يتعرّض الفلسطينيون في النقب الفلسطيني المُحتل لحملةِ اعتداء غير مسبوقة من قِبل الاحتلال ومستوطنيه، إذ ازدادت حدّة هذه الهجمة عقب الهبة الشعبيّة في كانون الثاني/ يناير الماضي والتي جاءت رداً على تجريف أراضٍ وتشجير مناطق في نقع بئر السبع، ومُحاصرة القرى في النقب وسلبها أراضيها رويداً رويداً تمهيداً للاستيلاء عليها وتوطين المستوطنين فيها على حساب السكّان الأصليين.

منذ هبّة كانون الثاني/ يناير  ويُواصل الاحتلال بشتى الطرق والأساليب التضييق على أهالي النقب المحتل، وذلك من خلال المشاريع الاستيطانيّة التي تستمر حكومة الاحتلال في المُصادقة عليها، أو من خلال تواصل حملات الاعتقال التي تطال الأطفال والمسنين، أو من خلال غض الطرف من قبل أجهزة الاحتلال عن جرائم المستوطنين التي ترتكبُ يومياً بحق الأهالي دون حسيبٍ أو رقيب.

الفلسطينيون في النقب تصدّوا بكل قوّة -وما زالوا- لهذه الهجمة، وفي تطورٍ نوعي أُعلن مساء الثلاثاء 22 آذار/ مارس عن مقتل أربعة مستوطنين وإصابة آخرين جرّاء تعرّضهم لعملية دهسٍ وطعن، في مدينة بئر السبع المحتلة، فيما اُعلن عن استشهاد منفّذ العملية وهو الشاب محمد غالب أبو القيعان من بلدة حورة في منطقة النقب ويبلغ من العمر (34 عاماً)، وكان يعمل معلّماً بإحدى المدارس الثانوية بالنقب.

11-1.jpg


وقُبيل العمليّة بسويعات، أعلنت حكومة الاحتلال بشكلٍ رسمي المُصادقة على إقامة مستوطنة مُخصّصة لليهود المتدينين "الحريديم" في منطقة النقب حملت اسم "كسيف"، حيث ستضم المستوطنة المزمع إقامتها أكثر من ألفي وحدة استيطانيّة ومعدّة لـ125 ألف مستوطن، إذ ستُقام على أراضي بلداتٍ فلسطينيّة مثل "كسيفة وعرعرة وحورة" وغيرها.

60% من أراضي النقب مناطق عسكريّة مغلقة

تقول المنسقة الإداريّة لمنظمة "بدو بلا حدود" هند هاجر سلمان من النقب المحتل لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ سياسات الاحتلال ضد أهل النقب ليست بجديدة، بل تأتي في سياق السياسات المرتكبة بحق كل السكّان في فلسطين، لكنّ قرى النقب تتعرّض للهدم بمعدّل يومين في الأسبوع "اثنين وأربعاء" ويتم هدم البيوت ومصادرة الأراضي وتدمير المحاصيل الزراعيّة للسكّان بشكلٍ دوري.

ولفتت سلمان إلى أنّ الاعتداءات والانتهاكات تزداد خاصّة مع بدء فصل الربيع، إذ تبدأ دوريات جيش الاحتلال مصحوبةً بـ"التراكتورات" أي الآليات المخصّصة للتجريف وتقوم بتدمير كل المحاصيل الزراعيّة الموجودة في الأراضي، ويتعمّد الاحتلال حرمان المزارعين من قوت يومهم من خلال تدمير محاصيلهم الزراعيّة، وهذا بالإضافة إلى منعه تربية المواشي والتضييق على مربي المواشي، مُشيرةً إلى أنّ الاحتلال ووفق قانونه الخاص يتعامل مع 60% من أراضي النقب هي مناطق عسكريّة مغلقة أو كما يطلقون عليها مصطلح "مناطق إطلاق نار" لتدريب الجيش.

وتابعت سلمان: في غالب الأحيان تجري تدريبات لجيش الاحتلال داخل القرى الفلسطينيّة التي لا يعترف بها الاحتلال أو القرى المُسماة "مسلوبة الاعتراف" ويتعرّض السكّان للكثير من المضايقات جرّاء هذه التدريبات، ومؤخراً أصيب طفل فلسطيني بجراحٍ خطرة جرّاء انفجار قنبلة من مخلّفات الاحتلال الموجودة في مناطق التدريبات، وهذه ليست الحالة الأولى، بل هناك الكثير من الحالات التي أصيبت بفعل مخلّفات الاحتلال.

أمّا بشأن الاعتقالات، أوضحت سلمان أنّه ومنذ هبّة أيّار 2021 ازدادت الهجمة الشرسة على أهالي النقب وخاصّة من خلال الاعتقالات التي ما زالت مستمرة، فمنذ هبّة أيّار وأعقبتها أحداث سعوة تم اعتقال قرابة 400 فلسطيني منهم معتقلون إلى يومنا هذا وآخرون تم توجيه لهم لوائح اتهام ضدهم، مُؤكدةً أنّ الفلسطيني في النقب يواجه كل هذه الانتهاكات والجرائم بسلاحه الأبرز ألا وهو الصمود الأسطوري داخل الأرض.

صمودنا كلمة السر

وأردفت هند حديثها لموقعنا: صمودنا في أراضينا وعدم تركها والرحيل عنها هو كلمة السر، فمثلاً قرية العراقيب هُدمت يوم أمس للمرّة 199 على التوالي من قِبل سلطات الاحتلال، ولكنّ ماذا يفعل أهالي هذه القريّة بعد كل عملية هدم؟ يعودون لبناء مساكنهم البسيطة من جديد، وفعلاً كما نقول بيننا في النقب: "همّا بيهدموا وإحنا بنرجع نبني"، فصمودنا في النقب هو الذي يُعوّل عليه منذ بدء الاحتلال، فمنذ العام 1948 زاد عددنا في النقب من عشرة آلاف بدوي فلسطيني في حينه إلى قرابة 300 ألف بدوي في الفترة الحاليّة، وكل هذا بفعل صمودنا وإصرارنا على عدم التنازل عن "ولا شبر من أرضنا" رغم كل إجراءات الاحتلال القاسية.

ما جرى في سعوة مُؤخراً هو أسلوب آخر من النضال، إذ واجه الأهالي جنود الاحتلال بكل عنفوان، ونُظّمت المظاهرات واندلعت المواجهات رداً على سياسات الاقتلاع والتهويد والتهجير، تُضيف هند.  

وحول ضرورة وأهميّة تشكيل لجان الحماية والحراسة في القرى والبلدات الفلسطينيّة التي يستهدفها المستوطنون على الدوام، وخاصّة بعد عمليّة السبع التي أدّت إلى مقتل 4 مستوطنين والتصريحات العنصرية والتحريضيّة التي خرجت من أوساطٍ صهيونيّة حكوميّة رسميّة وغير رسميّة، شدّدت سلمان على أهمية هذا الطرح، إذ لفتت في ذات الوقت إلى أنّ لجان الحماية تكون جدواها داخل القرى، ولكن هناك شوارع رئيسيّة مشتركة مع المستوطنين وهنا يكمن الخطر، داعيةً جميع شباب النقب إلى أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر من هجمات المستوطنين خاصّة في الأيّام المقبلة.

المقاطعة أيضاً سلاح فعّال

وخلال حديثها، قالت هند: إنّ هناك فرصة يجب أن نستغلّها وهي مقاطعة اقتصاد الاحتلال والمركز التجاري في بئر السبع وأن نلتفت للشراء من قرانا في النقب التي تحتوي على كل شيء حرفياً ولسنا بحاجة لبضائع الاحتلال، ومن الممكن زيادة اقتصادنا الداخلي في قرى النقب، وخلال هبّة أيّار تم بالفعل مقاطعة المتاجر "الإسرائيليّة" في بئر السبع وكان لذلك مردود سلبي كبير على اقتصاد الاحتلال ما دفع رئيس البلدية للركض والجلوس مع رؤساء البلديات المحليّة بحجّة "تعزيز الشراكة" بسبب الخسائر الكبيرة التي تكبّدوها، فنحن في النقب قوّة شرائيّة هائلة لمدينة بئر السبع ومركزنا التسوّقي هناك، وهذه دعوّة لمُقاطعة منتجات الاحتلال وسيكون لنا تأثير قوي جداً على اقتصاد بئر السبع خاصةً واقتصاد الاحتلال بشكلٍ عام.

وعلى ذكر التصريحات العنصريّة التحريضيّة، نقل موقع القناة السابعة العبريّة، مساء الثلاثاء، التصريح الذي أصدره حاخام مستوطنة "بيت إيل" أرييل برئيلي الذي قام بإغلاق مدخل مدينة رام الله مع العشرات من المستوطنين احتجاجاً على عملية بئر السبع، إذ قال: لسنا مستعدين لمنحهم حرية الحركة في "أرض إسرائيل"، الدم اليهودي ليس مباحاً، من المستحيل أن يخاف يهودي في بئر السبع أو في أي مكان آخر، وممن يخاف؟ من هذه الأمة الحقيرة؟ أصبحنا في حالة عجز! أصبحنا لاجئين، نعيش في هذا البلد بخوف، سنُغلق المداخل، ولن ندع أعدائنا يتجولون هنا بحريّة"، على حد قوله.

تحريضٌ متسارع

كما تظاهر المستوطنون في مكان العملية ببئر السبع وطالبوا باستقالة حكومة نفتالي بينيت كاملةً، فيما ذكر أحد الصحفيين "الإسرائيليين"، أنّه وبالنسبة لجهاز الشرطة فإنّ عملية بئر السبع بمثابة كابوسٍ تحقّق فعليّاً.

أمّا وزير جيش الاحتلال "بيني غانتس"، فقد هدّد بمُحاسبة كل من حرّض على تنفيذ العمليات، مُؤكداً أنّ الجيش في حالة تأهب قصوى، وكل من شجّع أو حرّض على قتل اليهود سيدفع الثمن باهظاً، على حد قوله.

11-2.jpg

 

ورصد "بوابة اللاجئين" العديد من الاعتداءات التي نفّذها المستوطنون داخل قرى الداخل المحتل والضفة الغربيّة، ولعلّ أبرزها ما قالته الصحفيّة الفلسطينيّة كرستين الريناوي في منشورٍ لها عبر حسابها الرسمي في موقع "فيسبوك"، إنّها نجت من موتٍ مُحقّق على يد عصابات الحقد والإجرام، إذ تعرّضت مركبتها لإلقاء حجارةٍ ضخمة عليها بشكلٍ متعمّد عند المدخل الشمالي للبيرة/ أي حاجز dco.

وفي ذات الإطار، تحدّث الناشط الحقوقي رأفت أبو عايش من النقب المحتل لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" عن موجات التحريض المُتصاعِدة من قِبل المستوطنين تجاه الفلسطينيين في النقب، إذ أكَّد أنّ التحريض في كل مكان وكل منصّة وبشكلٍ مهول، فمنذ أسابيع يتواصل التحريض وازداد بعد ما جرى في بئر السبع، سواء من شخصيّات سياسيّة أو من مستوطنين وصولاً إلى تشكيل مليشيات مسلّحة لمُلاحقة عرب النقب في الشوارع.

الجو العام ذاهب نحو الانفجار

وبيّن أبو عايش أنّ هناك مجموعات تحريضيّة للمستوطنين على منصّتي "تليجرام وواتساب" يحرّضون من خلالها على الفلسطينيين في النقب بشكلٍ دائم منذ سنوات ويدعون إلى إدخال الجيش إلى البلدات العربيّة في النقب، وقبل أسابيع ألفّوا كتاباً تحريضيّاً بعنوان "بدو ستان" عن عرب النقب.

ورأى أبو عايش أنّه ما دام من صلاحيات بلديّة بئر السبع تشكيل مليشيات مسلّحة لتُلاحق العرب في المدينة فالمطلوب من البلديات العربيّة تشكيل لجان حراسة وحماية الشبّان في البلدات العربيّة من هجمات المستوطنين خاصّة في الشوارع الرئيسيّة، فيما أشار إلى أنّه وفي أعقاب العمليّة في بئر السبع تم الاعتداء على شاب بدوي من النقب وجرى نقله للعلاج في مستشفى "سوروكا"، متوقّعاً في ختام حديثه لموقعنا أنّ الجو العام ذاهب نحو الانفجار.

يُشار إلى أنّه ومن أحد أهم أسباب ازدياد شراسة الاحتلال تجاه أهالي النقب والداخل المحتل بشكلٍ عام هي لوحة الوحدة الجغرافيّة الفلسطينيّة التي فاجأت وصدمت المستويات السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة "الإسرائيلية" خلال معركة "سيف القدس" التي خاضتها المقاومة الفلسطينيّة في مايو/ أيّار الماضي إسناداً للفلسطينيين في حي الشيخ جراح، إذ توحّدت فلسطين كاملةً من بحرها إلى نهرها لصد العدوان، وكان للداخل الفلسطيني المحتل بصمةً مؤلمة في جسد حكومة نتنياهو التي سقطت بعد انتهاء المعركة.

وفي وقتٍ سابق، قرأ "بوابة اللاجئين" واقعَ الأخطار والتحديات التي تقع على أهل النقب، والثغرات في المواقف والسياسات تجاههم من مختلف الأطراف التي يفترض أن تكون معنية بحقوقهم ودعمهم كجزءٍ من ضحايا المشروع الاستعماري التهجيري بأبعاده المختلفة، وذلك في ورقة عمل حملت عنوان (النقب في مواجهة التطهير العرقي... تغطية الجريمة وتهميش النضال).

أحمد حسين/بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد