الوليد يحيى _ السويد
سنوات قُضمت وما تزال، من أعمار مئات العائلات الفلسطينية، التي ترفض دائرة الهجرة السويدية منحهم اللجوء والإقامة الدائمة في البلاد، بين تقاذف وانتظار، بينما يعيشون خلالها حياةً ذات سمات قد لا يتخيّل المرء وجودها في مملكة السويد، ذات الصيت المُشعّ في احترامه لحقوق الانسان، واحتواء اللاجئين والمهجّرين قسراً عن بلدانهم.
حياةٌ يعيشها نحو 3700 فلسطيني في السويد، ترفض دائرة الهجرة منحهم حقّ اللجوء، ويعني ذلك حرمانهم من حقّهم في الطبابة والرعاية الاجتماعيّة، حتّى حرمانهم من السكن، فقرارات طرد من المنازل بدأت تظهر إلى الواجهة، في ظاهرة بدأت تُنذر بكارثة انسانيّة لا يمتلك المرفوضون في مواجهتها سوى الاحتجاج، وبعضهم تجاوزت فترة وجودهم في السويد 12 عاماً، وبعضهم حديثي الوفود، في حين يحذّر ناشطون من تبعات الرفض، على شريحة المرضى وذوي الاحتياجات الخاصّة وكبار السنّ والأطفال، الذين يعيشون بلا أي غطاء صحّي وتعليمي.
مرضى بلا علاج .. ومآل مرعب يخيّم على حياتهم
الحرمان من الطبابة والرعاية الصحيّة وإجراء العمليات الجراحيّة، هاجس يعيشه المئات من الفلسطينيين المرفوضة طلبات لجوئهم، والذي ينذر العديد منهم بمآلات مرعبة، وهو ما أوضحته الناشطة الاجتماعية الفلسطينية في السويد فريدة بدر التي تحدثت لـ" بوابة اللاجئين الفلسطينيين" عن المئات من المرضى ممن هم بحاجة إلى إجراء عمليات جراحيّة، وتلقي علاجات من أمراض مزمنة، وغير قادرين على تلبية احتياجاتهم الصحيّة، نظراً لكون الحق في الطبابة مرتبط بالحصول على الإقامة الدائمة.
وأشارت بدر، إلى المئات من المرضى ممن هم بحاجة إلى عمليات جراحيّة أو أدوية دائمة، يعجزون عن تلبيتها، لتجريدهم من أي غطاء صحيّ، إضافة إلى وقف الإعانات الماديّة لمن تُرفض طلبات لجوئهم، وذلك يعني وقف شراء الدواء والاحتياجات العلاجيّة الملحّة، وخصوصاً ذوي الاحتياجات الخاصّة الذين يستخدمون أجهزة أو أطرافاً صناعيّة تحتاج إلى صيانة دوريّة ومتابعات مستمرة، لا يمتلكون القدرة للقيام بها.
وفي هذا الإطار، يستذكر اللاجئون المرفوضة طلبات لجوئهم في السويد، مآل اللاجئ الفلسطيني أحمد ناصيف، ابن مخيّم شاتيلا للاجئين في لبنان، الذي أجبرته الظروف غير الإنسانيّة التي تحيط باللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان، على طلب اللّجوء الانساني في المملكة السويديّة، علّه يجد هناك ما ينقذه من مرضه المزمن وحاجته الملحّة لزراعة قلب، ليجد نفسه ملقىً بمستشفى في مدينة مالمو، بينما حالته المزمنة كانت تتفاقم بانتظار إجراء عمليّة عاجلة لزراعة مضخّة صناعيّة للحفاظ على حياته، قبل إجراء عمليّة زرع القلب، في ظل رفض المستشفى إجرائها له بحجّة عدم حصوله بعد على الإقامة الدائمة، حتّى توفيّ وهو في حالة انتظار.
طرد من منزله .. وآخرون ينتظرون
احمد ابو عطا، طردته الشرطة السويدية من منزله بناء على قرار من دائرة الهجرة، وقد قرر أن يفترش الأرض أمام مبنى الدائرة، بعد أن شرع في إضراب عن الطعام منذ أكثر من 26 يوماً، احتجاجاً على رفض طلب لجوئه، وليوصل صوته وأصوات المئات ممن باتوا مهددين بالتشرّد، ولم يعد أمامهم سوى تصعيد الاحتجاج على أمل النظر في قضيّتهم وحلّها بما يضمن حقوقهم الانسانيّة في اللجوء وفق الناشطة بدر.
ولفتت إلى أنّ مآل أحمد أبو العطا، قد يصيب المئات من العائلات التي قد ينطبق عليها قرار الاخلاء من المنازل، وأوضحت: أنّ من تمنحه دائرة الهجرة الإقامة المؤقتّة لمدّة 13 شهراً، لا يحق لهم وفق القانون الحصول على منزل، باستثناء من لديهم أطفالاً قصّراً تحت السن القانونية، في حين يهدد التشريد جميع العائلات التي تتجاوز أعمار أفرادها 18 عاماً.
وفيما يخصّ الحالات التي يشملها الرفض، أكّدت الناشطة الفلسطينية أنّ الرفض لا يميّز بين فلسطيني وآخر، سواء قادم من قطاع غزّة والضفّة الغربيّة المحتلّة، أم من دول الشتات بالأخص لبنان والأردن او ليبيا والعراق، وبعض الحالات من حملة الوثيقة الفلسطينية السوريّة، مشيرةً إلى أنّ البعض يعيش حالة الرفض وتبعاتها الحقوقية والانسانيّة منذ 12 عاماً، وآخرون منذ سبع سنوات وبعضهم منذ أشهر.
قرار الرفض سياسي.. وليس امامنا سوى تصعيد الاحتجاج
وفي ظل هكذا واقع، لا يجد طالبوا اللجوء الفلسطينيون المرفوضة طلباتهم سوى تصعيد تحركاتهم الاحتجاجية، وفق ما أشارت الناشطة بدر، حيث يواصل المئات اعتصاماتهم وتحركاتهم الاحتجاجية منذ 40 يوماً في عدد من المدن أبرزها مالمو ويوتيبوري وسواها، في وقت تصمّ المنظمات والهيئات السويدية آذانها عن مطالب طالبي اللجوء الفلسطينيين.
وفي هذا الصدد، قالت بدر إنّ الناشطون الفلسطينيون والمنظمون للتحركات الاحتجاجية، تواصلوا مع جمعيات ومؤسسات وأحزاب سويدية، لكن لم يجرِ أي تحرّك جدّي من قبلهم ولم يتبنّى أحد أي قرار داعم للمحتجّين.
واعتبرت ، أنّ رفض طلبات اللجوء للفلسطينيين، قرار سياسي، حيث أتت قرارات الرفض بالجملة لنحو 3700 طالب لجوء فلسطيني، يعيشون حالة من الانتظار القلق وانعدام الحقوق، بموجد إقامة مؤقتّة تجدد لهم كلّ عام، والتي لا تتيح لهم ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.
وفي إطار التصعيد الاحتجاجي، تتحضّر العشرات من العائلات التي رفضت طلبات لجوئها في مدينة يوتيبوري إلى تنظيم مهرجان احتجاجي السبت 29 من الشهر الجاري، للمطالبة بمنحهم حق الإقامة الدائمة من خلال إعادة فتح ملفاتهم ومعالجتها بشكل سري، فيما تتواصل المبادرات لحشد اكبر عدد من الفلسطينيين المرفوضة طلباتهم، لبناء قنوات اتصال فيما بيهم في كافة المدن بما فيها العاصمة ستوكهولم، للقيام باعتصامات، ورفع الصوت عالياً للتأثير على صنّاع الرأي والسياسة في السويد، من أجل قرارات عادلة لهذه الشريحة من اللاجئين.
مفارقة قانونية ..إلى متى ؟
الجدير بالذكر، أنّ العديد من الحالات لفلسطينيين مرفوضة طلبات لجوئهم، عائدة للاجئين فلسطينيين فارّين من دول مضطربة، كليبيا وسوريا والعراق، أو هرباً من البؤس المعيشي في لبنان، وتصنفهم دائرة الهجرة في استمارات اللجوء بـ"بلا وطن" وهي حالة تستدعي منحها الإقامة الدائمة في السويدن في حين تواصل رفضها ذلك في ما يعتبره مرقبون مفارقة قانونية.
أمّا طالبي اللجوء من قطاع غزّة المُحاصر، فقد أصدرت دائرة الهجرة، معايير تقييمية بدأت العمل بها منذ تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الفائت، تقضي برفض طلبات لجوئهم وإعادتهم إلى القطاع، على اعتبار أنّ معبر رفح الحدودي بين قطاع غزّة ومصر، يجري فتحه عدّة مرّات كل عام، ما يوفر إمكانيّة للوصول إلى غزّة، على أن يجري التنسيق بين السلطات السويدية والمصريّة لترتيب إعادة فلسطينيي غزّة.