فلسطين المحتلة-ساري جرادات
"هناك مدن لا يُمكن لأحد أن يسلبها من أهلها، لا القرارات ولا الاتفاقيات ولا المؤامرات، المُدن التي ما من تاريخ يرفض أن تكون لغير أهلها، المُدن التي تحفظ ناسها عن ظهرِ قلب وتقرأ ملامحهم من أوّل عبور، والأهل يرفضون التعب ويُواجهون الإرهاب المُنظّم لأجلها"، بهذه الكلمات بدأت اللاجئة سماح حسنين من مخيّم العرّوب حديثها لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين."
منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة للكيان الصهيوني، في السادس من كانون الأول عام 2017، وتوجيه أوامره للبدء بنقل السفارة الأمريكية من "تل أبيب" إلى المدينة المحتلة، لم تهدأ مدن وقُرى ومخيّمات فلسطين المحتلة من المواجهات إلى المسيرات والتحركات الرافضة للقرار، والذي تبعه قرارات أخرى طالت قضيّة اللاجئين الفلسطينيين، في حرب لتصفية القضيّة الفلسطينيّة.
وتمضي الهبّة الشعبيّة في شهرها الثالث ولم تهدأ عزيمة أبناء المخيّمات في مواجهة الاحتلال، كعادتهم انخرطوا في المواجهات والتحرّكات المُتواصلة، للتأكيد مُجدداً على تمسكهم بكامل التراب الوطني الفلسطيني وعاصمته القدس، وتفويت الفرصة على كيان الاحتلال لبسط نفوذه على المدينة المُقدّسة وتصفية القضيّة وتنغيص عيشهم اليومي.
في مخيّمي الفوّار والعرّوب بالخليل المحتلة ليس هناك من يعتبر نفسه بمعزل عن المواجهة، إن لم تكن من الشّبان والفتية المُنخرطين في الاشتباك، ستكون إمّا من المُسعفين أو الأهالي الذين تتساقط قنابل الغاز على منازلهم وأبنائهم في صفوف المواجهة، إذ يكاد لا يخلو يوم دون احتكاك مع قوات الاحتلال ومستوطنيه، خاصةً مع الهبّة الشعبيّة، فيكون الأمر ما بين رد فعل على اقتحامات يُنفّذها جيش الاحتلال للمخيّم، أو قيام الشبّان والفتية باستهداف المستوطنين وقوات الاحتلال على الطرق، والبرج العسكري التابع للاحتلال، يتبعها اقتحام قوات الاحتلال للمخيّم بهدف تنفيذ اعتقالات في صفوف الشبّان، أو معاقبة الأهالي من خلال إغلاق البوّابة الحديديّة المنصوبة على مدخل المخيّم من قِبل الاحتلال ومنعهم من الدخول والخروج.
اللاجئ الفلسطيني نبيل أبو حمّاد (32) عاماً من مخيّم الفوّار شمالي الخليل المحتلة، الذي يعمل مُمرضاً في أحد مستشفيات الخليل، يحمل مُعدّات الإسعاف وينزل لساحة المواجهات من أجل تقديم الإسعافات الأوليّة للجرحى والتخفيف من شدّة تأثير الغاز السام والقنابل المُسيلة للدموع التي يُطلقها جيش الاحتلال لإجبار المُتظاهرين على التراجع.
وفي حديث أبو حمّاد لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، اعتبر الهبّة الشعبيّة المُستمرة بداية الرّد المُتصاعد على القرارات الأمريكية بشأن القضيّة الفلسطينيّة، وأكّد رفضه المُطلق للانكسار أمام كافة أشكال الضغوط أو الإرهاب المُفرط من قِبل سلطات الاحتلال تجاه أبناء شعبه، وضرورة ترسيخ الثوابت للأجيال الصاعدة، مُشيراً إلى أنّ الانبطاح العربي والتفرّد بالقرار الفلسطيني هو ما دفع الإدارة الأمريكية لاتخاذ قراراتها الأخيرة.
وفي إطار محاولة الاحتلال الضغط على أهالي المخيّمين، قامت قوات الاحتلال خلال الهبّة الشعبيّة المستمرة باستهداف واضح لمُخيّمي العرّوب والفوّار، فأغلقت منافذها ومنعت سكان المخيّمين من التحرك في الشوارع والأزقّة، وعاث جنود الاحتلال خراباً في البسطات الموجودة على مدخل مخيّم الفوار لإرهاب وردع الأهالي.
ومن الجدير بالذكر أنّ مخيّم العرّوب شمالي الخليل مُحاط بتواجد الاحتلال ومستوطنيه، إذ يقع قربه الطريق الالتفافي رقم (60) الخاص بالمستوطنين وقوات الاحتلال، بالإضافة إلى برج مراقبة عسكري تابع لجيش الاحتلال وبوّابة حديديّة، ومن الشمال مستوطنة "أفرات" والجهة الغربيّة مستوطنة "كفار عتصيون"، وحاجز عسكري دائم عند مدخل المخيّم، يُضاف إلى ذلك حواجز طيّارة يُعاني منها سكان المخيّم.
ويقع قُرب مخيّم الفوّار جنوبي الخليل مستوطنة "حجاي" إلى جهة الشمال الشرقي، وعلى بُعد (2) كيلو متر شرق المخيّم معسكر لقوات الاحتلال "معسكر المجنونة"، بالإضافة إلى بوّابة حديديّة دائمة على المدخل الشمالي للمخيّم.
ويظن الاحتلال أنّه بانتشاره ومحاولة خنقه للمخيّمين يدفع الأهالي للالتزام بقواعده، إلّا أنك حين تسير في شوارع المخيّمات تستوقفك الأزقّة والمداخل الضيّقة المليئة بصور الشهداء والأسرى الذين ارتقوا واعتُقلوا خلال مواجهة المُحتل حين سلب أرض ومنزل أو قتل عائلة أو عقب محاولات تمرير قرارات لن يقبل بها من هُجّروا من أرضهم وبيوتهم منذ سبعون عاماً.
الصحفي سامح الطيطي (22) عاماً من مُخيّم العروب، اعتبر أنّ الولايات المتحدة وفّرت كافة مُستلزمات إقامة دولة احتلالية على أراضٍ فلسطينية، "فقرارها الأخير منح من لا يملك لمن لا يستحق، تماماً كما فعلت بريطانيا بمنح اليهود وطناً قوميّاً في فلسطين وعلى ذات الشعار."
ولفت اللاجئ الطيطي إلى أنه حان الوقت للمستوى السياسي الفلسطيني بمحاسبة الولايات المتحدة الأمريكية على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، فهي كذلك تتحمّل مسؤولية كبيرة عن استمرار لجوئه، خاصة وأنها تعتبر نفسها راعي عملية السلام في المنطقة، مُطالباً السلطة الفلسطينية بتغيير القواعد ودعم انتفاضة الشعب الفلسطيني محلياً ودولياً.
فيما يؤكد اللاجئ الخمسيني مازن العزة في حديثه لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" أنّه "دون قيادة موحّدة قادرة على النهوض بحالة الترهّل الوطني لا يُمكن التقدّم في إنجاز حقوق الشعب الفلسطيني، وعنوان الانتصار هو الوحدة الوطنية باستراتيجية ورؤية موحّدة تضم كافة ألوان الطيف السياسي الفلسطيني في كافة أماكن تواجده."
وتعتبر والدة الشهيد خالد جوابرة من مخيّم العرّوب أنّ مُمارسات الكيان الصهيوني لن تثني الشباب عن القيام بدورهم الفاعل في إسقاط قرارات مُساندة للاحتلال، ومواصلة درب الشهداء على طريق الحريّة والعودة والاستقلال، وأنّ جيش الاحتلال المُدجّج بكل أنواع القتل والإرهاب لن يستطيع إخماد مسيرة التحرير.
وترى مشاهد التلاحم بين أبناء المُخيّمين في ساحة المواجهة حين يقومون بتوزيع الأدوار لمنع اقتحام أو رفع الكلفة على الاحتلال قدر ما استطاعوا، بالإضافة إلى مساعدة نسوة المخيّم في مراقبة تحرّكات جيش الاحتلال وإبلاغ الشبّان وتحذيرهم من الكمائن التي ينصبها الجنود.