح شخصية، وبشهادة عدد من أهالي المخيّم فإنّ هناك مُستفيدين من جانب السلطة من الوضع القائم.