فلسطين المحتلة - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
نعت وزارة الثقافة الفلسطينية في مدينة رام الله المحتلة، أمس الجمعة 13 نيسان/ أبريل، الفنانة التشكيلية والنحاتة المقدسية، جمانة الحسيني، والحاصلة على لقب "أيقونة القدس"، والتي رحلت في العاصمة الفرنسية باريس، مخلفة وراءها تاريخًا طويلًا من تجيير الفن لصالح فلسطين عامة والقدس خاصة.
وأشارت الوزارة في بيان لها، إلى أنّ الحسيني المولودة في القدس العام 1932، بقيت طوال سنيّ حياتها مشغولة بالقدس، بل جيرت أحداثًا عالميةً لتحاكي فيها قضية بلادها، هي التي حينما زارت مدينة هيروشيما اليابانية، ربطت في لوحة شهيرة ما بين مأساة المدينة التي نكبت بالقنبلة النووية، والقدس المدينة التي نكبت بالاحتلال الصهيوني، هي التي استحضرت المكان باللوحة والصورة، ومن ثم بنمائم مكتوبة وأشكال لا تخلو من غموض هو تعبير عن غموض مصير القدس، وكأنها تسعى باستمرار للقبض على ذكرياتها وعالمها الطفولي الحميم في المدينة المقدسة.
وقال وزير الثقافة الشاعر الدكتور إيهاب بسيسو: "إنّ المشهد الثقافي الفلسطيني عامة، والفني على وجه الخصوص، خسر أيقونة فنية كبيرة، كرست كل أعمالها لصالح فلسطين والقدس، برحيل الفنانة القديرة جمانة الحسيني، التي جذرت عبر أعمالها القدس، وانتمائها للمدينة روحيًا وفنيًا، حتى جعلتها رأس هرم إنتاجها الفني".
والحسيني، تشكيلية ونحاتة من مواليد القدس، شاركت في معارض جماعيّة عدّة كان أولها في متحف سرسق بالعاصمة اللبنانية بيروت العام 1960.
درست الحسيني الرسم والخزف لثلاثة أشهر، أثناء دراستها للعلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، وبدأت بإنتاجاتها الأولى من داخل منزلها، حتى أقامت معرضها الأول خارج الوطن العربي في العاصمة البريطانية لندن العام 1965.
إلى عام 1982 كانت تقيم وتعمل في بيروت. بعد الاجتياح الصهيوني غادرت بيروت لتقيم في باريس. هناك درست فن الزجاج الملوّن. وهو ما انعكس في هندسة لوحاتها، حيث باتت متناسقة متوازنة متأثرة بالفنون الإسلامية على وجه الخصوص.
وقد أعادتها دراستها لفن الرسم على الزجاج إلى ذاكرتها الهندسية الغاصة بصور الزخارف العربية. وهو ما كان ممكنًا بالنسبة إليها من قبل. لقد ازداد فنها بساطة غير أنّه لم يعد مباشرًا. خفته صارت تشير إلى شيء هو أشبه بالهمس الموجع. في أعماق لوحاتها التجريدية لا تزال القدس مقيمة، مكانًا يحتويه الحلم باعتباره فردوسًا مفقودًا.
واستطاعت الحسيني أن تصل بصريًا إلى خلاصة المكان. هناك حيث يقع توقه إلى أن يتحرر من شكله ويخلص إلى معناه. ويشكل الخيط الذي يربط رسومها بالشعر. وجميع أعمالها تتمحور حول فلسطين والقدس بأحيائها الشعبية. وما يلفت الانتباه في أعمال الفنانة الراحلة، هو ذلك التوازي ما بين رهافة العصافير والفراشات والزهور، وقوة وثبات الأحصنة والنمور والفهود وشجرة الصبار كرموز للمقاومة والصمود والبقاء.
وذاكرة المكان بالنسبة لها هي بالضبط المعادل الموضوعي لذاكرة الفكرة. فكرتها عن الرسم باعتباره بوصلة تقود إلى الجمال. وهنا بالضبط تعبر الأيقونية عن كامل مهابتها. إنها ترتفع بالمكان من مجاله الأرضي إلى مجاله الحيوي. ما لمسته يداها تحوّل بقدرة العاطفة إلى رمز.
وكانت القدس دائمًا باعتبارها مدينة مقدسة تقدم رمزيتها، مسرحًا للعقائد على واقع كونها مدينة للعيش. وهو ما استفادت منه الراحلة في صنع أساطيرها، التي هي مزيج من المرئيات والأصوات التي تقتفي أثر الحكايات الشعبية والرؤى التي تذهب في اتجاه المعاني المطلقة.