أيهم السهلي
أكثر من 430,000 صورة سلبية وحوالي 10,000 صورة مطبوعة إلى جانب 85,000 شريحة عرض وخمسة وسبعين فيلماً إضافة إلى 730 شريط فيديو.
بهذه الصيغة تعلن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" عن أرشيفها "السمعبصري" الثري لجوانب حياة وتاريخ اللاجئين الفلسطينيين.
هذا الأرشيف كما توضح الأونروا على موقعها الإلكتروني يتألف من "صور وأفلام تم التقاطها من قبل مصوري الأونروا (ومن سبقوهم) خلال النصف الثاني المضطرب من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين".
الأرشيف الذي أصبح متاحاً عبر موقع إلكتروني خاص يؤرخ لنحو 800 ألف فلسطيني أخرجوا من قراهم ومدنهم في فلسطين عام 1948، وأصبحوا اليوم نحو 6 مليون لاجئ فلسطيني يتوزعون في مخيمات الشتات ودول العالم كافة. ويبدو أن هذا الأرشيف الذي تم إدراجه من قبل اليونسكو باعتباره "جزءاً من ذاكرة العالم"، يقدم صورة أوضح عن المعاناة التي عاشها الأجداد ويعيشها الأبناء والأحفاد جراء عمليات التطهير العرقي التي مارستها العصابات الصهيونية خلال احتلال الأرض، وقرار قياداتها الداعي للترانفسير بحق أصحاب الأرض، مثل بن غوريون الذي كان يدرك حسب قول المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس "أن لا قيـام لـدولـة يهودية بوجود أقلية عربية كبيرة داخلها".
هذه الذهنية القائمة على القتل والتشريد، دفعت مئات آلاف من الفلسطينيين لمغادرة ديارهم نحو أماكن أخرى داخل فلسطين وخارجها، حفاظاً على أرواحهم لم ترد أن توثق معاناتهم، ولذلك مثلاً لم يفرج عن أرشيف النكبة من مستودعات جيش الاحتلال الإسرائيلي والهاغاناه إلا بعد خمسين عاماً أو بعد معركة قضائية لفتحها كما يشير الكاتب الفلسطيني أنطوان شلحت في مقال له بصحيفة "العربي الجديد". ومع ذلك لم يتم الإفراج عن كل شيء لأن إسرائيل ترغب أن يبقى "التاريخ صامتاً" إزاء رصاص وسكاكين عصاباتها الذي أنشأ "الدولة" فوق جثث آلاف الفلسطينيين وحياة ملايين منهم.
حين تفتح الأونروا أرشيفها يعني أن تاريخاً جديداً سيكتب، حول واقع اللاجئين الفلسطينيين خارج التعابير الجاهزة عن المعاناة اليومية في المخيمات والاقتلاع والتطهير العرقي الذي حصل، لأن جزءاً من الصراع أصبح بين الرواية الإسرائيلية والرواية الفلسطينية، وكتفصيل لهذا الصراع، بات لزاماً أن نقول ونكتب كيف وقع الاقتلاع، كيف وقعت المجزرة، كيف نُفذ التطهير العرقي الذي يقر به موريس في أكثر من موضع ولا سيما في كتابه "مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين" وحوار أجرته معه صحيفة "هآرتس" ضمن الملحق بتاريخ 9/1/2004 ، ونشرت مجلة الدراسات الفلسطينية مقتطفات مترجمة للعربية من الحوار.
ولماذا اليوم علينا أن نستند للأرشيف بعد معالجته وبحثه وتحليله، في مرافعاتنا حول قضيتنا؟ لأن عدم فعل ذلك يقدم خدمة مجانية للاحتلال الذي يعتبر حسب مقال شلحت المذكور أعلاه أن "كشف الحقائق قد يشكل وسيلةً بأيدي أعدائنا وخصومنا، بل قد يؤدي إلى إضعاف عزيمة أصدقائنا"، "كشف الحقائق قد يؤدي إلى إلهاب مشاعر السكان العرب في البلد و/ أو في الأراضي الفلسطينية"، "كشف الحقائق قد يؤدي إلى إضعاف حجج الدولة في محاكم البلد أو المحاكم في العالم"، "هناك خشية من كشف معلوماتٍ قد يتم تفسيرها بأنها جرائم حرب إسرائيلية".
ولعل هذه العجالة في الحديث عن قيمة أرشيف الأونروا تبين أن الاحتلال يخشى تماما من لعبة التاريخ، كما أنه يدرك لعبته، فمثلاً نجد أن لدى الاحتلال رواية رسمية لما حصل في "حرب فلسطين" الذي ترجمته مؤسسة الدراسات الفلسطينية وأصدرته عام 1986، بينما ليس لدينا نحن العرب أو الفلسطينيون سوى رواياتنا المكتوبة هنا وهناك، وروايات المشافهة عبر تسجيل "الذاكرة الشفهية" صاحبة القيمة الكبيرة في كتابة التاريخ بمعنى الشاهد على الحدث، ولكنها اليوم بعد سبعة عقود على النكبة، لم تعد ذات قيمة تاريخية بالمعنى الدقيق كون أصحابها بلغوا من العمر عِتِيًّا. وهنا تصبح كل مصادر التاريخ بما فيها المواد الأرشيفية المتعلقة بفلسطين وشعبها ذات مكانة كبيرة وقيمة جلية في معركتنا الطويلة مع الاحتلال، وأحد أشكال مقاومته التي انتبه إليها عدد من المفكرين الفلسطينيين والعرب كأنيس صايغ الذي أدار مركز الأبحاث الفلسطيني، ونهب أرشيفه الاحتلال الإسرائيلي من بيروت خلال الاجتياح عام 1982.
ليس الصراع على الأرشيف وامتلاك أو استرداد مواده، إنما اغتنامه وتقديم الحقيقة كما حصلت وتحصل للرأي العام والجهات الدولية المعنية لتجريم نظام "أبارتهايد" لم يبدأ منذ تقرير "إسكوا" 2015 الذي سحبته الأمم المتحدة وتبرأت منه، إنما هو بدأ وقام على "أبارتهايد" مارسه بشكل منظم منذ أكثر من سبعين عاماً.
أكثر من 430,000 صورة سلبية وحوالي 10,000 صورة مطبوعة إلى جانب 85,000 شريحة عرض وخمسة وسبعين فيلماً إضافة إلى 730 شريط فيديو.
بهذه الصيغة تعلن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" عن أرشيفها "السمعبصري" الثري لجوانب حياة وتاريخ اللاجئين الفلسطينيين.
هذا الأرشيف كما توضح الأونروا على موقعها الإلكتروني يتألف من "صور وأفلام تم التقاطها من قبل مصوري الأونروا (ومن سبقوهم) خلال النصف الثاني المضطرب من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين".
الأرشيف الذي أصبح متاحاً عبر موقع إلكتروني خاص يؤرخ لنحو 800 ألف فلسطيني أخرجوا من قراهم ومدنهم في فلسطين عام 1948، وأصبحوا اليوم نحو 6 مليون لاجئ فلسطيني يتوزعون في مخيمات الشتات ودول العالم كافة. ويبدو أن هذا الأرشيف الذي تم إدراجه من قبل اليونسكو باعتباره "جزءاً من ذاكرة العالم"، يقدم صورة أوضح عن المعاناة التي عاشها الأجداد ويعيشها الأبناء والأحفاد جراء عمليات التطهير العرقي التي مارستها العصابات الصهيونية خلال احتلال الأرض، وقرار قياداتها الداعي للترانفسير بحق أصحاب الأرض، مثل بن غوريون الذي كان يدرك حسب قول المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس "أن لا قيـام لـدولـة يهودية بوجود أقلية عربية كبيرة داخلها".
هذه الذهنية القائمة على القتل والتشريد، دفعت مئات آلاف من الفلسطينيين لمغادرة ديارهم نحو أماكن أخرى داخل فلسطين وخارجها، حفاظاً على أرواحهم لم ترد أن توثق معاناتهم، ولذلك مثلاً لم يفرج عن أرشيف النكبة من مستودعات جيش الاحتلال الإسرائيلي والهاغاناه إلا بعد خمسين عاماً أو بعد معركة قضائية لفتحها كما يشير الكاتب الفلسطيني أنطوان شلحت في مقال له بصحيفة "العربي الجديد". ومع ذلك لم يتم الإفراج عن كل شيء لأن إسرائيل ترغب أن يبقى "التاريخ صامتاً" إزاء رصاص وسكاكين عصاباتها الذي أنشأ "الدولة" فوق جثث آلاف الفلسطينيين وحياة ملايين منهم.
حين تفتح الأونروا أرشيفها يعني أن تاريخاً جديداً سيكتب، حول واقع اللاجئين الفلسطينيين خارج التعابير الجاهزة عن المعاناة اليومية في المخيمات والاقتلاع والتطهير العرقي الذي حصل، لأن جزءاً من الصراع أصبح بين الرواية الإسرائيلية والرواية الفلسطينية، وكتفصيل لهذا الصراع، بات لزاماً أن نقول ونكتب كيف وقع الاقتلاع، كيف وقعت المجزرة، كيف نُفذ التطهير العرقي الذي يقر به موريس في أكثر من موضع ولا سيما في كتابه "مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين" وحوار أجرته معه صحيفة "هآرتس" ضمن الملحق بتاريخ 9/1/2004 ، ونشرت مجلة الدراسات الفلسطينية مقتطفات مترجمة للعربية من الحوار.
ولماذا اليوم علينا أن نستند للأرشيف بعد معالجته وبحثه وتحليله، في مرافعاتنا حول قضيتنا؟ لأن عدم فعل ذلك يقدم خدمة مجانية للاحتلال الذي يعتبر حسب مقال شلحت المذكور أعلاه أن "كشف الحقائق قد يشكل وسيلةً بأيدي أعدائنا وخصومنا، بل قد يؤدي إلى إضعاف عزيمة أصدقائنا"، "كشف الحقائق قد يؤدي إلى إلهاب مشاعر السكان العرب في البلد و/ أو في الأراضي الفلسطينية"، "كشف الحقائق قد يؤدي إلى إضعاف حجج الدولة في محاكم البلد أو المحاكم في العالم"، "هناك خشية من كشف معلوماتٍ قد يتم تفسيرها بأنها جرائم حرب إسرائيلية".
ولعل هذه العجالة في الحديث عن قيمة أرشيف الأونروا تبين أن الاحتلال يخشى تماما من لعبة التاريخ، كما أنه يدرك لعبته، فمثلاً نجد أن لدى الاحتلال رواية رسمية لما حصل في "حرب فلسطين" الذي ترجمته مؤسسة الدراسات الفلسطينية وأصدرته عام 1986، بينما ليس لدينا نحن العرب أو الفلسطينيون سوى رواياتنا المكتوبة هنا وهناك، وروايات المشافهة عبر تسجيل "الذاكرة الشفهية" صاحبة القيمة الكبيرة في كتابة التاريخ بمعنى الشاهد على الحدث، ولكنها اليوم بعد سبعة عقود على النكبة، لم تعد ذات قيمة تاريخية بالمعنى الدقيق كون أصحابها بلغوا من العمر عِتِيًّا. وهنا تصبح كل مصادر التاريخ بما فيها المواد الأرشيفية المتعلقة بفلسطين وشعبها ذات مكانة كبيرة وقيمة جلية في معركتنا الطويلة مع الاحتلال، وأحد أشكال مقاومته التي انتبه إليها عدد من المفكرين الفلسطينيين والعرب كأنيس صايغ الذي أدار مركز الأبحاث الفلسطيني، ونهب أرشيفه الاحتلال الإسرائيلي من بيروت خلال الاجتياح عام 1982.
ليس الصراع على الأرشيف وامتلاك أو استرداد مواده، إنما اغتنامه وتقديم الحقيقة كما حصلت وتحصل للرأي العام والجهات الدولية المعنية لتجريم نظام "أبارتهايد" لم يبدأ منذ تقرير "إسكوا" 2015 الذي سحبته الأمم المتحدة وتبرأت منه، إنما هو بدأ وقام على "أبارتهايد" مارسه بشكل منظم منذ أكثر من سبعين عاماً.
خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين