غسان ناصر- سوريا

 

مع بدء إعلان الحكومة السورية في دمشق اتّخاذ التدابير اللازمة لمكافحة انتشار وباء كورونا المستجد (كوفيد-19) في الأراضي الخاضعة لسيطرتها، ومنها العزل الصحيّ لبلدة السيدة زينب في ريف دمشق، غير بعيدة عن مخيّمات وتجمعات اللاجئين الفلسطينيّين (مخيّما السيدة زينب، والحسينية، ومخيّم وبلدة سبينة، ومنطقة الذيابية)، اتسعت دائرة مخاوف فلسطينيّي سورية، الذين باتوا يشعرون مجدداً أنّهم يواجهون بمفردهم حرباً بشعة للمرّة الثانية في السنوات التسع العجاف من عمر الأزمة السوريّة المشتعلة.

بعيداً عن إعلان أو إخفاء وزارة الصحة السوريّة الأعداد الحقيقيّة للإصابات والوفيات بالوباء، فإنّ ما يهمنا في هذه المقالة هو تسليط الضوء على معاناة أهلنا من اللاجئين الفلسطينيّين خاصّة في مدينة دمشق وريفها، لا لكونهم مختلفين عن غيرهم من السوريين الذين يعانون من ذات الوباء والظروف الصحيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، ولكن لأنّ التجارب السابقة التي مرّوا بها من تهجير من مخيّماتهم، ومن تردي أوضاعهم الاجتماعيّة والاقتصاديّة أثبتت أنّ لا مرجعيّة حقيقيّة لهم، فالدولة السوريّة ترمى أعباء هؤلاء على السلطة الفلسطينيّة في رام الله وعلى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل الفلسطينيّين (أونروا) بالدرجة الأولى، وهاتان الجهتان هما أبرز الغائبين عن المشهد في هذه الأيّام العصيبة سواء في سورية أو في لبنان حيث يجد الفلسطينيون السوريون في البلدين أنفسهم في وضع لم يعد يطاق ولا يحتمل خاصّة مع انتشار البطالة بينهم وعدم وجود مورد ماليّ ثابت يقتاتون منه، فضلاً عن التدهور الكبير لـ الليرتين السوريّة واللبنانيّة أمام الدولار، حيث سجّلت الليرة السوريّة خلال الأيّام الماضية أمام الدولار الأمريكيّ الواحد في أسواق دمشق سعر 1285 ليرة للمبيع، و1275 للشراء.
 

  • نحو 280 ألف لاجئ فلسطينيّ سوريّ بلا سند..

التحذيرات الأمميّة والحقوقيّة من مخاطر تفشي الفيروس القاتل في سورية تأخذ يوماً بعد يوم منحى تصاعدياً، ليجد نحو 280 ألف من أبناء شعبنا ممن بقوا في سورية بعدما دفعت الحرب قرابة الـ 190 ألف لاجئ للهجرة خارج سورية، بلا مرجعيّة ولا سند فلا الدولة السوريّة تكترث لأمرهم ولا أيّ مرجعيّة فلسطينيّة سواء من القيادات السياسيّة الموجودة في دمشق أو في رام الله أو في قطاع غزة، ولا حتى من أيّ هيئة دوليّة خاصّة (أونروا)، التي هي الغائب الأبرز في هذه المرحلة الحرجة التي يمرُّ بها الفلسطينيّون في كل أماكن وجودهم في الأراضي السوريّة التي مزقتها الحرب ما يزيد همّهم همّاً.

هذه المرّة الحرب المعلنة ضدّهم هي ذات الحرب التي تهدد البشريّة قاطبة منذ تمّ الإعلان عن أول إصابة بفيروس كورونا المستجد في العالم، لكنها حربٌ أكثر شراسة وضراوة بالنسبة للاجئين الفلسطينيّين في سورية، فالوباء الذي يتربص بهم يأتي متزامناً مع تفاقم معاناتهم المعيشيّة جراء ضيق ذات اليد وتوقف الكثير من معيليهم عن العمل منذ نحو شهر استجابة لتعليمات حظر التجوال ودعوة الحكومة لالتزام البيوت تجنباً لانتشار الوباء، زد على ذلك الارتفاع الجنونيّ لأسعار السلع الأساسيّة والمواد الغذائيّة والتموينيّة التي لا مجال للتخلّي عنها كـ (الخبز والرز والسكر والزيت والخضراوات)، جراء جشع التجار والغياب التامّ لمؤسّسات الدولة المختصّة بضبط الأسواق.

الممثل المقيم لمنظمة الصحة العالميّة في سورية، الدكتور نعمة سعيد عبد، قال الجمعة الثالث من الشهر الحالي: إنّ "منظمة الصحة العالميّة تصنف سورية على أنّها من بين الدول الأكثر عرضة للخطر في إقليم شرق المتوسط​​، نتيجة للتحدّيات في النظام الصحيّ الناتجة عن أكثر من 9 سنوات من الحرب في البلاد".

وكانت المديرة القطريّة لبرنامج الأغذيّة العالميّ في سورية كورين فليشر، قالت الأربعاء الماضي: إنّه "بعد تسع سنوات من الصراع لم يبق للشعب السوري شيئاً ليتأقلم مع هذا التهديد الجديد وتأثيره على معيشة الناس. فالمتاجر مغلقة والمطاعم مغلقة والناس فقدوا مصادر كسب رزقهم. والآن أصبح من المهم أكثر من أيّ وقت مضى أن يضمن برنامج الأغذيّة العالميّ توفير وجبة غذائيّة لأطفال هؤلاء الناس".

وتشير تقديرات البرنامج العالميّ إلى أنّ إجراءات العزل العام للحدّ من انتشار الوباء ستؤثر على نحو ثمانية ملايين سوريّ، الأمر الذي يجعلهم يعانون من نقص الأمن الغذائيّ، وهذا ما يجعلنا نقف على المخاطر التي ستلحق باللاجئين الفلسطينيّين في سورية.

أمام هذا الوضع المرعب التزمّت إدارة وكالة (أونروا) في دمشق الصمت، والاكتفاء بإرسال رسائل نصيّة إلى الهواتف النقالة للفلسطينيّين المسجلين في قوائمها ممن تقدّم لهم المساعدات الماليّة والطبيّة والغذائيّة، مفادها أن التزموا بيوتكم واستمعوا إلى نصائح "الصحة السوريّة"، دون الإشارة إلى أنّها ستعمل على تأمين أيّ دعم استثنائيّ لهم، ما يعني التخلّي التامّ عن واجب الوكالة تجاه آلاف الأسر الفلسطينيّة المحتاجة، الأمر الذي يشكل أزمة حقيقيّة، تضاف إلى سلة الأزمات التي يشكو منها اللاجئون الفلسطينيّون، والتي تعرض حياة الكثير منهم للخطر، خاصّة كبار السن منهم.

كذلك منظمة التحرير (الممثل الشرعيّ والوحيد للشعب الفلسطينيّ)، بدورها لم تحرك ساكناً تجاه ما يمرُّ به أبناء شعبنا الفلسطينيّ في الجغرافيا السوريّة الممزقة، غير توزيعها لعدد من السلات التي تحتوي على معقمات ومنظفات في بعض التجمعات الفلسطينية ومنها مخيّم جرمانا فقط، المخيّم الذي كان يضمّ قبل الأحداث السوريّة حوالي 18 ألف لاجئ فلسطينيّ وأصبح خلال سنوات الحرب يضمّ أكثر من 49 ألف نسمة بعد تدفق اللاجئين الفلسطينيّين النازحين من مناطق أخرى ليصبح بذلك المخيّم الأكثر اكتظاظاً في مدينة دمشق وريفها.
 

  • مطالبة (الأونروا) بإعلان حالة الطوارئ..

غياب أيّ دور للسلطة الفلسطينيّة ومنظمة التحرير وكل القوى والفصائل السياسيّة الوطنيّة والإسلاميّة (حركتا حماس والجهاد الإسلاميّ)، وكذلك وكالة (أونروا)، دفع بعدد من الناشطين الميدانيين من أبناء مخيّم اليرموك، بمطالبة وكالة الغوث وفصائل العمل الوطنيّ الفلسطينيّ والمؤسّسات الأهليّة والاجتماعيّة، والجمعيّات الفلسطينيّة، تقديم الخدمات الإغاثيّة والطبيّة والخدميّة للأسر الموجودة في المخيّم. مشدّدين في بيانٍ صادر عنهم على ضرورة توزيع مادة الخبز، والماء الصالح للشرب، على الأهالي في المخيّم حفاظاً على حياتهم، بعد المخاوف المتصاعدة من تفشي وباء كورونا المستجد.

الناشطون انتقدوا بشكل واضح وصريح دور (أونروا) الذي اقتصر على رسائل توعية، طالبتهم بالبقاء في منازلهم، كيلا يصابوا بالوباء، متغافلة الحاجات الأساسيّة، من رعاية صحيّة واجتماعيّة، مطالبين بفتح مستوصف، وتوفير الخدمات العاجلة، من أدوية ومستلزمات طبيّة، ورش وتعقيم أزقة وحارات المخيّم، محمّلين الوكالة، والفصائل الفلسطينيّة، المسؤوليّة الكاملة، عن سلامة أرواح اللاجئين في المخيّم.

الناشطون قدّموا في البيان حزمة من الإجراءات الوقائيّة للوكالة الأمميّة من أبرزها إعلان حالة الطوارئ في المراكز الصحيّة والمستوصفات الطبيّة العائدة لـ(أونروا) في كافة المناطق من خلال إعلان جاهزيتها 24/24، وتخصيص غرفة أو أكثر في كل مستوصف أو مركز خاصّ للعزل الصحيّ بعد تجهيزها بما يلزم من معدات وأجهزة مراقبة المرضى. إلّا أنّ إدارة الوكالة في دمشق لم تستجب حتى اللحظة إلى النداءات حيث لم تقدّم أيّ إعانات أو مساعدات طبيّة أو غذائيّة أو ماليّة ما يعني تفاقم معاناة نحو 280 ألف لاجئ فلسطينيّ في سورية بينهم عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ والعجزة وهؤلاء فئات مستضعفة لا حول لهم ولا قوّة.

إنّ ما يمرُّ به أهلنا من اللاجئين الفلسطينيّين في سورية أينما وجدوا في زمن جائحة كورونا من محنة كبيرة في ظلّ تخلّي كافة الأطراف الفلسطينيّة والسوريّة والدوليّة، يدفعنا إلى توجيه نداء عاجل وبأعلى صوتنا إلى كل أبناء شعبنا الفلسطينيّ من فلسطينييّ سورية وغيرهم في الشتات والمنافي البعيدة للعمل وبأسرع وقت ممكن على تحويل ما أمكنهم من مساعدات ماليّة لذويهم في سورية ولبنان بشكل مباشر. وكذلك التفكير من قبل من يجد في نفسه الكفاءة على إطلاق المبادرات والحملات الإغاثيّة كتلك الحملة التي أطلقها ناشطون فلسطينيّون من مهجّري مخيّم اليرموك في سورية من المقيمين في أوروبا، والتي حملت عنوان "صنائع المعروف"، لتقديم الإغاثة الإسعافيّة العاجلة للاجئين الفلسطينيّين في مخيّمات لبنان.

ولما لا يتم العمل على إحداث "صندوق دعم للإغاثة العاجلة" تحول إليه أموال من المُيسرين من أبناء المخيّمات الفلسطينيّة في سورية وغيرهم من المحسنين الفلسطينيّين لدعم أهلنا من المحتاجين المتعففين في المخيّمات أو في أماكن وجودهم في دمشق وريفها وفي كافة المحافظات وفي مخيّمات النازحين في الشمال السوري وفي المخيّمات الفلسطينيّة في لبنان خاصّة قُبيل شهر رمضان المبارك.

كما ندعو السلطة الفلسطينيّة ومنظمة التحرير باعتبارهما المرجعيّة الرئيسيّة للفلسطينيين أينما وجدوا، وكذلك وكالة (أونروا) إلى توزيع معونات ماليّة طارئة ومجزيّة لكافة الأسر الفلسطينيّة الموجودة على الأراضي السوريّة الخاضعة لسيطرة النظام والتي نزحت مجبرة إلى مخيّمات الشمال السوريّ وإلى المخيّمات في لبنان وتركيا، وفق آليّات تضمن سلامتهم الشخصيّة مع مراعاة الإجراءات الاحترازيّة التي أعلنتها الحكومة السوريّة والخاصّة أساساً بساعات حظر التجوال وعدم التجمّعات البشريّة، ذلك أنّ ظهور فيروس كورونا المستجد فرض نفسه بضراوة على كل شيء تقريباً في العالم وظهرت سطوته على حياتنا اليومية، وقد تحدّثت الكثير من التقارير الإخباريّة والطبيّة الدوليّة خلال الأيّام القليلة الماضية عن سيناريو مرعب ومؤلم ينتظر سورية مع فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) بسبب تردي الوضع الطبيّ.

ونحن نرى أنّ السيناريو الأكثر إيلاماً ورعباً بالنسبة للاجئين الفلسطينيّين السوريّين هو ترك آلاف الأسر الفلسطينيّة أينما وجدت في الداخل السوريّ أو في لبنان أو تركيا تواجه هذا الوباء القاتل دون تقديم العون الصحيّ والغذائيّ والماديّ لها.

لا يمكن التغافل عن أنّ أكثر من 91% من عائلات اللاجئين الفلسطينيّين في سورية يعيشون اليوم في فقر مدقع، ومعظمهم يعتمدون على المساعدات الشحيحة المقدّمة لهم، بسبب النزوح المستمرّ وفقدان سبل كسب العيش الكريم، وارتفاع معدلات التضخم وتناقص قيمة الليرة السوريّة، وتقلبات أسعار السلع الأساسيّة الأمر الذي انعكس سلباً، على كافة مناحي الحياة، ومنها الظروف الصحيّة، والإجراءات الوقائيّة.

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد