تحقيق: أوس يعقوب
نحو مليون ونصف مليون عربي فلسطيني، هم سكان البلاد الأصليون وأصحابها الشرعيون، يقيمون خلف الخط الأخضر، ونحو 8 ملايين لاجئ فلسطيني يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1967 وفي الشتات والمنافي البعيدة، يعرضهم "قانون القومية" الإسرائيلي العنصري، الذي أقرّه الكنيست في القراءة الثالثة يوم 19 تموز/ يوليو الماضي، بالمنظورين القريب والمستقبلي، لخطر كبير متمثل بالدرجة الأولى باعتبار الدين اليهودي "قومية"، واعتبار (إسرائيل) "الدولة القومية ليهود العالم"، ما يعني أن القانون يشرعن ويحّصن القوانين العنصرية الصهيونية التي تستهدف نزع شرعية حقوق فلسطيني الداخل بالمواطنة المستمدة من حقيقة كونهم أبناء البلد الأصليين، كما يستهدف مجمل حقوقنا الوطنية الفلسطينية وفي مقدمها حقوق اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة إلى أرض الأجداد والآباء، ذلك أن إقرار القانون يعني إلغاءً ذاتيًا لحقِ العودة.
موقع بوابة اللاجئيين الفلسطينيين يسعى في هذا التحقيق إلى الكشف عن الغايات والمرامي والأهداف الصهيونية التي تقف وراء سنّ هذا القانون الآن، وما يشكله من خطر على القضية الفلسطينية وعلى شعبنا داخل الوطن المحتل وخارجه في الوقت الذي تتكالب فيه الإدارة الأمريكية على فرض ما يسمى بـ"صفقة القرن"... فكان أن طرحنا على عدد من السياسيين والخبراء والكتّاب الفلسطينيين جملة من التساؤلات، وهي: لماذا جاء سنّ هذا القانون في هذا التوقيت تحديدًا؟ وما هي الخطوات المطلوبة الآن من الفلسطينيين لمواجهة هذا القانون وتداعياته على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في الداخل عام 48، وفي الضفة الغربية وقطاع غزّة، وفي الشتات والمنافي؟ وما هو الموقف من الأصوات في الداخل الفلسطيني التي ارتفعت مطالبة باستقالة أعضاء "الكنيست" العرب، والأصوات التي دعت في الضفة والقطاع إلى حل السلطة الفلسطينية والخروج كليًا من اتفاق أوسلو بعد 25 عامًا على توقيعه؟ وأخيرًا، ماذا عن الدعاوى المرفوعة للمحكمة العليا الإسرائيلية ضد القانون؟ وهل ستتخذ هذه المحكمة موقفًا يخالف القانون الذي صودق عليه؟ أم أنها ستكرسه؟ وتاليًا هل توافق على ذهاب منظمة التحرير إلى محكمة العدل الدولية، ومطالبتها بمحاكمة (إسرائيل) لانتهاكها شروط العضوية بعد إقرارها "قانون القومية"، من خلال ممارسة فصل عنصري (أبارتهايد) داخلها، والاستعمار الاحتلالي الاستيطاني في الضفة والقطاع؟ أم كيف يجب أن يكون الرد المناسب فلسطينيًا على المستوى الدولي استنادًا إلى رؤية فلسطينية وطنية شاملة جديدة في ظل الانقسام الفلسطيني؟
بركة: توقيت سنّ القانون مرتبط بالمؤشرات الكارثية لصفقة القرن
محمد بركة (رئيس لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية) داخل الخط الأخضر):
"قانون القومية" مطروح على جدول أعمال "الكنيست" منذ سبع سنوات، وسبقته سنوات من الجدل حوله، وتأخير سنّه نهائيًا، نابع من خلافات داخل المؤسسة الحاكمة، والأحزاب التي تدور في فلكها، حول طبيعة الحكم وأهدافه، لأن كل هذه القوى متفقة بالإجماع حول ما نراه الهدف الأساس، حجر الزاوية لهذا القانون الصهيوني الاقتلاعي العنصري، وهو أن فلسطين بالنسبة لهم "أرض إسرائيل"، وأنها "الوطن التاريخي" لما أسموه "الشعب اليهودي". فكل البنود الإقتلاعية والعنصرية ترتكز على هذا المبدأ. وقد تسنى سنّ القانون بعد تسويات حزبية بين الأحزاب التي تشكل الائتلاف الحالي.
أما في الجانب الجوهري السياسي فإن توقيت سنّ القانون مرتبط بالمؤشرات الكارثية لصفقة القرن ويأتي تحضيرًا لها كما تشير الدلائل.
ونحن على مستوى فلسطينيي الداخل، قد شرعنا في سلسلة خطوات، على صعيد الكفاح الشعبي الميداني، من تعبئة ومظاهرة ضخمة في مدينة "تل أبيب"، وتظاهرات في مختلف المدن والبلدات، وهي العنوان الأول في كافة نشاطاتنا الكفاحية.
كما أننا ننشط على المستوى الدولي، من خلال حراك للجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، وأيضًا على مستوى كتلة القائمة المشتركة في "الكنيست"، كما أن مراكز حقوقية تنشط هي أيضًا على الصعيد الدولي، بهدف محاصرة القرار والموقف الإسرائيلي، في الساحة الدولية.
لا تتملكنا أوهام كبيرة، على ضوء اختلال الموازين الدولية لصالح (إسرائيل) والحركة الصهيونية، ولكن هذا لن يمنعنا من النشاط الدولي، أيضًا بهدف تعبئة الرأي العام العالمي كي يضغط حيث أمكن على حكومات دوله.
دعوة لإضراب عام يشمل الكل الفلسطيني في 1 أكتوبر..
كما بادرنا على المستوى الفلسطيني العام، باجتماع مع كافة القوى الوطنية الفلسطينية، وخرجنا بقرار وحدوي، لتنفيذ إضراب عام يشمل الكل الفلسطيني، كتعبير عن حراك وحدوي شامل، وهذا نشاط غير مسبوق، وسيكون في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، بالتزامن مع الذكرى الـ 18 لانطلاق الانتفاضة الثانية، وهبة القدس والأقصى.
وعلى المستوى الفلسطيني الرسمي فنحن نعلم أن هناك حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا على المستوى الدولي، ولكن المطلوب فورًا إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، كي يعزز الموقف الفلسطيني الوطني أمام المحتل وأمام العالم، فهذه الحالة تضرب المقاومة الشعبية بما يفيد الاحتلال المعني الأول باستمرارها، وتأجيج الإحتراب الفلسطيني الداخلي.
إننا نريدها وحدة واضحة حول المشروع الوطني الفلسطيني، وحدة، وتعزيز مكانة منظمة التحرير الفلسطيني، وتوسيع صفوفها، على أسس المشروع الوطني الفلسطيني.
كل ذلك الى جانب الالتماس للمحكمة لإبطال القانون في المستوى القضائي. وإطلاق "عام اللغة العربية" ردًا على إلغاء مكانة اللغة العربية، والدعوة إلى عقد مؤتمر عام للجماهير الفلسطينية في الداخل لتعزيز الكلمة الموحدة لجماهيرنا ولتعزيز مكانة لجنة المتابعة بوصفها الهيئة القيادية الوحدوية.
أما بخصوص مسألة المشاركة في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، فقد كانت هذه المسألة وما زالت طيلة الوقت موضع خلاف واجتهادات، ولكن بالإمكان القول، إن موقف الغالبية العظمى من جماهيرنا تؤيد الانخراط في هذه الانتخابات، وهذا ما تفرزه نتائج الانتخابات في كل مرّة من حيث نسب المشاركة فيها، إذ أنه ليس كل من لم يشارك في يوم الانتخابات ذاك، هو ضد المشاركة، فقد يكون قد شارك في السابق، وسيشارك في المستقبل.
ولكن في موقفنا اليومي، لم يكن لدينا في أي يوم من الأيام وهمٌ بأننا نشارك في هذه الانتخابات كي نقلب موقف المؤسسة الحاكمة رأسًا على عقب، فأساس مشاركتنا يرتكز على أن "الكنيست" ميدان مواجهة مباشرة ضد المؤسسة الصهيونية الحاكمة، ونحن نؤمن أن ميدان المواجهة الأساس هو الشارع والحراك الجماهيري الواسع، وفي ذات الوقت فإننا لسنا في وضع يسمح لنا بالتنازل عن أي ميدان مواجهة، طالما أن الثمن لن يكون على حساب التمسك بهويتنا الوطنية الفلسطينية".
يضيف القيادي محمد بركة: "قانون القومية" هو قانون اقتلاعي عنصري شرس، ولكنه ليس وحده بهذا المستوى، فقد سبقته قوانين لا تقل خطورة، وأشدها قانون العودة، ورغم ذلك نواصل معركتنا في مواجهة مباشرة، ونسعى إلى استخدام الأدوات البرلمانية بهدف الاختراق حيث أمكن، وتحقيق إنجازات ولو متواضعة، حيث أمكن، ولا أعتقد أن فكرة إخلاء الميدان يعطي معركتنا زخمًا كفاحيًا أكبر.
وفي هذا المجال من الضروري الإشارة، إلى أن بقاءنا في الوطن، متمسكين بهويتنا وانتمائنا، وتطوير ذاتنا رغم كل القيود، لم يكن بحسن نوايا الصهيونية وكرم منها، بل بالرغم من كل سياسات الصهيونية، التي أرادتنا طيلة الوقت حطابين وسقاة ماء عندهم، نعيش على أضيق بقعة أرض، في حين رغبتها الأكبر هو اقتلاعنا. وأعتقد جازمًا أن الخط المركزي في كفاحنا القائم منذ العام 1948، وبضمنه المشاركة في الانتخابات "الإسرائيلية"، هو العنصر الأساس في تحقيق إنجاز البقاء والصمود.
يتابع بركة: "نحن لا نعول على جهاز القضاء الإسرائيلي، ورغم ذلك قررنا في لجنة المتابعة التوجه إلى المحكمة العليا، بناء على حسابات دقيقة لدى مراكز حقوقية، تستعد لتحركات أوسع وهذا التداول القضائي سيضع صعوبات أمام الجهاز القضائي للمصادقة على قانون بهذه الفظاظة العنصرية، لذلك فإن التوجه إلى المحكمة يشكل أيضًا اختبارًا لهذه المؤسسة القضائية ولا شك أنها ستدفع ثمن سقوطها في حال المصادقة الجارفة على قانون القومية، من ناحية ثانية، ورغم أن حال القضاء الدولي ليس أفضل، إلا أن التوجه إلى إليه ضمن الحراك الدبلوماسي الفلسطيني، سيكون مجديًا، بهدف جمع نقاط على مستوى الرأي العام العالمي."
العاروري: وضعنا الداخلي كان عاملًا حاسمًا في إقرار القانون
أمّا الخبير القضائي والإعلامي المختص في مجال حقوق الإنسان، ماجد العاروري، فقال لموقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين : "أعتقد أن سنّ هذا القانون في هذا التوقيت جاء تماشيًا مع ما يسمى بـ"صفقة القرن" وإقرار ما يعرف بـ"يهودية إسرائيل"، حيث يشهد العالم العربي حالة من التراجع في دعم القضية الفلسطينية واقترابًا من (إسرائيل)، مستغلين فرصة إظهار إيران باعتبارها الخطر الحقيقي على العالم العربي والعدو الأول للعرب وليس (إسرائيل)!.. فيما تشهد معظم البلدان العربية حالة من الصراع الداخلي مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا حيث لم تعد القضية الفلسطينية أولوية، مستغلين وجود الرئيس ترامب في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية الداعم بقوة لمثل هذا المشروع، حيث أصبح العالم جاهزًا لتقبل هذه الفكرة في هذا الوقت بالذات.
أعتقد أن الوضع الفلسطيني الداخلي كان عاملًا حاسمًا في إقرار هذا القانون، فالإنجاز الذي حققته منظمة التحرير الفلسطينية في السبعينيات في إبراز الهوية الفلسطينية، وإبراز الفلسطينين كشعب يسعى إلى تقرير مصيرة تلاشى، وأصبح الفلسطينيون أقرب إلى الجماعات السكانية المتناحرة منهم إلى شعب واحد يسعى إلى تقرير مصيره، منذ اتفاق أوسلو لم يعد هناك همًا وشعورًا واحدًا يربط بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزّة من جهة والفلسطينيين داخل الخط الاخضر من جهة أخرى، حيث أسقطت قضيتهم من المعادلة الفلسطينية وانقطعت العلاقة مع التجمعات بالخارج الفلسطيني، وبالتالي أصبح الفلسطينيون على الأقل ثلاث فئات لا تربطهم مصالح.. وباتت كلمة القضية الفلسطينية تعني الضفة الغربية وقطاع غزّة إلى عام 2007 حيث حصل الانقسام السياسي والجغرافي وتلاشت المصلحة المشتركة، وأصبحنا "تجمعيين"! كل تجمع له مشروعه السياسي الخاص به، ولم يعد هناك على أرض الواقع شعب فلسطيني واحد بل جماعات متناقضة المصالح والأهداف وهذه فرصة تاريخية لـ "إسرائيل" لإعلان "قانون القومية اليهودية"، تصنع من خلاله شعبًا يهوديًا يقر مصيره على أرض (إسرائيل) ويعتبر المستوطنات جزءاً مما يسميه "الدولة اليهودية".
البحث عن كيان سياسي جديد ..
يضيف الخبير القضائي الفلسطيني: "أرى أن على الفلسطنيين في هذه المرحلة البحث عن كيان سياسي جديد قادر على توحيد التجمعات الفلسطينية المختلفة والمتناحرة، وقادر على إعادة صياغتهم كشعب واحد لهم حق تقرير المصير، فكل الكيانات السياسية القائمة غير قادرة على تحيق ذلك، لذا أعتقد أن الفلسطينيين بحاجة الى مرحلة انبعاث جديدة تشبه مرحلة انبعاث الهوية الفلسطينية في أواخر الستينيات، فكل الأجسام السياسية القائمة أصبحت جزءًا من المشكلة ولا تشكل الحل، عليهم أن يتطلعوا إلى ذلك وبغيره لن تقوم لهم قائمة سياسية، وأي حل قبل إعادة خلق ذلك الكيان الموحد لن يصب إلا باتجاه تكريس ضياع الهوية الفلسطينية التاريخية، وبروز كيانات سياسية جديدة لا علاقة لها بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره.
أما بخصوص استقالة أعضاء "الكنيست" فأرى أنها خطوة جيدة إذا سعت الأحزاب السياسية في داخل الخط الاخضر إلى التحول نحو أحزاب قومية تطالب بحكم ذاتي للأقلية العربية في أراضي الـ48، وتقترب سياسيًا بل تتشارك مع الأحزاب السياسية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزّة تمهيدًا لانبعاث هوية فلسطينية جديدة وشعب فلسطيني غير مشوه قادر على فرض معادلة جديدة تتمثل بإقامة دولة ديمقراطية تقوض "الدولة اليهودية"، وتضمن حق الفلسطنيين بتقرير مصيرهم، فالحل السياسي القائم على أساس دولتين وفي ظل انتشار المستوطنات أصبح غير قابل للتحقيق. في حين أن حل الدولة الواحدة هو الطريق الوحيد لتحقيق الحلم الفلسطيني بالعودة إلى الدولة التاريخية وضمان عودة اللاجئين وتقويض "الدولة اليهودية" القائمة على حساب الحق الفلسطيني المشروع."
سلامة: علينا الخروج من قوقعة "معسكر السلام" الإسرائيلي
من جهته رأى الصحافي والكاتب الفلسطيني سليم سلامة، أن "قانون القومية" الإسرائيلي لا يشكل سوى حلقة جديدة أخرى في سيرورة إسرائيلية متأصلة. وبهذا المعنى، فهو يعيد وضعنا أمام جملة من التحديات التي طرحتها "إسرائيل" علينا، مرارًا وتكرارًا، قبل هذا القانون بكثير، بل منذ تأسيسها وما قبله أيضًا، لكننا تعامينا عنها وتصاغرنا عن مواجهتها و/ أو استمرأنا "واقعية سياسية" متخيلة في مواجهة هذا المشروع الاستعماري الاستيطاني الإحلاليّ. وعليه، فقد غدا الاستمرار في هذا النهج شبه مستحيل، بما هو ضرب من الاستسلام الجماعي النهائي أو شكل من التسليم الجماعي بواقع يفتك بنا وبأجيالنا الطالعة ومستقبلها في هذا الوطن.
يحتاج تغيير النتائج، على نحو ما تحقق منها حتى اليوم ـ نتائج تشدنا إلى الوراء في كل المستويات، باستمرار! ـ إلى تغيير الوسائل والأدوات. هذه هي أبرز وأهمّ التبصرات التي يتوجب استخلاصها مما آلت إليه أحوالنا، كشعب مشتت في أكثر من معنى وعلى أكثر من صعيد. فهل نتوقع نتائج مغايرة الآن، في معارضة "قانون القومية" ومقاومته، تختلف عمّا "حققناه" حتى الآن من نتائج و"إنجازات" وصلت بنا إلى سنّ هذا القانون، طالما نحن "نجترّ" الأدوات والوسائل والطرق ذاتها؟ ما الذي اعتمدناه، منذ تشريع "قانون القومية"؟ وما الذي سنعتمده خلال الأسابيع والأشهر القادمة؟ سوى تكرار بائس ومأساوي لجميع الأدوات والوسائل والطرق "النضالية"، السياسية والقانونية والبرلمانية، نفسها التي لا نزال نتمسك بها منذ سبعين عامًا، على الأقل؟ .. مُطالَبات، مظاهرات، إضرابات، مسيرات، تصريحات، خطابات، بيانات، استجوابات، التماسات، ندوات، مؤتمرات، لقاءات، اجتماعات وغيرها من السلة نفسها؟
عزل (إسرائيل) عالميًا ومقاطعتها اقتصاديًا ..
إذا ما عقدنا العزم على تحقيق تقدم جدي في هذا الاتجاه، فثمة ضرورة لحصول تطورين يكملان بعضهما بعضًا في ديناميكية جدلية:
الأول: إحداث كَسر في العلاقة "التاريخية" بيننا وبين الحركة الصهيونية (ممثلة بدولة إسرائيل)، وهي العلاقة الممتدة منذ سبعين عامًا على خيط واحد، إيقاع واحد ونسق واحد، بما يُحدث فيها انعطافًا. ويبدأ هذا المنحى بخروجنا من قوقعة "معسكر السلام" الإسرائيلي وتخلّصنا من أوهام التعويل عليه، بحجج وذرائع شتى، قد لا يكون أقلها وأخطرها شعار "دحر اليمين".
الثاني: ممارسة التأثير على الرأي العام العالمي، واليهودي من ضمنه، في العالم عامة، وفي أمريكا خاصة، كما تراكمه نشاطات حركة "المقاطعة، سحب الاستثمارات والعقوبات"(BDS) في المرحلة الراهنة. فحين تبدأ حلقات الحماية اليهودية ـ الصهيونية المستحكمة، عالميًا وأمريكيًا، التي تركن إليها (إسرائيل)، بالضعف والتراخي والتفكك، يصبح العمل أقل صعوبة/ أسهل في السعي نحو خلق حالة من التنافر، التنابذ والجفاء، بين (إسرائيل) وأوسع ما يتاح من القطاعات الشعبية والرسمية، التي ستبتعد عنها وعن سياساتها طوعيًا، ابتعادًا سياسيًا ومعنويًا (ثم ماديًا، بالطبع) يدفع نحو وضعها في زاوية المرغم على "التسوية"، لا المتجبّر بها!
يتابع "سلامة" قائلًا: لكن الحائل الأساسي أمام هذا التطور هو نحن، هنا. لن يكون بالإمكان انطلاقه بالقوة والدفع المناسبين والمؤثرين، طالما بقينا نحن نكرس حقوق إسرائيل وصورتها "الديمقراطية"، بـ"تنسيق" أمنيّ رسميّ معها من جهة، وبـ "نضالات" مستمرة منذ عقود حبيسة "اللعبة الديمقراطية"، من جهة أخرى ـ لا تخرج عن دائرة المألوف ولا تشبّ عن طوقه، دون أن تؤتي ثمارها المرجوة (المعلن منها، على الأقل)، ثم نرصّعها بنواب نشارك في "انتخابات ديمقراطية، حرة ونزيهة" لإيصالهم إلى هناك، كي يصرخوا ويشتموا من على منصة "الكنيست"، أمام عدسات التلفزات المحلية والعالمية، وربما يُخرجونهم بالقوة أيضًا، مثلما يحدث في أي برلمان ديمقراطي آخر في العالم.
يضيف محدثنا مشددًا: نحتاج، بداية واشتراطًا، إلى جهد أساسي وكبير ينصبّ في إعادة تعريف وتحديد علاقتنا بالدولة (الإسرائيلية)، بكل حيثياتها وتفاصيلها. هل نحن شعب له حقوق في هذه الأرض؟ كيف نعيد دب الحياة في عروق هذه الحقوق بكل قوتها، مصداقيتها وحضورها الطاغي أمام "المجتمع الدولي" سعيًا إلى ترجمة هذه الحقوق وإحقاقها؟ وهل نحن "مواطنون"، حقًا وبكل ما يستبطنه مفهوم المواطَنة من مضامين واستحقاقات؟ ثم، من هذه التعريفات، الجوهرية، القاعدية والشاملة، تُشتق الخطوات العملية والإجراءات التنفيذية التي لا بد أن تكون، بالضرورة، مغايرة لما استمرأناه حتى الآن.
نحو مليون ونصف مليون عربي فلسطيني، هم سكان البلاد الأصليون وأصحابها الشرعيون، يقيمون خلف الخط الأخضر، ونحو 8 ملايين لاجئ فلسطيني يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1967 وفي الشتات والمنافي البعيدة، يعرضهم "قانون القومية" الإسرائيلي العنصري، الذي أقرّه الكنيست في القراءة الثالثة يوم 19 تموز/ يوليو الماضي، بالمنظورين القريب والمستقبلي، لخطر كبير متمثل بالدرجة الأولى باعتبار الدين اليهودي "قومية"، واعتبار (إسرائيل) "الدولة القومية ليهود العالم"، ما يعني أن القانون يشرعن ويحّصن القوانين العنصرية الصهيونية التي تستهدف نزع شرعية حقوق فلسطيني الداخل بالمواطنة المستمدة من حقيقة كونهم أبناء البلد الأصليين، كما يستهدف مجمل حقوقنا الوطنية الفلسطينية وفي مقدمها حقوق اللاجئين الفلسطينيين وحقهم بالعودة إلى أرض الأجداد والآباء، ذلك أن إقرار القانون يعني إلغاءً ذاتيًا لحقِ العودة.
موقع بوابة اللاجئيين الفلسطينيين يسعى في هذا التحقيق إلى الكشف عن الغايات والمرامي والأهداف الصهيونية التي تقف وراء سنّ هذا القانون الآن، وما يشكله من خطر على القضية الفلسطينية وعلى شعبنا داخل الوطن المحتل وخارجه في الوقت الذي تتكالب فيه الإدارة الأمريكية على فرض ما يسمى بـ"صفقة القرن"... فكان أن طرحنا على عدد من السياسيين والخبراء والكتّاب الفلسطينيين جملة من التساؤلات، وهي: لماذا جاء سنّ هذا القانون في هذا التوقيت تحديدًا؟ وما هي الخطوات المطلوبة الآن من الفلسطينيين لمواجهة هذا القانون وتداعياته على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني في الداخل عام 48، وفي الضفة الغربية وقطاع غزّة، وفي الشتات والمنافي؟ وما هو الموقف من الأصوات في الداخل الفلسطيني التي ارتفعت مطالبة باستقالة أعضاء "الكنيست" العرب، والأصوات التي دعت في الضفة والقطاع إلى حل السلطة الفلسطينية والخروج كليًا من اتفاق أوسلو بعد 25 عامًا على توقيعه؟ وأخيرًا، ماذا عن الدعاوى المرفوعة للمحكمة العليا الإسرائيلية ضد القانون؟ وهل ستتخذ هذه المحكمة موقفًا يخالف القانون الذي صودق عليه؟ أم أنها ستكرسه؟ وتاليًا هل توافق على ذهاب منظمة التحرير إلى محكمة العدل الدولية، ومطالبتها بمحاكمة (إسرائيل) لانتهاكها شروط العضوية بعد إقرارها "قانون القومية"، من خلال ممارسة فصل عنصري (أبارتهايد) داخلها، والاستعمار الاحتلالي الاستيطاني في الضفة والقطاع؟ أم كيف يجب أن يكون الرد المناسب فلسطينيًا على المستوى الدولي استنادًا إلى رؤية فلسطينية وطنية شاملة جديدة في ظل الانقسام الفلسطيني؟
بركة: توقيت سنّ القانون مرتبط بالمؤشرات الكارثية لصفقة القرن
محمد بركة (رئيس لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية) داخل الخط الأخضر):
"قانون القومية" مطروح على جدول أعمال "الكنيست" منذ سبع سنوات، وسبقته سنوات من الجدل حوله، وتأخير سنّه نهائيًا، نابع من خلافات داخل المؤسسة الحاكمة، والأحزاب التي تدور في فلكها، حول طبيعة الحكم وأهدافه، لأن كل هذه القوى متفقة بالإجماع حول ما نراه الهدف الأساس، حجر الزاوية لهذا القانون الصهيوني الاقتلاعي العنصري، وهو أن فلسطين بالنسبة لهم "أرض إسرائيل"، وأنها "الوطن التاريخي" لما أسموه "الشعب اليهودي". فكل البنود الإقتلاعية والعنصرية ترتكز على هذا المبدأ. وقد تسنى سنّ القانون بعد تسويات حزبية بين الأحزاب التي تشكل الائتلاف الحالي.
أما في الجانب الجوهري السياسي فإن توقيت سنّ القانون مرتبط بالمؤشرات الكارثية لصفقة القرن ويأتي تحضيرًا لها كما تشير الدلائل.
ونحن على مستوى فلسطينيي الداخل، قد شرعنا في سلسلة خطوات، على صعيد الكفاح الشعبي الميداني، من تعبئة ومظاهرة ضخمة في مدينة "تل أبيب"، وتظاهرات في مختلف المدن والبلدات، وهي العنوان الأول في كافة نشاطاتنا الكفاحية.
كما أننا ننشط على المستوى الدولي، من خلال حراك للجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، وأيضًا على مستوى كتلة القائمة المشتركة في "الكنيست"، كما أن مراكز حقوقية تنشط هي أيضًا على الصعيد الدولي، بهدف محاصرة القرار والموقف الإسرائيلي، في الساحة الدولية.
لا تتملكنا أوهام كبيرة، على ضوء اختلال الموازين الدولية لصالح (إسرائيل) والحركة الصهيونية، ولكن هذا لن يمنعنا من النشاط الدولي، أيضًا بهدف تعبئة الرأي العام العالمي كي يضغط حيث أمكن على حكومات دوله.
دعوة لإضراب عام يشمل الكل الفلسطيني في 1 أكتوبر..
كما بادرنا على المستوى الفلسطيني العام، باجتماع مع كافة القوى الوطنية الفلسطينية، وخرجنا بقرار وحدوي، لتنفيذ إضراب عام يشمل الكل الفلسطيني، كتعبير عن حراك وحدوي شامل، وهذا نشاط غير مسبوق، وسيكون في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، بالتزامن مع الذكرى الـ 18 لانطلاق الانتفاضة الثانية، وهبة القدس والأقصى.
وعلى المستوى الفلسطيني الرسمي فنحن نعلم أن هناك حراكًا دبلوماسيًا مكثفًا على المستوى الدولي، ولكن المطلوب فورًا إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، كي يعزز الموقف الفلسطيني الوطني أمام المحتل وأمام العالم، فهذه الحالة تضرب المقاومة الشعبية بما يفيد الاحتلال المعني الأول باستمرارها، وتأجيج الإحتراب الفلسطيني الداخلي.
إننا نريدها وحدة واضحة حول المشروع الوطني الفلسطيني، وحدة، وتعزيز مكانة منظمة التحرير الفلسطيني، وتوسيع صفوفها، على أسس المشروع الوطني الفلسطيني.
كل ذلك الى جانب الالتماس للمحكمة لإبطال القانون في المستوى القضائي. وإطلاق "عام اللغة العربية" ردًا على إلغاء مكانة اللغة العربية، والدعوة إلى عقد مؤتمر عام للجماهير الفلسطينية في الداخل لتعزيز الكلمة الموحدة لجماهيرنا ولتعزيز مكانة لجنة المتابعة بوصفها الهيئة القيادية الوحدوية.
أما بخصوص مسألة المشاركة في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، فقد كانت هذه المسألة وما زالت طيلة الوقت موضع خلاف واجتهادات، ولكن بالإمكان القول، إن موقف الغالبية العظمى من جماهيرنا تؤيد الانخراط في هذه الانتخابات، وهذا ما تفرزه نتائج الانتخابات في كل مرّة من حيث نسب المشاركة فيها، إذ أنه ليس كل من لم يشارك في يوم الانتخابات ذاك، هو ضد المشاركة، فقد يكون قد شارك في السابق، وسيشارك في المستقبل.
ولكن في موقفنا اليومي، لم يكن لدينا في أي يوم من الأيام وهمٌ بأننا نشارك في هذه الانتخابات كي نقلب موقف المؤسسة الحاكمة رأسًا على عقب، فأساس مشاركتنا يرتكز على أن "الكنيست" ميدان مواجهة مباشرة ضد المؤسسة الصهيونية الحاكمة، ونحن نؤمن أن ميدان المواجهة الأساس هو الشارع والحراك الجماهيري الواسع، وفي ذات الوقت فإننا لسنا في وضع يسمح لنا بالتنازل عن أي ميدان مواجهة، طالما أن الثمن لن يكون على حساب التمسك بهويتنا الوطنية الفلسطينية".
يضيف القيادي محمد بركة: "قانون القومية" هو قانون اقتلاعي عنصري شرس، ولكنه ليس وحده بهذا المستوى، فقد سبقته قوانين لا تقل خطورة، وأشدها قانون العودة، ورغم ذلك نواصل معركتنا في مواجهة مباشرة، ونسعى إلى استخدام الأدوات البرلمانية بهدف الاختراق حيث أمكن، وتحقيق إنجازات ولو متواضعة، حيث أمكن، ولا أعتقد أن فكرة إخلاء الميدان يعطي معركتنا زخمًا كفاحيًا أكبر.
وفي هذا المجال من الضروري الإشارة، إلى أن بقاءنا في الوطن، متمسكين بهويتنا وانتمائنا، وتطوير ذاتنا رغم كل القيود، لم يكن بحسن نوايا الصهيونية وكرم منها، بل بالرغم من كل سياسات الصهيونية، التي أرادتنا طيلة الوقت حطابين وسقاة ماء عندهم، نعيش على أضيق بقعة أرض، في حين رغبتها الأكبر هو اقتلاعنا. وأعتقد جازمًا أن الخط المركزي في كفاحنا القائم منذ العام 1948، وبضمنه المشاركة في الانتخابات "الإسرائيلية"، هو العنصر الأساس في تحقيق إنجاز البقاء والصمود.
يتابع بركة: "نحن لا نعول على جهاز القضاء الإسرائيلي، ورغم ذلك قررنا في لجنة المتابعة التوجه إلى المحكمة العليا، بناء على حسابات دقيقة لدى مراكز حقوقية، تستعد لتحركات أوسع وهذا التداول القضائي سيضع صعوبات أمام الجهاز القضائي للمصادقة على قانون بهذه الفظاظة العنصرية، لذلك فإن التوجه إلى المحكمة يشكل أيضًا اختبارًا لهذه المؤسسة القضائية ولا شك أنها ستدفع ثمن سقوطها في حال المصادقة الجارفة على قانون القومية، من ناحية ثانية، ورغم أن حال القضاء الدولي ليس أفضل، إلا أن التوجه إلى إليه ضمن الحراك الدبلوماسي الفلسطيني، سيكون مجديًا، بهدف جمع نقاط على مستوى الرأي العام العالمي."
العاروري: وضعنا الداخلي كان عاملًا حاسمًا في إقرار القانون
أمّا الخبير القضائي والإعلامي المختص في مجال حقوق الإنسان، ماجد العاروري، فقال لموقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين : "أعتقد أن سنّ هذا القانون في هذا التوقيت جاء تماشيًا مع ما يسمى بـ"صفقة القرن" وإقرار ما يعرف بـ"يهودية إسرائيل"، حيث يشهد العالم العربي حالة من التراجع في دعم القضية الفلسطينية واقترابًا من (إسرائيل)، مستغلين فرصة إظهار إيران باعتبارها الخطر الحقيقي على العالم العربي والعدو الأول للعرب وليس (إسرائيل)!.. فيما تشهد معظم البلدان العربية حالة من الصراع الداخلي مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا حيث لم تعد القضية الفلسطينية أولوية، مستغلين وجود الرئيس ترامب في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية الداعم بقوة لمثل هذا المشروع، حيث أصبح العالم جاهزًا لتقبل هذه الفكرة في هذا الوقت بالذات.
أعتقد أن الوضع الفلسطيني الداخلي كان عاملًا حاسمًا في إقرار هذا القانون، فالإنجاز الذي حققته منظمة التحرير الفلسطينية في السبعينيات في إبراز الهوية الفلسطينية، وإبراز الفلسطينين كشعب يسعى إلى تقرير مصيرة تلاشى، وأصبح الفلسطينيون أقرب إلى الجماعات السكانية المتناحرة منهم إلى شعب واحد يسعى إلى تقرير مصيره، منذ اتفاق أوسلو لم يعد هناك همًا وشعورًا واحدًا يربط بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزّة من جهة والفلسطينيين داخل الخط الاخضر من جهة أخرى، حيث أسقطت قضيتهم من المعادلة الفلسطينية وانقطعت العلاقة مع التجمعات بالخارج الفلسطيني، وبالتالي أصبح الفلسطينيون على الأقل ثلاث فئات لا تربطهم مصالح.. وباتت كلمة القضية الفلسطينية تعني الضفة الغربية وقطاع غزّة إلى عام 2007 حيث حصل الانقسام السياسي والجغرافي وتلاشت المصلحة المشتركة، وأصبحنا "تجمعيين"! كل تجمع له مشروعه السياسي الخاص به، ولم يعد هناك على أرض الواقع شعب فلسطيني واحد بل جماعات متناقضة المصالح والأهداف وهذه فرصة تاريخية لـ "إسرائيل" لإعلان "قانون القومية اليهودية"، تصنع من خلاله شعبًا يهوديًا يقر مصيره على أرض (إسرائيل) ويعتبر المستوطنات جزءاً مما يسميه "الدولة اليهودية".
البحث عن كيان سياسي جديد ..
يضيف الخبير القضائي الفلسطيني: "أرى أن على الفلسطنيين في هذه المرحلة البحث عن كيان سياسي جديد قادر على توحيد التجمعات الفلسطينية المختلفة والمتناحرة، وقادر على إعادة صياغتهم كشعب واحد لهم حق تقرير المصير، فكل الكيانات السياسية القائمة غير قادرة على تحيق ذلك، لذا أعتقد أن الفلسطينيين بحاجة الى مرحلة انبعاث جديدة تشبه مرحلة انبعاث الهوية الفلسطينية في أواخر الستينيات، فكل الأجسام السياسية القائمة أصبحت جزءًا من المشكلة ولا تشكل الحل، عليهم أن يتطلعوا إلى ذلك وبغيره لن تقوم لهم قائمة سياسية، وأي حل قبل إعادة خلق ذلك الكيان الموحد لن يصب إلا باتجاه تكريس ضياع الهوية الفلسطينية التاريخية، وبروز كيانات سياسية جديدة لا علاقة لها بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره.
أما بخصوص استقالة أعضاء "الكنيست" فأرى أنها خطوة جيدة إذا سعت الأحزاب السياسية في داخل الخط الاخضر إلى التحول نحو أحزاب قومية تطالب بحكم ذاتي للأقلية العربية في أراضي الـ48، وتقترب سياسيًا بل تتشارك مع الأحزاب السياسية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزّة تمهيدًا لانبعاث هوية فلسطينية جديدة وشعب فلسطيني غير مشوه قادر على فرض معادلة جديدة تتمثل بإقامة دولة ديمقراطية تقوض "الدولة اليهودية"، وتضمن حق الفلسطنيين بتقرير مصيرهم، فالحل السياسي القائم على أساس دولتين وفي ظل انتشار المستوطنات أصبح غير قابل للتحقيق. في حين أن حل الدولة الواحدة هو الطريق الوحيد لتحقيق الحلم الفلسطيني بالعودة إلى الدولة التاريخية وضمان عودة اللاجئين وتقويض "الدولة اليهودية" القائمة على حساب الحق الفلسطيني المشروع."
سلامة: علينا الخروج من قوقعة "معسكر السلام" الإسرائيلي
من جهته رأى الصحافي والكاتب الفلسطيني سليم سلامة، أن "قانون القومية" الإسرائيلي لا يشكل سوى حلقة جديدة أخرى في سيرورة إسرائيلية متأصلة. وبهذا المعنى، فهو يعيد وضعنا أمام جملة من التحديات التي طرحتها "إسرائيل" علينا، مرارًا وتكرارًا، قبل هذا القانون بكثير، بل منذ تأسيسها وما قبله أيضًا، لكننا تعامينا عنها وتصاغرنا عن مواجهتها و/ أو استمرأنا "واقعية سياسية" متخيلة في مواجهة هذا المشروع الاستعماري الاستيطاني الإحلاليّ. وعليه، فقد غدا الاستمرار في هذا النهج شبه مستحيل، بما هو ضرب من الاستسلام الجماعي النهائي أو شكل من التسليم الجماعي بواقع يفتك بنا وبأجيالنا الطالعة ومستقبلها في هذا الوطن.
يحتاج تغيير النتائج، على نحو ما تحقق منها حتى اليوم ـ نتائج تشدنا إلى الوراء في كل المستويات، باستمرار! ـ إلى تغيير الوسائل والأدوات. هذه هي أبرز وأهمّ التبصرات التي يتوجب استخلاصها مما آلت إليه أحوالنا، كشعب مشتت في أكثر من معنى وعلى أكثر من صعيد. فهل نتوقع نتائج مغايرة الآن، في معارضة "قانون القومية" ومقاومته، تختلف عمّا "حققناه" حتى الآن من نتائج و"إنجازات" وصلت بنا إلى سنّ هذا القانون، طالما نحن "نجترّ" الأدوات والوسائل والطرق ذاتها؟ ما الذي اعتمدناه، منذ تشريع "قانون القومية"؟ وما الذي سنعتمده خلال الأسابيع والأشهر القادمة؟ سوى تكرار بائس ومأساوي لجميع الأدوات والوسائل والطرق "النضالية"، السياسية والقانونية والبرلمانية، نفسها التي لا نزال نتمسك بها منذ سبعين عامًا، على الأقل؟ .. مُطالَبات، مظاهرات، إضرابات، مسيرات، تصريحات، خطابات، بيانات، استجوابات، التماسات، ندوات، مؤتمرات، لقاءات، اجتماعات وغيرها من السلة نفسها؟
عزل (إسرائيل) عالميًا ومقاطعتها اقتصاديًا ..
إذا ما عقدنا العزم على تحقيق تقدم جدي في هذا الاتجاه، فثمة ضرورة لحصول تطورين يكملان بعضهما بعضًا في ديناميكية جدلية:
الأول: إحداث كَسر في العلاقة "التاريخية" بيننا وبين الحركة الصهيونية (ممثلة بدولة إسرائيل)، وهي العلاقة الممتدة منذ سبعين عامًا على خيط واحد، إيقاع واحد ونسق واحد، بما يُحدث فيها انعطافًا. ويبدأ هذا المنحى بخروجنا من قوقعة "معسكر السلام" الإسرائيلي وتخلّصنا من أوهام التعويل عليه، بحجج وذرائع شتى، قد لا يكون أقلها وأخطرها شعار "دحر اليمين".
الثاني: ممارسة التأثير على الرأي العام العالمي، واليهودي من ضمنه، في العالم عامة، وفي أمريكا خاصة، كما تراكمه نشاطات حركة "المقاطعة، سحب الاستثمارات والعقوبات"(BDS) في المرحلة الراهنة. فحين تبدأ حلقات الحماية اليهودية ـ الصهيونية المستحكمة، عالميًا وأمريكيًا، التي تركن إليها (إسرائيل)، بالضعف والتراخي والتفكك، يصبح العمل أقل صعوبة/ أسهل في السعي نحو خلق حالة من التنافر، التنابذ والجفاء، بين (إسرائيل) وأوسع ما يتاح من القطاعات الشعبية والرسمية، التي ستبتعد عنها وعن سياساتها طوعيًا، ابتعادًا سياسيًا ومعنويًا (ثم ماديًا، بالطبع) يدفع نحو وضعها في زاوية المرغم على "التسوية"، لا المتجبّر بها!
يتابع "سلامة" قائلًا: لكن الحائل الأساسي أمام هذا التطور هو نحن، هنا. لن يكون بالإمكان انطلاقه بالقوة والدفع المناسبين والمؤثرين، طالما بقينا نحن نكرس حقوق إسرائيل وصورتها "الديمقراطية"، بـ"تنسيق" أمنيّ رسميّ معها من جهة، وبـ "نضالات" مستمرة منذ عقود حبيسة "اللعبة الديمقراطية"، من جهة أخرى ـ لا تخرج عن دائرة المألوف ولا تشبّ عن طوقه، دون أن تؤتي ثمارها المرجوة (المعلن منها، على الأقل)، ثم نرصّعها بنواب نشارك في "انتخابات ديمقراطية، حرة ونزيهة" لإيصالهم إلى هناك، كي يصرخوا ويشتموا من على منصة "الكنيست"، أمام عدسات التلفزات المحلية والعالمية، وربما يُخرجونهم بالقوة أيضًا، مثلما يحدث في أي برلمان ديمقراطي آخر في العالم.
يضيف محدثنا مشددًا: نحتاج، بداية واشتراطًا، إلى جهد أساسي وكبير ينصبّ في إعادة تعريف وتحديد علاقتنا بالدولة (الإسرائيلية)، بكل حيثياتها وتفاصيلها. هل نحن شعب له حقوق في هذه الأرض؟ كيف نعيد دب الحياة في عروق هذه الحقوق بكل قوتها، مصداقيتها وحضورها الطاغي أمام "المجتمع الدولي" سعيًا إلى ترجمة هذه الحقوق وإحقاقها؟ وهل نحن "مواطنون"، حقًا وبكل ما يستبطنه مفهوم المواطَنة من مضامين واستحقاقات؟ ثم، من هذه التعريفات، الجوهرية، القاعدية والشاملة، تُشتق الخطوات العملية والإجراءات التنفيذية التي لا بد أن تكون، بالضرورة، مغايرة لما استمرأناه حتى الآن.
خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين