خلال شهر نيسان/إبريل 2023 استمر التصاعد في اعتداءات جيش الاحتلال "الإسرائيلي" على مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، في سياق هجمة متصاعدة على الضفة المحتلة متواصلة منذ الأشهر الأخيرة عام 2022، وأسفرت اعتداءات عن استشهاد خمسة فلسطينيين وإصابة واعتقال المئات في المُخيّمات خلال شهر نيسان/ إبريل 2023.
ورصد موقع بوابة اللاجئين الفلسطينيين مئات الاعتداءات التي تركّزت في مُخيّماتٍ عدّة، وتوزّعت آثار الاعتداءات الصهيونيّة ما بين الإصابات بالرصاص بهدف القتل والتسبّب بالإعاقة، وما بين الاعتقالات والمداهمات لمنازل اللاجئين الفلسطينيين، إذ شكّلت مُخيّمات عدّة على طول أراضي الضفة المحتلة، مثل العروب وعقبة جبر وجنين والدهيشة، أبرز نقاط المواجهة مع جيش الاحتلال خلال الشهر الماضي.
ورصد بوابة اللاجئين الفلسطينيين خلال شهر نيسان/ إبريل، ارتقاء 5 فلسطينيين من أبناء مُخيّمات اللاجئين، فيما تم رصد 95 حالة اعتقال، و195 إصابة من بينها بالرصاص الحي، و180 عملية اقتحام ومداهمة تخلّلها اندلاع مواجهات في 13 مُخيّماً بالضفة من أصل 19 مُخيّماً فلسطينيّاً.
وأوضح الرّصد انخفاضاً طفيفاً في اعتداءات الاحتلال على المُخيّمات الفلسطينيّة بالضفة خلال شهر أبريل/ نيسان من ناحية العدد مقارنةً بشهر مارس/ آذار الذي سبقه وخاصّة في أعداد الشهداء، حيث ارتقى خلال آذار/ مارس 9 فلسطينيين، بينما شهدت المخيمات تقارباً في حالات الاعتقال خلال الشهرين الأخيرين.
وطالت انتهاكات الاحتلال خلال الشهر الرابع من عام 2023 المُخيّمات التالية: مخيم العروب، ومخيم نور شمس، ومخيم جنين، ومخيم الجلزون، ومخيم شعفاط، ومخيم الدهيشة، ومخيم عسكر الجديد، ومخيم عين السلطان، ومخيم عقبة جبر، ومخيم عسكر القديم، ومخيم العين، ومخيم بلاطة، ومخيم طولكرم.
الشهداء
ارتقى 5 فلسطينيين في مُخيّمات اللاجئين خلال شهر نيسان/ إبريل، 2 منهم في مخيم عقبة جبر، و2 في مخيم بلاطة، والشهيد الخامس في مخيم العين، فيما شهد مخيم جنين أكبر عدد اعتقالات بمجموع 19 معتقلاً خلال الشهر المذكور، يليه مخيما عقبة جبر والدهيشة بذات العدد لكل مخيم، يليهم مخيم العروب بعدد 9 معتقلين.
إصابات بالرصاص الحي
وخلال اقتحامات الاحتلال للمُخيّمات المذكورة، أصيب 195 لاجئاً من ضمنهم برصاص الاحتلال الحي، حيث كان مُخيّم العروب أبرز المُخيّمات التي سُجل فيها إصابات بعدد 40 إصابة، إلى جانب مُخيّمي عقبة جبر في مقدّمة المُخيّمات التي سُجلت فيها الإصابات بمجموع 38 إصابة منها بالرصاص الحي، يليه مُخيّمي جنين والدهيشة بعدد 25 إصابة لكل مُخيّم، بالإضافة إلى إصابة المئات اختناقاً بالغاز وجرى علاجهم ميدانياً من قِبل الطواقم الطبيّة المختلفة.
مداهمات واندلاع مواجهات
وكشف الرصد، أنّ قوات الاحتلال اقتحمت المُخيّمات المذكورة 180 مرّة ما بين ساعات الفجر والصباح، وساعات المساء والليل المتأخّر، وكان مُخيّم عقبة جبر للاجئين الفلسطينيين للشهر الثالث على التوالي أكثر المُخيّمات عرضة للاقتحام من قِبل قوات الاحتلال خلال الشهر الرابع للعام 2023 بعدد 42 اقتحاماً، يليه مُخيّم العروب بعدد 32 اقتحاماً، ثم مُخيّمي جنين والدهيشة بعدد 19 اقتحاماً لكل مُخيّم.
وفي مقابل كل هذه الجرائم التي لا تتوقّف، تستمر أيضاً الحالة النضاليّة في المُخيّمات الفلسطينيّة، حيث يُترجم ذلك من خلال المواجهات التي تندلع بشكلٍ يومي على اختلاف وتيرتها والتي تصل إلى الاشتباك بالسلاح، إلى جانب رشق الحجارة وإغلاق الطرقات أمام حركة مركبات قوات الاحتلال والمستوطنين، ما يجعل تكلفة المواجهة أعلى على المُخيّمات من ناحية عدد الشهداء والجرحى، ومئات حالات الاعتداء والاعتقال كما يتبيّن من الرصد الذي نقدّمه بشكلٍ دوري.
الاحتلال حاول تفكيك ظاهرة المُخيّم أو المعسكر
يقول رئيس دائرة شؤون اللاجئين واللجان الشعبيّة في حركة حماس الدكتور محمد المدهون لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إنّ اقتحام المُخيّمات الفلسطينيّة لم يتوقّف طوال فترة وجود الاحتلال، لا سيما وأنّ هذه المناطق الضيّقة والمحصورة التي آوت الآلاف من أبناء شعبنا بعد الهجرة واللجوء أصبحت تمثّل برميلاً حقيقياً من البارود المتفجّر بوجه الاحتلال في كل محطّات النضال الفلسطيني، حيث كانت المُخيّمات دائماً تشكّل أزمةً حقيقيّة للاحتلال الذي حاول في محطّاتٍ عديدة أن يُفكّك ويُفتت ظاهرة المُخيّم أو المعسكر.
ويوضّح المدهون: هذه المُحاولات جاءت إمّا من خلال مشاريع الإسكان أو مشاريع شق الطرق أو المُلاحقة الأمنيّة أو فرض حظر التجوّل والحصار والتجويع، أو من خلال مشاريع التوطين في النطاق الواسع بهدف الوصول إلى مرحلة انتهاء المُخيّم وتذويب شباب المُخيّم وحرف بوصلتهم الأساسيّة في مواجهة الاحتلال الذي تسبّب في كل هذه المعاناة التي يعيشونها.
حكومة الاحتلال تحاول منع الوصل إلى الثورة الشاملة لأنها تعلم أنها ستندلع من المخيمات
ويؤكّد المدهون: رغم كل هذه المشاريع إلّا أنّ المُخيّمات كانت دائماً تثبت عكس ذلك، وكانت في مقدمة الثورة التي كانت تنفجر وتنطلق من داخل المُخيّمات الفلسطينيّة، ونذكر مُخيّمات اللاجئين التي كانت شعلة للثورة والانتفاضة مثل مُخيّم جباليا ومُخيّم جنين وبلاطة وعسكر وشعفاط وجميع المُخيّمات التي مثّلت نماذج حقيقيّة ناصعة في سماء النضال الفلسطيني، لذلك هذا هو الدافع الأساسي لكل حملات المداهمات والاعتقالات التي ينفذّها الاحتلال بشكلٍ يومي من فرض حصار على ثورة تزداد اتساعاً يوماً بعد يوم في الضفة المحتلة.
ويرى المدهون أن حكومة الاحتلال تحاول منع الوصول إلى مرحلة الثورة الشاملة لأنّها تعلم جيداً أنّ الانتفاضة الكبرى ستندلع من هذه المُخيّمات التي يتميّز شبابها بالوعي الحقيقي والروح الثوريّة ويمثّلون عنواناً رئيسياً للقضيّة الفلسطينيّة ألا وهو عنوان اللجوء والشتات والمعاناة، وهم الذين منذ 75 عاماً يتوارثون مُسمى ومصطلح "لاجئ" عن آبائهم وأجدادهم، وتوارثوا أيضاً الحلم بالعودة إلى بلادهم التي هُجّروا منها.
يضيف المدهون: ليس مستغرباً أن يكون هناك حملات مداهمات واعتقالات وجرائم ومجازر يرتكبها الاحتلال داخل مُخيّمات اللاجئين بالضفة بشكلٍ يومي وعلى امتداد خارطة الضفة الغربيّة، لا سيما وأنّ المُخيّمات تمثّل الأيقونة والأمل للشعب الفلسطيني.
التحريض على المُخيّمات سينعكس على واقع المستوطنين
يُشير القيادي الفلسطيني إلى ازدياد التحريض اليومي على المُخيّمات بالضفة، لا سيما في ظل الحديث داخل الأروقة الصهيونيّة عن نيّة الاحتلال تنفيذ عملية "السور الواقي 2" وحملة واسعة في شمال الضفة الغربيّة من أجل اجتثاث ما يُسميه الاحتلال "بؤر الإرهاب"، أي خلايا المقاومة داخل المُخيّمات مثل (كتيبة جنين، وعرين الأسود، وكتيبة بلاطة، وكتيبة عقبة جبر)، مؤكداً أن ظواهر المقاومة التي بدأت تنتشر في كل الضفة تمثّل مصدر إزعاج وأرق للاحتلال، والحكومة اليمينيّة الفاشيّة في الكيان لا تتعامل إلّا بهذا المنطق من المواجهة، وبكل تأكيد هذه التوجهات والتحريض على الفلسطينيين ومُخيّماتهم سينعكس على الاحتلال وواقع وحياة مستوطنيه.
وفي المقابل، يرى المدهون أنّ الشعب الفلسطيني بفعل جرائم الاحتلال المستمرة يدفع الثمن باهظاً من خلال ارتقاء شهداء على مدار الساعة منذ بداية العام الجاري 2023، فمنذ سنوات طويلة لم يكن هذا العدد الكبير من الشهداء، واليوم يُمارس الاحتلال حملة مسعورة بحق المُخيّمات الفلسطينيّة من أجل زيادة الإيغال في الدم الفلسطيني، إلّا أنّ هذا يؤكّد أنّ مقاومة الفلسطينيين لن تتوقّف بل ستستمر وستزداد اشتعالاً من خلال هذا الجيل الشاب الذي يتقدّم على قيادته ويفاجئ الجميع من خلال فعله الثوري المستمر والوعي الكامل بطبيعة المرحلة الخطيرة التي يعيشها ويدرك الهجمة الممنهجة على قضيته وحقوقه الوطنيّة.
ويُضيف المدهون حول العمليات التي ينفذّها أبناء المُخيّمات بالضفة: هذه العمليات مؤثّرة بدرجة كبيرة جداً، وخاصّة أنّها تأتي من جيلٍ شاب راهنوا عليه من خلال مقولة أنّ "الكبار يموتون والصغار ينسون"، بل وتوعدونا بالجيل الفلسطيني الجديد الذي يسعى وراء التنسيق الأمني والمهادنة مع الاحتلال، إلّا أنّ هذا الجيل الجديد يقتدي بالشهيد رعد خازم، وعدي التميمي، وإبراهيم النابلسي، وأبطال نابلس الذين ارتقوا في نابلس مؤخراً، لذلك فإنّ هؤلاء الشبّان وفعلهم النضالي سيكون له تأثير كبير سينعكس بالتأكيد على الواقع السياسي الحالي وعلى مكانة القضيّة الفلسطينيّة.
مسار أبناء المُخيّمات سيُفجّر الانتفاضة الثالثة
يختم المدهون: أمام الفعل المقاوِم لأبناء المُخيّمات الفلسطينيّة، ستختفي كل أصوات التطبيع والتنسيق الأمني، لأنّ مسار المقاومة الذي اختاره أبناء المُخيّمات والقرى والبلدات سيكون له انعكاسات سياسيّة على المسار الذي يتحوّل اليوم بعد أن أصبح مسار "أوسلو والتسوية" يلفظ أنفاسه الأخيرة، بحسب تعبيره، متوقعاً أن تكون الانتفاضة الثالثة "انتفاضة القدس" على الأبواب، وستكون أكثر قوّة مما سبقها، "لأنّنا وبشكلٍ واضح أمام تدافعٍ حقيقيٍ للأجيال الجديدة تجاه المقاومة وصد العدوان عن أرضهم وقضيتهم وصولاً للتحرير والعودة إلى البلاد".
وتجدر الإشارة إلى أنّ من أبرز الانتهاكات التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني بحق المُخيّمات الفلسطينيّة خلال شهر أبريل هو حصار مدينة أريحا منذ 14 يوماً بما فيها مُخيّمات اللاجئين (عقبة جبر، وعين السلطان)، حيث حاصرت قوات الاحتلال المدينة بكاملها وتنصب حواجز عسكرية وتفتّش المارة وتدقّق في بطاقاتهم الشخصية، وتعيق تنقلاتهم اليوميّة.