اليونان
تقرير: الوليد يحيى

تغريبة فلسطينيي سوريا، كما بات يُعبّر عنها، ليست متطابقة تماما مع تغريبة آبائهم وأجدادهم إبان نكبة العام 1948، رغم التقاطعات الكثيرة،  إلا أنها تبقى تغريبة في نهاية الأمر، تخلو من بعض مفردات النكبة السابقة، لكنَّ  التاريخ أضاف اليها مفرداتٍ جديدة، وهذا الكلام ليس من أجل المقارنة فهي لا تصحّ هنا، فـ" التغريب النكبوي" أولاً وأخيراً، مايزال يلازم الفلسطيني، وبالأخص "الفلسطيني السوري" وله الكثير من الحكايات التي رويت والتي تروى، وأخرى ما تزال تنتظر.

محمود أبو ستيتة، لاجئ فلسطيني من مواليد 1994،  غرّبت النكبة أجداده إلى سوريا ليصبحوا لاجئين في مخيّم اليرموك بدمشق، ويورثوه الصفة التي استقرّت به واستقرّ بها حتّى بلوغه الثالثة والعشرين من عمره، حتّى دفعته "نكبة اليرموك" لخوض تجربته في التغريب عام 2017.

تحدّث  محمود لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" عن تفاصيل تغريبته، بعد أن وضعنا بصورة سريعة، في مشهديّة استقراره كلاجئ في مخيّم اليرموك قبل الحرب ويقول :" في مخيّم اليرموك وُلدت، ونشأت ودرست في مدارس وكالة الأونروا حتّى الصف السادس الأبتدائي، واضطررت لمغادرة مقاعد الدراسة من أجل العمل ومساعدة عائلتي بسبب الأوضاع الماديّة الصعبة".

سيرةٌ تتشابه مع سِيَر  شبّان كُثر عاشوا في اليرموك، وعايشوا أيضاً الحرب التي عصفت بالبلاد والمخيّم، فستُّ سنوات عاشها محمود في ظل الحرب، دفعته أخيراً في العام 2017 لخيار الهرب خارجاً بعد أن ضاقت به سوريا بما رحبت، وحزم أمره باتجاه الأراضي التركيّة مارّاً بمخاطر الطريق نحو الخلاص.

"وخلال محاولتي الدخول للأراضي التركية تم القبض علي من قبل "الجندرما التركية" وتعرضت للضرب والطرد من قبلهم إلى الأراضي السورية" يقول محمود الذي لم يكف عن محاولات العبور التي بلغت الأربعة حتّى نجح بعد معاناةٍ لأشهر مع المهرّبين، ومنها تمكّن من العبور عبر البحر إلى اليونان.

مواجهة السجن اليوناني بالعمل التطوّعي

جزيرة ميتيليني اليونانية، وهي سجن مفتوح كما يعتبرها العديد من اللاجئين الذين استقرّت بهم تغريبتهم على سطحها، نظراً لحصر اللاجئين فيها ومنعهم من التنقل، والبطئ الشديد في إجراءات لجوئهم ومنحهم الإقامات وحريّة التنقل.

 كان الوضع صعباً ولا حياةً تُعاش بل هي المشاكل والمعاناة فقط، ومن أبسط مفرداتها النوم على الأرض وقلّة الطعام ورداءة نوعيّته، يقول محمود لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين":  "فضغط الظروف ولّد حالة نفسيّة سيّئة لدى اللاجئين وفق ما يؤكد محمود، أوصلت بعضهم  إلى الموت انتحاراً، وافتعال مشاكل بين بعضهم تصل أحياناً حدّ الضرب.

ظروف دفعت محمود إلى محولات عدّة للخروج من جزيرة ميتيليني،  ليكتشف في كلّ مرّة كم هي سجنٌ محكم الإغلاق، استغرق اختراقه شهراً كاملاً من المحاولات المضنيّة تمكّن في آخرها من الولوج إلى العاصمة أثينا، ليجد طريقاً جديداً اختار أن يواجه به ضبابيّة مصيره داخل السجن اليوناني.

"في أثينا تواصلت مع مؤسسة جفرا للإغاثة والتنمية الشبابية، وتطوعت بقسم الإغاثة في المؤسسة، واستطعت المساهمة في الكثير من الحملات الإغاثيّة للاجئين الموجودين في أثينا" يقول محمود، فالعمل التطوّعي قد مكّنه من نفض بعض غبار المعاناة التي عايشها واكتساب بعض الفوائد الشخصيّة وبعث الشعور بذاته بعد أن كادت تجّرده تغريبته القاسية من كينونته، فبذل كثيراً من الجهود بغية الحفاظ عليها بل وتطويرها، وشارك في دوراتٍ لتعلّم اللغة والتصوير والفنون والرياضة، أكسبته خبراتٍ يمكن أن يستثمرها في المستقبل، وفق ما قال.

سجن يهدده بالسجن !

لم يكن العمل التطوعي لمحمود، سوى محاولة للمواجهة المؤقتة مع واقع هو فيه مجّرد هارب من البوليس، لكونه مقيماً غير شرعي في العاصمة اليونانيّة أثينا، ليس له الحق في التنقّل والعيش بشكل طبيعي، ما دفعه لمحاولة الفرار من اليونان باتجاه دول غرب أوروبا، بغية حصوله على صفة لاجئ بما تنطوي عليه من حقوق بحياة كريمة يقول محمود لـ"بوابة اللاجين".

ويضيف :" قمت بخمس محاولات للفرار من اليونان عبر مطار أثينا إلى إحدى الدول الأوروبيّة، وجرى اعتقالي في كلّ مرّة وطردي من المطار، ما أصابني بحالة من اليأس والإحباط دفعتني للركون إلى مصيري، وتقديم أوراق لجوئي في العاصمة اليونانيّة كمحاولة أخيرة". 

في أثينا، رفضت السلطات اليونانيّة طلب لجوء محمود، وجرى تهديده  بإلقاء القبض عليه، وزجّه السجن لمدّة شهرين في حال لم يغادر دائرة الهجرة، كما هُدد بإعادته إلى جزيرة ميتيليني من قبل المحقق في إدارة الهجرة.

يُنهي محمود حديثه، بنبرة يأس وفقدان للأمل من حلّ وضعه، بعد أن سدّت كل الدروب في وجهه، وصارت تغريبته اليونانيّة مسدودة الأفق، يعلل نفسه بأن يُنظر في أمره مع كل من في حالته من لاجئين فلسطينيين أضحوا مشرّدين في أثينا وسواها، يختبؤون من أعين البوليس، في معيشةٍ تفتقد لأدنى الحقوق الانسانيّة وهي الشعور بالأمان المكانيّ على أقل تقدير.

ومع ذلك، بقي لمحمود أبو ستيتة، ما يضيء له من داخله بعض الشعور بالرضا، لا سيّما مشاركته مؤخرّاً مع فريق مؤسسة  جفرا التطوعي، في إغاثة المناطق اليونانيّة المتضررة من حريق أتيكا، ويقول:" هذا العمل الإنساني من خلال المؤسسة، أعطاني دافعاً وأملاً بالاستمرار وعدم اليأس خصوصاً عندما رأيت ردود فعل الناس هناك، وبالدور الذي يمكن أن أقدمه حتى وأنا في أصعب الظروف".

خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد