بعد عامين على تهجيرهم إلى الشمال السوري.. لماذا اختار فلسطينيون الرحيل من جنوب دمشق؟

الثلاثاء 05 مايو 2020
قوافل التهجير التي انطلقت قبل عامين  الصورة من "العربي الجديد"
قوافل التهجير التي انطلقت قبل عامين الصورة من "العربي الجديد"

تقرير الوليد يحيى

أولى القوافل التي تقل المهجّرين قسراً عن بلدات  جنوب دمشق الثلاث " يلدا – ببيلا- بيت سحم"  انطلقت يوم 3 أيّار/ مايو 2018، وتبعتها عدّة قوافل، وذلك تنفيذاً للتسوية التي أبرمت في نيسان/ إبريل من ذات العام، بين المعارضة السورية المسلّحة من جهة، والنظام السوري من الجهة الثانية، تحت إشراف ووصاية روسيّة، ونصّ على خروج مسلحي المعارضة إلى الشمال السوري، وتسوية أوضاع من يرغب بالبقاء ومن ضمنهم اللاجئون الفلسطينيون.

عمليّة تهجير استمّرت نحو أسبوع، أقلّت في حافلاتها نحو ألفي لاجئ فلسطيني من أبناء مخيّم اليرموك المهجّرين أساساً إلى البلدات الثلاث الملاصقة له (يلدا – ببيلا – بيت سحم)، وصعدت بهم شمالاً في رحلة تهجير داخليّ ثانية، اختاروا ركوبها مع الآلاف من أبناء تلك البلدات، حيث انضمّوا إلى مئات العائلات الفلسطينية الأخرى، التي كانت قد سبقتهم من مخيّمي خان الشيح وحندرات وبلدات غوطة دمشق الشرقيّة ومناطق متعددة، إلى ذلك الخيار القاسي، حيث العيش في خيام، بظل واقع  إيوئي ومعيشي وصحّي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم.

عامان مرّا على اتفاق أنهى سيطرة المعارضة السوريّة المسلّحة على البلدات الثلاث، التي أذعن فصائلها له، حيث كان بديله في حال ما رُفض، عمليات عسكريّة مدمّرة، في حين كان بديل الذين اختاروا الرحيل عنها، لو لم يرحلوا، إمّا الاعتقال او الاغتيال أو السوق إلى الخدمة العسكريّة، وهو تصوّر كان ماثلاً في أذهانهم دفعهم لاختيار التهجير، الذي جرى تخريجه كما لو أنّه خيارهم الحرّ، حيث تضمّن عرض رُعاة التسويّة، على من يريدون البقاء، توقيع تعهّد بضمان روسي، يجنبّهم أي نوع من التضيق والملاحقة.

وبعد مرور هذا الوقت، لا تتوقّف الأخبار الواردة من هناك، تخبر عن واقع معيشي مزري يرزح تحته المهجّرون الفلسطينيون في الشمال، فاقمه تهميش وكالة " أونروا" لهم ونسيانهم من قبل الجهات الفلسطينية الرسميّة وعلى رأسها منظمة التحرير، فيما لا تكف المناشدات عن الصدور لإغاثتهم، وهو ما يدفع البعض لتوجيه تساؤلات لهم .. لماذا رحلتم ؟ وهو ما يجيب عليه بعض المُرحّلين.

لماذا اختار الفلسطينيون الرحيل؟

ألفا لاجئ فلسطيني، شاركوا الآلاف من أبناء تلك المناطق، ذات التصورات حول مخاطر بقائهم، واندفعوا معهم لتفضيل الرحيل.

 دفعهم إليه أيضاً عدم توفير ضمانات لهم تحميهم من الملاحقة والاعتقال، في وقت كانت تجربّة مخيّم خان الشيح للاجئين الفلسطينيين مع التسوية التي أبرمت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، ماثلة في أذهانهم، حيث ماتزال عمليات التضييق والاعتقال تجري بحق من تقدّموا لتسوية أوضاعهم، إضافة إلى معاناتهم من إجراءات أمنيّة خانقة كاستحصال موافقات أمنية للدخول والخروج، والسوق إلى الخدمة العسكريّة.

إلّا أنّ الحال في بلدات جنوب دمشق حينها، كانت أكثر تعقيداً بالنسبة للاجئ الفلسطيني المهجّر أساساً من مخيّمه، وهو ما شكل عاملاً إضافيّاً عزز خيار التهجير لدى من اختاره، وحسم الجدل الذي بدأ منذ بداية الحديث عن التسويّة، حسبما أفاد أحد المهجّرين من أبناء مخيّم اليرموك إلى الشمال السوري الناشط عمّار قدسي لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين".

وأوضح قدسي، أنّ اللحظات الأخيرة قبل اتخاذ القرار بالرحيل بالنسبة للفلسطينيين، كانت شديدة الصعوبة، حيث كان الجدل بين خيار البقاء أو الرحيل محتدماً بين الناس، إلى أنّ جرى حسمه حين أخبرتهم اللجنة التي أخذت على عاتقها مفاوضة النظام، بأنّ موضوع البقاء من عدمه هو خيار شخصي، دون توفير ضمانات للاجئين الفلسطينيين بعدم التعرّض لهم أمنيّاً، مضيفاً، أنّ ما عزز الحسم باتجاه الرحيل، هو تواصل قد جرى مع  "منظمة التحرير الفلسطينية" حينها، حول توفير ضمانات للاجئين الفلسطينيين تحميهم من الملاحقة الأمنيّة والاعتقالات، وكان ردّها آنذاك " لا يوجد ضمانات، فأنتم تعيشون تحت مظلة الدولة السوريّة، وستخضعون للقوانين والإجراءات المتبّعة فيها".

وأضاف قدسي :"أنّ جميع من قرروا الرحيل، كانوا يقرؤون في أذهانهم المشهد المتوقع في حال بقائهم، وقوامه الملاحقات الأمنيّة بحجّة التعامل مع المسلّحين، حيث كان النظام ينظر لنا على أننا حاضنة لهم، إضافة إلى عمليّات التدمير الواسعة التي كانت تجري في مخيّم اليرموك وكنّا نشاهدها من أسطح المباني في بلدة يلدا، وهو ما أعطى انطباعاً لدى الناس بأنّ العودة إلى مخيّم اليرموك باتت مستحيلة، وبالتالي لا شيء يمكن أن يحفزّهم على البقاء".

كما أنّ الكثير من الشبّان ممن هم في سنّ الخدمة العسكريّة الإلزاميّة في صفوف "جيش التحرير الفلسطيني"  قد اندفعوا إلى خيار الرحيل، بسبب تخوّفهم من الاعتقال والسوق إلى الخدمة ومحاسبتهم على سنوات التخلّف عنها، وهو ما جرى خلال الفترات اللاحقة لاتفاق التسوية بحق الكثيرين ممن قرروا البقاء.

قراءة أثبتت صحّتها

ورغم الحديث عن ضمانات روسيّة تتضمنهاعمليّة التسويّة، وتجنّب الموقعين عليها الملاحقة والاعتقال وفق ما ورد ببنودها، إلّا أنّ الواقع بعدها كان معاكساً، ويقول عمّار قدسي في هذا الصدد: إنّ ما جرى من وقائع بعد رحيلنا، أثبت صحّة خيارنا المبني على قراءتنا لواقع ما بعد التسوية، لأنّه في حال بقينا لكنّا تعرّضنا للاعتقال والتنكيل، والسوق إلى الخدمة العسكريّة كحال الكثيرين ممن قرروا البقاء، عدا عن الواقع الإيوائي الهشّ، حيث غالبيّة مهجري اليرموك في جنوب دمشق، كانوا يعيشون في منازل فارغة، بدؤوا بفقدانها مع عودة أصحابها إليها بعد التسوية، في وقت كان مخيّم اليرموك يتعرّض للتدمير، ولا أمل في العودة إليه.

ويعيش اللاجئون الفلسطينيون المهجّرون من مخيّم اليرموك، الذين بقوا في بلدات جنوب دمشق الثلاث وعددهم نحو 1700 عائلة، ظروفاً "أمنيّة" قاسية، حيث تفرض سلطات النظام عليهم دون سواهم إجراءات أمنيّة استثنائيّة متواصلة حتّى تاريخه، كالاشتراط عليهم استحصال موافقة أمنيّة للدخول إلى مناطق العاصمة دمشق، في حال مطابق لما كان عليه في فترة ما قبل التسوية.

ويتطلّب الحصول على الموافقة الأمنيّة أن يكون طالبها قد وقّع على تعهّد التسوية، ومن ثمّ تقديم سند إقامة من المجلس البلدي، وعقد إيجار منزل مع أسماء أفراد العائلة، وطلب خطّي من صاحب العلاقة بالموافقة، لتقوم " لجنة المصالحة" برفع الطلب للجهات الأمنيّة، وعليه بعد ذلك انتظار الموافقة من رئيس فرع المخابرات المعروف بـ"فرع فلسطين" بعد إجراء مسح "أمني" لجميع أفراد العائلة، ليتمكّن اللاجئ الفلسطيني من عبور حاجز " ببيلا" ويتجوّل في مناطق العاصمة.

الهرب من احتمال الموت إلى آخر مجهول

من اختاروا الرحيل قبل عامين، كانوا على أتمّ الإدراك بأنّهم ذاهبون إلى المجهول، فغياب الضمانات الأمنيّة والمعيشيّة للبقاء كان عامل إرغامهم القسري، للذهاب إلى واقع جديد، اكتشفوا فيه معنى غياب ممكنات العيش، إلّا أنهم لم يكونوا يمتلكون قبل رحيلهم ترف المفاضلة بين الخيارين،  فكلاهما كانا في "علم الغيب" كما عبّر "أبو محمد" وهو ربّ أسرة مكوّنة من ابنتين وزوجة، قرر الرحيل بهم إلى الشمال السوري ويعيش حاليّاً في مخيّم دير بلّوط بناحية جندريس بريف مدينة عفرين.

يقول أبو محمد لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين":  إنّ خياره في الرحيل حينها كان مدفوعاً بالخوف من الاعتقال، فأكثر ما كان يؤرقّه هو هاجس اعتقاله من قبل مخابرات النظام، و"الاعتقال عندهم يكفي أن يكون على الشبهة" وفق قوله، في وقت كانت أخبار ضحايا التعذيب في السجون تتوالى اليهم، ورمي التهم الكيديّة كان يجري جزافاً وبكثرة، واحتماله قائم بنسبة كبيرة.

و يضيف أبو محمد: "خيار الرحيل بالنسبة لي كان بمثابة هرب من احتمال اعتقالي، وهو ما يعني ترك ابنتي وزوجتي إلى مصير مجهول، فقررت الذهاب إلى الشمال، بناء على احتمالات تصوّرتها بأن يفتح لنا ذلك مجالات جديدة في الحياة، كأن نهاجر إلى أوروبا"  لكن اتضّح أنّها احتمالات غير قابلة للتحقق حتّى اليوم حسبما قال.

ويعيش أبو محمد بعد عامين على تهجيره، حياةً لا تصلح لعيش البشر كما يصفها، يشاركه  فيها نحو 7 آلاف لاجئ فلسطيني موزّعين بين مناطق الشمال، جمع بينهم عدم معرفتهم المسبقة لما كانوا سيلاقونه هناك، الّا أنّه كان خيارهم الوحيد ولا مفرّ منه.

 

خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد