كانت عقارب الساعة تُشير إلى التاسعةِ من مساء يوم أمس الاثنين 24 آب/ أغسطس.
حركة غريبة وغير اعتياديّة لأجهزة الأمن بكافة تشكيلاتها في المحافظة الوسطى في القطاع وخاصة في مُخيّم المغازي للاجئين الفلسطينيين، تزامناً مع تناثر الأحاديث والتخمينات على مواقع التواصل الاجتماعي وسط حالةٍ من الهلع والحيرة أصابت الجميع، وما زاد هذه الحالة اشتداداً هو انتشار مقطع فيديو ظهر فيه أحد الأشخاص على منصة احتفالات التخرّج المُقامة داخل الجامعة الإسلاميّة بغزّة يقول فيه: لقد وفّرنا باصات على جميع أبواب الجامعة وعلى الجميع إخلاء المكان خلال 10 دقائق بسبب وجود ظرف طارئ خارج الجامعة له علاقة بجائحة "كورونا".
ظّل الجميع يترقّب ما الذي يجري في القطاع وخاصة في مُخيّم المغازي مع كثرة وازدياد الشائعات، حتى خرج مركز الإعلام والمعلومات الحكومي في مؤتمرٍ صحفي عاجل الساعة 11 ليلاً، شحُبت ملامح المتحدّث فيه، وخلاصته أنّ "وباء كورونا وصل إلى داخل قطاع غزّة بعد اكتشاف أربعة إصابات بالفيروس لعائلة واحدة داخل مُخيّم المغازي"، وكأنّ غزّة ينقصها المزيد من المآسي.
في ذات المؤتمر، اُعلن فرض منع التجوّل الكامل في كافة محافظات القطاع لمدة 48 ساعة بشكلٍ مبدئي وتعليق العمل في المؤسسات الرسميّة والخاصة وإغلاق المؤسسات التعليميّة والمساجد والأسواق وصالات الأفراح والنوادي ومنع التجمعات لتتبّع خارطة المُخالطين، ولم يمضِ على انتهاء المؤتمر سوى دقائق معدودة حتى انتفض الناس إلى الشوارع واصطفوا "طوابير" بمعنى الكلمة أمام المخابز ومحلات البِقالة والصيدليّات.
هكذا كانت أجواء الحروب في غزّة، فوباء "كورونا" الفتّاك لا تقل وطأته عن الحرب وانعكاساتها على سكّان هذا القطاع الفقير المُحاصر منذ قرابة 14 عاماً.
كيف وصل الفيروس للمُخيّم؟
ولمعرفة ما الذي جرى في مُخيّم المغازي، تواصل "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" مع مسؤول لجنة الاتصال والتواصل في اللجنة الشعبيّة للمُخيّم مروان مصلح، إذ أوضح أنّ "سكّان المُخيّم تفاجؤوا يوم أمس من حالة الاستنفار الكبير داخل المُخيّم للأجهزة الأمنيّة التي أغلقت المُخيّم بكافة شوارعه ومربعاته وحواريه ونصبت الحواجز بعد وصول معلومات عن إصابات بالفيروس داخل المُخيّم، وتبيّن أنّ هناك أربع حالات مصابة، وبحسب المعلومات فإنّ سيدة تم إرجاعها من قِبل الاحتلال الصهيوني على حاجز بيت حانون/ ايرز شمال القطاع وطلبوا منها العودة في اليوم التالي للسفر والعلاج في مستشفيات القدس لإجراء عملية جراحية لطفلتها الصغيرة".
السيدة تعتقد أن إصابتها جاءت من مخالطة موظفي المعبر
وتابع مصلح حديثه: "لسوء حظها لم يكن تنسيقها جاهز على المعبر وهو ما اضطرها للتواصل مع المشفى الذي تكفل لها بالتنسيق، الأمر الذي دفعها للانتظار في ساحة المعبر من الجانب الفلسطيني أملاً في اتمام تنسيقها؛ وبعد ٤ ساعات وصل التنسيق ولكن لم تتوفّر طباعته من جانب الاحتلال، ثم طلبوا منها العودة إلى بيتها والمجيئ في اليوم التالي، وكما نعلم جميعاً أنّ منطقة الاحتلال موبوءة.
أعادوا لها أوراقها وعادت السيدة وكان هناك اختلاط من خلال الأوراق الثبوتية: الهوية الشخصية والتصريح، وعادت على اعتبار أنها لم تصل الجانب الإسرائيلي، وفي اليوم التالي عادت إلى المعبر وسُمح لها بالدخول"، لافتاًإلى أنّ "السيدة تعتقد أنّ إصابتها جاءت من الشخص الذي يستلم الهويات من المسافرين ويعيدها إلى الجانب الإسرائيلي".
وأكمل أنّه "بعد وصول المُصابة إلى مستشفى المقاصد شعرت بأعراض الفيروس، وبعد فحص عائلتها في غزة تبيّن إصابة زوجها بالفيروس وهو صاحب سوبر ماركت أمام مستشفى شهداء الأقصى جراء مخالطتها، وكما تقول بعض المعلومات فإن ابنها أيضاً مصاب ويعمل سائق أجرة، ما خلق حالة من الارباك الشديد، وتخوّفاً وهلعاً بين صفوف اللاجئين في المُخيّم وهو ما انعكس على سكّان القطاع بشكلٍ عام"، مُشدداً على أنّ "اللاجئين لا يعلمون أي مصيبة سيتحملون سواء تقليصات الوكالة أو الفقر المدقع الذي تجاوز 75% في المُخيّمات، أو تقليص الخدمات التعليميّة والصحة والخدمات الإغاثيّة".
اللاجئون الفلسطينيون في مخيمات غزة ينتابهم الهلع
وطالب مصلح خلال حديثه لموقعنا وكالة "أونروا" وكافة المؤسّسات المعنيّة بضرورة "العمل للضغط على الاحتلال من أجل تخفيف الحصار المفروض على القطاع وخاصة المُخيّمات، وتوفير المواد والأدوات اللازمة للاجئين في المُخيّمات حتى يحافظوا على أنفسهم جرّاء هذا الوباء الخطير في ظل تقليصات وكالة الغوث وتقصيرها الواضح في الجانب الصحي داخل المُخيّم".
في حين قال اللاجئ الفلسطيني إبراهيم وشاح من مُخيّم البريج: إنّ "اللاجئين في المُخيّم بعد اكتشاف الإصابات في مُخيّم المغازي أصابتهم حالة من الهلع والخوف، وكل ذلك لأنّ بعض الناس تعاملوا باستهتار مع أزمة كورونا على قاعدة أنّ الفيروس لن يصل للقطاع. وبعد أن وصل فهذا مؤشّر خطير جداً بالنسبة للاجئين خاصة في ظل التقارب والاكتظاظ الكبير داخل المُخيّمات".
وأشار وشاح خلال حديثه لموقعنا، إلى أنّ "وكالة الغوث الدوليّة هي المسؤول الرسمي عن اللاجئين في المُخيّمات إلى حين عودتهم إلى ديارهم، لكنّ الوكالة مقصّرة في خدماتها، وعليها اليوم توفير كل وسائل السلامة والحماية للاجئين حتى لا يتفشى الفيروس أكثر فأكثر داخل المُخيّمات"، مُؤكداً على "ضرورة أن يلتزم سكّان المُخيّمات بإجراءات وزارتي الصحة والداخلية لأنّ هذا الخطر يطال الجميع ولا يفرّق بين أحد".
أونروا: لدينا خطة بديلة بالنسبة للتعليم وتوزيع المواد الغذائية
ولمعرفة خط سير وكالة "أونروا" خلال المرحلة المقبلة في ظل هذه التطورات الجديدة، تواصل "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" مع المستشار الإعلامي لوكالة "أونروا" عدنان أبو حسنة، حيث أكَّد على أنّ "الوكالة لديها خطّة طوارئ بالنسبة للجانب الصحي تتمثّل في إيصال الدواء إلى بيوت اللاجئين وتوفير مختصّين في العيادات لتوفير الدعم الصحي والاستشارات الطبيّة اللازمة للمرضى من خلال الهاتف".
وبيّن أبو حسنة أنّ "هناك خطّة بديلة لدى وكالة "أونروا" سيتم تنفيذها في حال استمرار حالة منع التجوّل، أو إذا دخل القطاع في حالة طوارئ بفعل الوباء، فلدينا خطّة بالنسبة للتعليم وتوزيع المواد الغذائيّة على اللاجئين وبشأن كل ما تقوم به الوكالة، ومن الممكن أن يعود التعليم عن بُعد، وإيصال المواد الغذائيّة إلى بيوت اللاجئين، ولكن كل هذا يعتمد على ما الذي سيحدُث خلال الساعات والأيّام القادمة".
"الجميع مُستنفر لما يحصل في غزّة"
وبشأن التدخّل الصحي المباشر للوكالة في مُخيّم المغازي، أوضح أبو حسنة أنّ "مُخيّم المغازي لا يوجد فيه سوى عيادة الوكالة أصلاً، ولكن المُخيّم حتى اللحظة تحت حالة منع التجوّل، ولدينا اتصال مباشر مع وزارة الصحة وننسق سوياً بشأن كل ما هو جديد"، موجّهاً حديثه للاجئين بأنّ عليهم "تنفيذ كل التعليمات التي تضمن صحتهم وسلامتهم في ظل هذا الوضع، وأن يكون هناك تعاون من قِبل اللاجئين والتزام صارم لأنّ غزّة لا تتحمّل انتشار هذا المرض، وفي حال انتشاره فنحن أمام كارثة، فالمطلوب تعاون الجميع خاصة في هذه الأوقات".
وفي ختام حديثه، أكَّد أبو حسنة وفي ظل التطورات الجارية، أنّ "وكالة أونروا على اتصال مع المجتمع الدولي، وأصدرنا سابقاً نداء "كورونا" وحصلنا من خلاله على جزء من المساعدات"، مُشدداً على أنّ "الجميع مُستنفر لما يحصُل في غزّة".
حصارٌ متواصل وتدهور خطير في الأوضاع الصحيّة
يُشار إلى أنّ هذه التطورات جاءت في ظل تشديد الاحتلال الصهيوني لحصاره على القطاع، إذ يغلق المعبر التجاري الوحيد مع القطاع منذ قرابة 14 يوماً (معبر كرم أبو سالم) وبالتالي يمنع دخول أيّة بضائع، وهذا ما انعكس على الكهرباء التي تصل السكّان ثلاث ساعات خلال الـ24 ساعة بفعل هذا الاغلاق وفقدان الوقود اللازم للمحطّة، حتى في بحر غزة منع الاحتلال الصيادين من ممارسة عملهم وأغلق البحر بشكلٍ كامل، وكل ذلك بحجة الرد على "تواصل إطلاق البالونات الحارقة من القطاع تجاه المستوطنات".
وفي السياق، عبَّر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، اليوم الثلاثاء، عن خشيته من التدهور الخطير والمتسارع في الأوضاع الصحيّة داخل قطاع غزّة مع انقطاع التيار الكهربائي لنحو 20 ساعة يومياً، بسبب حظر سلطات الاحتلال توريد الوقود اللازم لتشغيل محطة التوليد.
وبشأن وصول وباء "كورونا" إلى داخل القطاع، قال المركز في بيانٍ له، إنّ "قطاع غزّة يشهد مرحلة جديدة وغير مسبوقة ستمس كافة مناحي الحياة وستُفاقم من الأوضاع الإنسانيّة المتأزّمة أصلاً قبل تفشي الوباء".
تجّار الأزمات
ختاماً، يقولون أنّ لكل أزمةٍ "تجّارها"، أو كما يُقال في المثل الشعبي "حيتانها" الذين يعتاشون على أنين الفقراء، فقد شهدت بعض الأسواق والمحلات التجاريّة في غزّة ارتفاعاً في الأسعار واحتكاراً في السلع، وهناك من ذهب ورفع حتى أسعار "حليب الأطفال"، في حين حذَّرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، عصر اليوم الثلاثاء، كافة "الموردين وكِبار التجّار وأصحاب المحال التجاريّة من مغبة الاحتكار والتلاعب بالأسعار".
وقالت الجبهة في بيانٍ لها وصل "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، لقد "وردتنا شكاوى عديدة من المواطنين بقيام بعض التجّار الموردين للبضائع والسلع والعديد من المحال التجارية برفع أسعارها في الأسواق وخصوصاً المواد التموينية والاستهلاكية وأدوات النظافة والتعقيم، ما يستوجب التصدي بحزم لهؤلاء المخالفين وملاحقتهم قضائياً"، مُشددةً على "ضرورة تعاون الجميع من أجل التصدي الحازم لكل محاولات استغلال المواطنين، والعمل على تخفيض الأسعار وحماية ودعم صمود المستهلك في مواجهة التحديات والأعباء الحياتية الجديدة جراء جائحة كورونا".
وفي آخر إحصائية لوزارة الصحّة في غزّة صدرت خلال إعداد هذا التقرير، يتواجد في القطاع "2280 فلسطينياً داخل الحجر والعزل الصحي، و144 مصاباً، و72 حالة تعافي، والحالات النشطة 41 إصابة (4 داخل القطاع، و37 من العائدين المحجورين)، وحالات الوفاة 1".