43 عاماً .. مجزرة في الذاكرة وجراح لن تندمل  

الإثنين 12 اغسطس 2019
صور شهداء مجزرة مخيم تل الزعتر في مقبرة شهداء فلسطين - بيروت
صور شهداء مجزرة مخيم تل الزعتر في مقبرة شهداء فلسطين - بيروت

 

بيروت - تقرير خاص 

ككل عام، أحيا أهالي مخيّم تل الزعتر الذكرى الثالثة والأربعين لمجزرة تل الزعتر التي ارتكبت عام 1976، من قبل مليشيات يمينية لبنانية متطرفة ومشاركة قوات سورية، بضوء أخضر أمريكي إسرائيلي.

ووضع أهالي رابطة تل الزعتر أكاليل الورود على النصب التذكاري لشهداء المجزرة، في مقبرة شهداء فلسطين ببيروت، وسط مشاركة من سفارة السلطة الفلسطينية وبعض الأحزاب اللبنانية.

وزين أهالي الرابطة مقبرة الشهداء بصور شهداء المجزرة من فلسطينيين ولبنانيين "كي تبقى ذكراهم حاضرة، وكي لا يظن المجرمون أنهم أفلتوا من العقاب" كما أكد بعض المشاركين.

 


واعتبر مسؤول منطقة بيروت في حزب "المرابطون" اللبناني عدنان الطبش أن مخيم تل الزعتر أول المخيمات الفلسطينية التي كتبت أسطورة شعب الجبارين، مضيفاً أن "المخيم صمد في وجه أعتى قوة مدججة بالسلاح الثقيل في وجه لاجئين فلسطينيين ومواطنيين لبنانيين عزّل كانوا يعيشون في مخيم تل الزعتر ببيروت الشرقية"

وحمّل الطبش جامعة الدول العربية والأنظمة العربية مسؤولية إراقة دماء أهالي المخيم، في شهر آب عام 1976، بعد حصارهم لحوالي ثمانية شهور.

استعادة لأحداث الحصار و المجزرة

ففي كانون الثاني/ يناير عام 1976 فرض أحزاب اليمين اللبناني المكونة من "مليشيا نمور الأحرار" وهي الذراع العسكري لحزب الوطنيين االأحرار بزعامة رودي شمعون آنذاك، ومليشيا حراس الأرز، ومليشيا حزب الكتائب حصاراً محكماً على المخيمات الفلسطينية شرقي بيروت التي صمدت دفاعاً عن نفسها.

لكن هذا الصمود، جعل المليشيات تستعين بجيش النظام السوري الذي تدخل بعد حوالي خمسة أشهر في حزيران / يونيو من ذات العام ليشتد الخناق على مخيم تل الزعتر الذي كان يؤوي عشرين ألف لاجئ فلسطيني بالإضافة إلى مواطنين لبنانيين في مساحة لا تتعدى كيلو متراً واحداً .

في 22 حزيران/ يونيو بدأ الهجوم العسكري على المخيم، وعلى مدى 52 يوماً متتالياً، أمطرت القذائف والصواريخ المخيم بلا رحمة ولا توقف، حيث قدر عدد القذائف بخمسة وخمسين ألف قذيفة انهمرت على لاجئين فلسطينيين عزّل، كان قد أنهكهم الحصار والجوع والعطش، إلى حد يفوق التخيل، ويصل إلى مرحلة أكل لحوم القطط والكلاب الشاردة.

ذكرى طفل من مخيم تل الزعتر

اللاجئ الفلسطيني وليد الأحمد كان طفلاً صغيراً خلال هذه الفترة يقول مستذركاً ما حدث:  "لم يعد هناك مصادر للمياه بعدما قام الفاشيون بقطع معظم مصادر المياه عن المخيم، ولم يتبق سوى مصدر واحد هو عبارة عن قسطل صغير بالكاد يكفي لسد حاجة منزل واحد، وكان هذا المصدر يقع على طرف المخيم الغربي بالقرب من محور الشهيد علي سالم، ولكم أن تتخيلوا مدى الحاجة للمياه في طقس الصيف الحار، لكن شكل هذا المصدر مصيدة محكمة للفاشيين الذين كانوا يتعمدون قتل كل من يحاول أو يقترب من ذلك المكان نهاراً، فيما كان معظم الأهالي يتسللون ليلاً لتعبئة بضع ليترات من المياه".

يضيف الأحمد الذي يقطن مع عائلته في مخيم مار الياس ببيروت: " ومن المشاهد القاسية التي شاهدتها بنفسي ذات يوم عندما كنت أقف على زاوية الشارع، كانت إحدى النساء تسير على طرف الطريق حاملة على رأسها برميلاً صغيراً من الماء، يبدو أنها انتظرت الليل بطوله لتملأه، لكن أطلق أحد القناصة النار عليها فأصابها بخاصرتها، صرخت وسقطت أرضاً وهي تحاول منع المياه من الانسكاب، وسمعتها تصرخ قائلة(وصلوا المي لولادي) تراكض بعض الموجودين وحاولوا إنقاذها ونقلها لأقرب نقطة طبية إلا  أنها استشهدت نظراً لكمية الدماء التي نزفتها، اختلطت دماؤها بالمياه المنسكبة من البرميل، مشكلة خطاً متعرجاً على الاسفلت ....مشهد ما زلت أذكره بكل تفاصيله وألمه"

المخيم يسقط .. والضحايا لا ينسون

 يقول القيادي في منظمة التحرير الشهيد صلاح خلف (أبو إياد) عن هذه المرحلة من الحصار: "لقد بدأ حصار تل الزعتر، بعد دخول الجيش السوري إلى لبنان بعشرة أيام، وقد رفض قادة القوات الإنعزالية أي تسوية سلمية للصراع، لأنهم كانوا يراهنون على كسب المعركة عسكرياً، بحكم أن الموقع الجغرافي لتل الزعتر وسط حزام مسيحي، هو بحكم الساقط عسكرياً، بالإضافة إلى وجود القوات السورية التي ستشل أي حركة للقوات المشتركة الفلسطينية والحركة الوطنية، لفك الحصار عن المخيّم"

بقيت الحال على نفسها، من القصف والحصار، حتى السادس من آب/ أغسطس إذا توصل الصليب الأحمر الدولي إلى اتفاق لإخراج من تبقى من المدنيين من المخيم، ولكن وعند خروج اللاجئين الفلسطينيين غدرت الميليشات اللبنانية بالأهالي أثناء مغادرتهم المخيم وهم عزّل، وأطلقت النار عليهم وقتلت المئات، ثم دخلت إلى المخيم وأطلقت النار على كل من صادفته، ذبحت الأطفال، وبقرت بطون الحوامل، واجتثت بيوت المخيم بالجرافات، ليعلن عن سقوط مخيم تل الزعتر ، بعد تقديمه أكثر من 3500 شهيد ومئات المفقودين الذين لا يعلم مصيرهم حتى اللحظة.

يقول رئيس رابطة أهالي تل الزعتر يوسف الحاج لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين إن الأهالي اجتمعوا مراراً مع الصليب الأحمر، ليعرفوا مصير المفقودين دون جدوى، كما أنهم لم يتمكنوا من استرجاع رفات أكثر من 500 فلسطيني كانوا متحصنين في مبنى واحد سقط عليهم خلال أحداث المجزرة.

وأضاف الحاج أن أحداً لا يرغب محاسبة مرتكبي المجزرة بذريعة أن فتح هذا الملف "يعيد إلى الأذهان الحرب الأهلية اللبنانية، وأن اللبنانيين لا يريدون العودة إلى تلك الحقبة"، مؤكداً أن المجرمين معرفون ولكن لا رغبة سياسية بمحاسبتهم.

ولكنه طالب أن يتوقف الظلم الواقع على اللاجئ الفلسطيني في لبنان، والذي لا يزال متجسداً بحرمانه من حقوقه الإنسانية الأساسية، ما يخلق دافعاً لديه بالهجرة، موضحاً أن "اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يرفضون التوطين رفضاً قاطعاً، ومصرين على العودة إلى فلسطين مهما طال الزمن".

إحدى الناجيات من المجزرة تقول: " تعدّوا علينا على تل الزعتر ظلماً، كان مخيّم ككل المخيّمات، حلم أهله في العودة إلى فلسطين وليس تكريس حياتنا له، حلم العودة وليس التوطين، لا أحد يتخلّى عن تراب بلده."

 وتشدد على أنّ إحياء الذكرى يجب أن يستمر قائلةً "أطفالنا الذين ماتوا من العطش يستحقّون، نساؤنا اللواتي استشهدن أثناء جلب المياه تستحقن، المياه التي شربناها وفيها دماء، تستحق أن نُكرّس هذا اليوم، نحن أهالي تل الزعتر لم ننسى ولن ننسى هذا اليوم طالما."

دمنا وزّع على القبائل

الطبيب الفلسطيني الذي شهد أحداث المجزرة، وعايش تفاصيلها الدموية من داخل المخيم آنذاك، ونجا بأعجوبة "يوسف عراقي" يصف مجزرة مخيم تل الزعتر بأنشع أنواع التطهير العرقي، الذي يرقى إلى جرائم الحرب.

يقول د.عراقي المقيم حالياً في النروج لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن القتلة من مخطيين ومنفذين كانوا كثراً على تخوم مخيم تل الزعتر، "كثرت سيوفهم وتوزع دمنا على مختلف القبائل".

ويضيف: "بالرغم من أن الجريمة واضحة والفاعل معروف، ولكن الحسابات السياسية لعبت دورها في محاولات إغلاق الملف، وهذه السياسية هي التي شجعت على ارتكاب مجازر لاحقة، مثل مجزرة وشاتيلا وغيرها.

يقول د.عراقي في كتابه "يوميات طبيب في تل الزعتر" إن الموقف العربي الرسمي كان مثيراً للشبهة، وفيه كثير من الكيدية بين الدول العربية نفسها، في وقت كانت هناك احتجاجات ومظاهرات، في عدة دول أوروبية وعربية، استنكاراً على ما يحدث في تل الزعتر.

ويضيف: "حتى القيادة الفلسطينية، لم يكن لديها رؤية على المستوى السياسي أو العسكري، للحفاظ على المخيمات الفلسطينية في لبنان، وخاصة في المنطقة الشرقية من بيروت، وإلا لما وقع مخيم تل الزعتر ضحية الخلاف السياسي، بين سوريا من جهة ومنظمة التحرير الفلسطينية، المتحالفة مع الحركة الوطنية اللبنانية من جهة أخرى."

ويستشهد بقول أبو أياد: "لم نكن ندرك خطورة الوضع في بداية المعركة، إلى أن اتصل بنا ذات يوم، طبيبان من أطباء المخيّم، لطلب النجدة، وكانا يصران على الحديث مع مسؤولين سياسيين من المقاومة، وليس مسؤولين عسكريين، وأحسست بغيظهم وهيجان نفسيهما، عندما قالا لي بلهجة جافة: "إذا كنتم لا تستطيعون التوصل لوضع حد لهذه المجزرة، فجدوا على الأقل وسيلة لتمويننا بالماء والغذاء".

ولكن القيادة لم تستطع إلا إدخال، بعض المجموعات الصغيرة للمخيم، بالإضافة إلى القيام "بحزام ناري" حول المخيم لضرب القوات المهاجمة. ولكن ذلك كان غير كاف، وحدث ما حدث.

الذكرى ليست لنكأ الجراج بين شعبين شقيقين  

يستذكر د. عراقي في حديثة لموقعنا مشاركة أحزاب لبنانية في دعم الفلسطينيين في تلك الفترة، يقول: "ناضلنا معاً في زمن المقاومة الفلسطينية، مع الحركة االوطنية اللبنانية بقيادة الشهيد طيب الذكر كمال جنبلاط ضد هيمنة الفكر الفاشي، وحتى يبقى لبنان موحداً وعربياً" 
ويضيف إن إحياء ذكرى المجزرة ليس لنكأ الجراح بين الشعبين الشقيقين اللبناني والفلسطيني، مطالباً بتجنب هذا الخطاب غير المسؤول، الذي يلعب على وتر الفرقة، ويرغب به عدونا المشترك الطامع بكل المنطقة العربية. 
ودعا عراقي الجيل الشاب من الفلسطينيين بالحفاظ على الذاكرة الجماعية لأنها هي السبيل في الحفاظ على حقنا، وهناك من يحاول إلغاء هذه الذاكرة وكي وعينا حتى ننسى تاريخنا. 

خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد