تشيلي - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
خاص
لكثرة ما حكوا عن جبال الأنديز، تخال أنها الفاصل الطبيعي الوحيد بين فلسطين وتشيلي. فعلى الرغم من مشقة الرحلة البحرية التي بدأها مهاجرون فلسطينيون من ميناء حيفا إلى شواطئ الأرجنتين في الطريق إلى تشيلي، إلا أنها لم تشكل إلا الجزء اليسير من الرحلة. لقد فرضت جبال الأنديز نفسها لتكون العائق الأكثر حضوراً. كان على أولئك الفلسطينيين أن يجتازوا أطول سلسلة جبلية في العالم على ظهور الدواب ليقطعوا الحدود الأرجنتينية التشيلية.
بعد حوالي مائة عام، عاد أحفاد هؤلاء ليقطعوا هذه الجبال من تشيلي إلى الأرجنتين، ولكن عبر الطائرة هذه المرة.. ولأسباب مختلفة. فقد وصل فريق كرة القدم التابع للنادي الرياضي الفلسطيني في تشيلي إلى الأرجنتين، ليواجه فريق سان لورينزو الأرجنتيني ضمن بطولة كأس أمريكا الجنوبية. ورغم أن مباراة الذهاب انتهت بتقدم سان لورينزو بهدفين إلا أن الإياب انتهى بفوز النادي الفلسطيني بهدف مقابل لا شيء. وظل المشترك الوحيد في المباراتين علم فلسطين الذي بقي يرفرف طيلة 90 دقيقة. (شاهد الفيديو المرفق)
يقارب عدد الفلسطينيين في تشيلي اليوم حوالي 500 ألف نسمة (ويصل العدد إلى 800 ألف في احصاءات غير رسمية)، يشكل لهم النادي رابطة حقيقية ويجمع بينهم أينما كانوا في تشيلي، وقد خاضوا جميعاً معركة الدفاع عن النادي في وجه الحملات الصهيونية عندما قررت الإدارة إضافة خريطة فلسطين إلى قمصان اللاعبين. الأمر الذي اعتبره رئيس الجالية "الإسرائيلية" في تشيلي في حينه، المدعو "جيراردو غورديشر"، مخالفةً لقوانين الفيفا وأنه محاولة من النادي لـ "لاستيراد صراع الشرق الاوسط مستخدما كرة القدم كوسيلة دعائية سياسية من اجل الكذب والكراهية". وكان رد رئاسة النادي على هذه الحملة الصهيونية برفض "نفاق هؤلاء الذين يلومون هذه الخريطة الفلسطينية ويتحدثون في الوقت نفسه عن الاحتلال على انه مناطق متنازع عليها”.
كانت الهجرة في القرن الماضي مطلباً لأبناء فلسطين الهاربين من الظروف السياسية والاقتصادية التي عاشوها زمن الحرب العالمية الأولى، فوصلوا إلى بلاد تقع على حافة الطرف القصي من غرب العالم، وراحوا يشقون سبل الحياة عبر نشاط تجاري بدأ بسيطاً، وأثبتوا أنفسهم رغم كل ما عانوه من ظروف ليصبحوا اليوم متمتعين بنفوذ على جزء كبير جداً من النشاط الاقتصادي (يتحكمون في ستة من أهم المصارف التشيلية) في أغنى وأجمل بلدان أمريكا اللاتينية. فيما بعد لم تتوقف الهجرة الفلسطينية إلى تشيلي يوماً، فقد استقبلت مهاجرين آخرين عقب نكبة الشعب الفلسطيني، ووصلت دفعة أخرى بعد نكسة حزيران.. وعلى الأغلب فإن ما ينوف عن المئة لاجئ فلسطيني من العراق لن يكونوا الدفعة الأخيرة من فلسطينيين يطرقون الأبواب التشيلية مصطحبين معهم كل آلام شعب لا يزال يناضل في سبيل تحقيق عدالة قضيته الوطنية والإنسانية.
منذ بدايات وصولهم، وعى الفلسطينيون حاجتهم إلى التكاتف والتعاون، وفي الحقيقة فقد كان تأسيس جمعيات ومؤسسات فلسطينية حاجة ضرورية. فقد بدأوا منذ العشرية الأولى في القرن الماضي بتأسيس واحدة من أوائل الكنائس الأرثوذكسية في العاصمة "سانتياغو " (كنيسة سان جورج إغليسا) وبعد ذلك أسسوا "مسجد العاصمة سانتياغو"، في محاولة للمحافظة على هويتهم الثقافية الخاصة. لتتخذ المؤسسات بعد ذلك طابعاً وطنياً واجتماعياً خاصة بعد النكبة؛ ففي تشيلي اليوم ما يزيد عن عشرين مؤسسة فلسطينية تأسس آخرها في العام 2000 (مؤسسة بيت لحم) ولكن يبقى للنادي الرياضي الفلسطيني حضوره المميز.
تأسس النادي الرياضي الفلسطيني (انظر الموقع الرسمي للنادي http://www.palestino.cl/en/) في العام 1920، وفاز بكأس بطولة الأندية التشيلية في العامين 1975 و 1977 ونال بطولة الدوري 1952و 1978 وفاز بأول مباراة دولية في العام 1955. و في العام 1988 أسس استاداً خاصاً به في العاصمة التشيلية يتسع لـ 12 ألف متفرج.
وعلى أهمية إنجازاته الرياضية، إلا أن النادي يعتبر بحق صوت فلسطين في تشيلي. يظهر ذلك من خلال دوره في تعزيز الوجود والهوية الفلسطينية، لجيل رابع أو خامس لا يستطيع لفظ كلمة فلسطين باللغة العربية، حيث تذخر جدران النادي برسومات الشهيد ناجي العلي وأشعار العظيم محمود درويش. أما شعاره وقميصه فهما تتضمنان ما استطاعتا من رموز فلسطين. لا يتوقف الأمر هنا، فجهود النادي في سبيل دعم عدالة قضية فلسطين لا تنتهي. ولربما كان آخرها، وليس أخيرها، يوم العشرين من الشهر الجاري حين قرر عدم تقديم دعوة لزوجة "السفير الإسرائيلي" في تشيلي لحضور معرض خيري سنوي، تقيمه منظمة اجتماعية ويحضره عائلات السلك الدبلوماسي الأجنبي في تشيلي، ويستضيفه النادي هذا العام. هذه الخطوة أزعجت الأوساط "الإسرائيلية" التي رأت أن هذا الموقف يصب في إطار تدعيم حملة مقاطعة "إسرائيل" حول العالم.
شاهد الفيديو