لبنان - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
تقرير: زينب زيّون
عندما هُجّر الفلسطيني من أرضه عام 1948 حمل معه مفاتيح بيته ظناً منه أنه عائد بعد أيام قليلة، كما وُعد، طال الإنتظار والأيام امتدت عقود لكن المفاتيح إنتقلت من جيل إلى بعده، فالعودة ليست مجرد حلم هي حقيقة يؤمن بها كل فلسطيني أينما وُجد.
وكما لقي الفلسطيني ترحيباً كلاجئ وضيف مؤقت، تعرض وما زال وإن بوتيرة مختلفة لحملات من التحريض والعنصرية، ترتفع حدتها وتنخفض بحسب المزاج السياسي أو الأمني في البلد، ولم يكن آخر تلك التصريحات التي أدلى بها الوزير السابق سجعان قزي والتي دعا فيها اللاجئين إلى الإنتشار في بلدان عربية وأجنبية.
ليست تصريحات قزي الأولى ولن تكون الأخيرة التي تفيض عنصرية بحق اللاجئين الفلسطينيين وحتى السوريين، فقد سبقه مسؤولون ورجال دين ذهبوا إلى حد تحميل الفلسطينيين وزر الحرب الاهلية اللبنانية.
فلسطينياً يأتي الرد من قلب الشارع، أما على مستوى القيادات فأغلبهم يغيب عن السمع أو تمر تلك التصريحات وكأنها لم تكن.
المسؤول السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان أبو جابر قال لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "أوسلو لم تقدّم شيئاً للفلسطيني، ولم تكفّ قوات الاحتلال عن مصادرة الأراضي، فالتوطين موضوع قديم، مطروح على لوائح إسرائيلية، ولطالما طالبت إسرائيل إبعاد اللاجئ الفلسطيني عن بلاد الطوق لإهدار حق عودته إلى أرضه". وتابع: "يعتقد البعض أن الفلسطيني يريد التوطين في لبنان، لكن الحقيقة تنفي هذا الإعتقاد لأن الفلسطيني لا يريد بديلاً عن فلسطين، وكل ما يطلبه هو حياة كريمة وأن توفر له الدولة اللبنانية حقوقه الإقتصادية والإجتماعية ليعيش بكرامته حتى تحقيق حق العودة".
مدير عام مركز التنمية الإنسانية الدكتور سهيل الناطور قال في تصريح لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "اللبنانيين، قادةً وشعباً، يؤيدون حق الفلسطيني بالعودة إلى وطنه ويرفضون التوطين، وفي هذا إجماع فلسطيني لبناني، أما ما نسمعه اليوم عبر وسائل الإعلام ما هو إلا تعبئة شعبوية حقيرة، بالمعنى الاستغلالي للتمييز العنصري". موضحاً أن " تصريح الرئيس الأميركي الذي تحدث فيه عن التوطين، أثار زوبعة كبيرة، خصوصاً على الساحة اللبنانية، فالعلاقات الفلسطينية - اللبنانية وطيدة، لكنّ صراعاً يُفتعل حول المخاوف من توطين اللاجئ الفلسطيني في لبنان.
وتابع "بالحوار علينا إقناع الفئات المعارضة للوجود الفلسطيني، في لبنان، أن يتخذوا قراراتهم بعيداً عن القمع، مثل منع الفلسطيني من مزاولة كافة المهن، لأن الجميع على علم أنّ الفلسطيني لا يستطيع العودة إلى بلاده في الوقت الحالي".
من جهته علي هويدي، المدير العام للهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين يقول: "إذا كانت الدولة اللبنانية حريصة على اللاجئ الفلسطيني وقضيّته، فلتتركه ينعم بالعيش الكريم في لبنان، ولتراعي مصالحه الاقتصادية والاجتماعية التي يحتاج إليها، أما بالنسبة للمطالبة بتشتيت الفلسطيني والعمل على إعادة انتشاره في دول عربية وأجنبية، ما هي إلا خطوة مستنكرة ومرفوضة لأنها تخدم العدو الصهيوني وتُلغي حق العودة".
فلماذا يدعوا المسؤولون اللبنانيون إلى إعادة اللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا، أو تشريدهم في دولٍ عربيّة وأجنبيّة قادرة على استيعابهم وتأمين حياة كريمة لهم؟
ألا يُعتبر هذا الموقف خروجاً عن ما نصّ عليه الدستور والقوانين اللبنانية، ومبادرة بيروت العربية (2002) التي تربط رفض التوطين بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم؟
ولمصلحة من تأتي الدعوة بتشريد الفلسطينيين وإبعادهم عن بلاد الطوق وبالتالي عن بلدهم فلسطين؟ ألا يصب هذا الطرح في المصلحة "الإسرائيلية" القائمة على تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين وإسقاط حق العودة؟
اشكاليات عديدة طرحت من قبل ناشطين فلسطينيين ولبنانيين. فقد قال الناشط عاصف موسى من مخيم عين الحلوة: "إنّنا كأبناء الشعب الفلسطيني نأسف عند سماع هكذا تصريحات من قبل بعض السياسيين في لبنان، لأنّنا جميعاً نعي ما لحق بالفلسطيني من معاناة، وكيف إقتلع من أرضه وشرّد". مشيراً إلى أنّ اللاجئ الفلسطيني ما زال متمسّكاً بحق العودة إلى ربوع فلسطين، ولكن على الدولة اللبنانية أن ترعى حقوقه المدنية باعتباره لاجئاً، حتى يحين موعد العودة.
وأعطى موسى مثالاً عن اللبناني الذي لجأ إلى بلد آخر، وحصل على كافة حقوقه لكنه لم ينسَ لبنان، وانتظر أقرب فرصة ليعود إلى وطنه، وهذا هو حال اللاجئ الفلسطيني الذي يرفض التوطين ولا يريد سوى فلسطين بلداً له.
"رفض التوطين محل إجماع لبناني وفلسطيني مشترك. لكنه لا يبرر الدعوة إلى تهجير الفلسطينيين"، هذا ما قاله رائد عطايا، الناشط في الحزب الشيوعي اللبناني، مشيراً إلى أنّ "عدم إحقاق الحقوق المدنية للاجئ الفلسطيني قرار خاطئ لأن الدولة اللبنانية تتعامل مع ملف اللاجئين الفلسطينيين من منحى أمني، دون الاكتراث للناحية الانسانية من الموضوع. وبما أنّ الفلسطيني موجود منذ زمن طويل في لبنان، وله دور بارز في تعزيز الدورة الاقتصادية، يجب على الدولة اللبنانية إعطائه حق العمل بالإضافة إلى حقه بالتملك".
وتابع عطايا "قبل الأزمة في سوريا، كان اللاجئ الفلسطيني السوري يتمتع بكافة حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والمدنية، على صعيد العمل وصناعة القرار، وحقه في التعلم والطبابة، لكن عندما نزح إلى لبنان سُلبت هذه الحقوق منه، لاعتبار الدولة اللبنانية أن في ذلك أساليب توطينية، وهذا اعتقاد خاطئ". مشيراً إلى أنّ إحقاق مطالب اللاجئين كفيلة بتخفيف العبء عنهم وبالتالي إبعاد شبح التعصب وعدم إنخراط هؤلاء اللاجئين مع مجموعات إرهابية، فنكون بذلك وفّرنا الحماية للاجئ وبالتالي للبنان".