لبنان
نشوى حمّاد
أعاد مجموعة من الشباب الفلسطينيين اللاجئين في لبنان إحياء عادات أجدادهم في التعامل مع الأرض، من خلال نشاط دعا إليه النادي الثقافي الفلسطيني، لمشاركة فلاح فلسطيني في قطف أشجار الزيتون التي يضمنها من فلاح لبناني في قرى منطقة مدينة صور جنوبيّ لبنان، يوم الاحد 21 تشرين الأول/ أكتوبر، بهدف استذكار العادات الفلسطينية القديمة ما قبل النكبة، وللإعلان عن تمسكهم بترابهم مهما طالت السنين.
طريق العودة يمّر من هنا
انطلقت الباصات من العاصمة اللبنانية بيروت صباح ذلك اليوم، ناقلة الشبان والشابات الفلسطينيات، حيث عمد معظمهم إلى ارتداء الكوفية الفلسطينيّة، وكانوا مفعمين بالحماس للوصول إلى الجنوب اللبناني – القريب من الأراضي الفلسطينيّة المحتلة.
أحاديث دارت أطرافها بين الركاب، كل منهم كان يروي توقعاته عن مشهد قطف الزينون الذي حرموا منه مع استيلاء الاحتلال الصهيوني على أراضي أجدادهم عام النكبة 1948 ، وآخرون رووا شيئاً عن تجاربهم مع الأرض، وسط أنغام الأغاني الفلسطينيّة الشعبية التراثية.
وبين حين وآخر يستذكر كل شخصا منهم بلده عبر ذكر اسمها وقضائها ومعالمها وأهم تراثها، مرتّ ساعات ووصلت الباصات إلى وجهتها، إلى أرض الجنوب اللبناني.
نزلوا من الباص وهموّا بالسير عالياً نحو المساحات التي تضم أشجار الزيتون، كان طابوراً طويلاً من الناس كل منهم يحمل حقيبته على ظهره وأغراضاً في يده، في حماس ، كل تلك الأمور دمجت سوياً لتشكل صورة موحدة لهم توحي للناظر عن بعد أنها مشهد العودة إلى فلسطين المحتلة.
جورة الذهب في فلسطين هي أرضي
مساحة مليئة بأشجار الزيتون كانت على مد النظر، في تلك المنطقة تقابلوا مع الفلاح الفلسطيني، مزيّد جبر اليوسف، في العقد الخامس من عمره، وهو ابن مخيّم برج الشمالي بمدينة صور، والذي بدوره استقبل الشبان والشابات، وفوراً باشر اليوسف بالشرح عن نفسه وعن قريته في فلسطين "الزوق التحتاني" في الحولة.
اليوسف روى لموقع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" حكاية والده مع الأرض والتراب، قائلاً: " كان أبي فلاحا في فلسطين، ويملك العديد من المساحات الزراعية، حيث كان يزرعها بمختلف الأشجار من الفواكهة والخضار، منها الليمون والزيتون"، وأضاف: "بلدتنا –الزوق التحتاني- مشهورة بزراعة الحمضيات، ولقبها (جورة الذهب) وتعود هذه التسمية نظراً لتربتها الخصبة."
ولدت علاقتي مع الأرض منذ الصغر، حين كنت أرافق أبي الفلاح إلى الأراضي الزراعيّة في لبنان، -التي كان يضمنها من اللبنانيين وتابع: "أذكر جيداً كيف كان يصحبنا إلى الأرض لمشاركته بحصادها، ما خلق رابطاً قوي مع هذا التراب، وزاد الحنين أكثر تجاه أرض الوطن."
وعن شعوره بالإنتماء إلى هذه الأرض التي يعمل بها في ظل اصدامه بواقع القانون اللبناني الذي يحرمه من التملك، قال اليوسف، "نعمل في هذه الأرض بكل حب وإخلاص، فهنا ولدنا وكبرنا، وأفنينا فيها الكثير من عمرنا وجهدنا، كل تلك الروابط تلبس ثوب الحسرة عندما تأتي القوانين اللبنانية وتمنعنا من تملك أي عقار، ليس هذا وحسب، كنت قد أنهيت دراسة إدارة الأعمال ولكني لم أستطع مزاولة هذه المهنة نظراً لمنع الدولة اللبنانيّة، اللاجئ الفلسطيني للعمل في أكثر من 70 مهنة."
"بلاد الشام أوطاني"، هكذا وصف اليوسف انتماءه إلى هذه الأرض التي يعمل بها، ولكن تراب وطنه لم يغب عن باله لحظة، فكما أوصاه والده يوصي هو أبناءه وأحفاده بعدم التخلي عن حقهم في تراب فلسطين، لأنهم أصحاب حق.
في كل عام وموسم يبدأ المزارعون الفلسطنييون في حصاد الأراضي الزارعية اللبنانية، وتبلغ نسبتهم نحو 70% في أراضي الجنوب، حيث يتم تقسيم المحصول بين المزارع وأصحاب الأرض اللبنانية بنسبة النصف لكل شخص.
من بين أشجار الزيتون الجنوبي سلام لفلسطين
باشر الشباب في قطاف الزيتون وسط مساعدة من المزارعيين، كل مجموعة تسلمت شجرة، منهم من اختار أن يجلس على التراب ليقطف ثمار الزيتون التي تنمو على علوّ منخفض ومنهم من تسلق الشجرة ليقطف أعلى ثمارها.
ميرا كريّم احدى المشاركات في القطاف، أعربت عن مدى فرحتها بهذه التجربة، نظراً لمشاعر الحسرة التي تصيبها خلال كل موسم قطاف، عندما ترى المزارعين الفلسطينيين عبر الشاشات في الأراضي الفلسطينية، اذ تتمنى ان تشاركهم تلك اللحظات، وتابعت: " جئت أعيش جزء صغيراً من الحياة التي حرمت منها، خاصة لأن جدي كان فلاحاً، وروى لنا الكثير عن أجواء القطاف"، "كان جدي يأتي من الجامعة إلى الأرض في قريتنا مجد الكروم، ليشارك أباه في عمله مع الجيران والأقارب ويتعاونوا سوياً" واصفة الأجواء حينها وكأنها مهرجانات تجمع كل أهالي القرية.
وأضافت:" وجودي في هذه البقعة بالجنوب والتي تعتبر امتداداً لتراب وطني المحتل وسط هذه الأجواء الفلسطينية ، كالموسيقى التراثية والطعام الفلسطيني الذي نعدّه هنا "مقلاية بندورة"، كل تلك التفاصيل تضيف إلى قلبي فرحاً كنت قد حرمت منه.
موسم الحصاد في فلسطين وسط حصار الاحتلال
إحدى أعضاء النادي الثقافي الفلسطيني، عائشة الرفاعي، اشارت لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أن هذه المبادرة جاءت بالتنسيق مع جمعية "ممكن"، التي تعمد في كل موسم إلى التحضير لنشاطات مماثلة، مما شجع نادي الفريق إلى المشاركة بشرط أن يكون المزارع فلسطينياً، لتحمل المشاركة رسالة "العودة".
وتابعت الرفاعي: "بعد النكبة التي أبعدتنا عن ترابنا وأرضنا تحمست جداً لهذا النشاط، وخاصة للعلاقة التي تربط الزيتون بفلسطين، فهي تمثل ثباتنا وهويتنا"، مشيرة إلى المضايقات التي يتعرض لها المزارعون في فلسطين من قبل الاحتلال.
لم تقتصر المشاركة فقط على فلسطيني لبنان، فالشاب بكر شخبجي، وصل من نابلس في الضفة الغربية بفلسطين إلى لبنان منذ نحو شهرين، ليبدأ مسيرته التعليمية في إحدى جامعات بيروت، شارك في هذه المبادرة، وعن الرغبة التي دفعته للإنضمام، قال: "أحببت أن أساعد الفلسطينيين في لبنان، نحن أخوة، ورغبتي في خوض هذه التجربة وسط عدد من الفلسطينيين كانت قوية، نظراً للرمزية التي تحملها تجاه القضية"، وأشار أن لموسم الزيتون خاصيّة لدى الفلسطينيين، فهو تراث ينتقل عبر الأجيال "
"نفس العادات هنا تجري في قرى نابلس، إلا ان الاختلاف يكمن في الحرية، فالاحتلال يمنع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم لجني المحاصيل، مما يدفع المزارعين إلى التواصل مع الهلال الأحمر لكي يؤمنوا عبره ترخيصاً لا يتعدى يوماً أو يومين وسط حدود معينة لقطف الزيتون أو الحمضيات".
نشوى حمّاد
أعاد مجموعة من الشباب الفلسطينيين اللاجئين في لبنان إحياء عادات أجدادهم في التعامل مع الأرض، من خلال نشاط دعا إليه النادي الثقافي الفلسطيني، لمشاركة فلاح فلسطيني في قطف أشجار الزيتون التي يضمنها من فلاح لبناني في قرى منطقة مدينة صور جنوبيّ لبنان، يوم الاحد 21 تشرين الأول/ أكتوبر، بهدف استذكار العادات الفلسطينية القديمة ما قبل النكبة، وللإعلان عن تمسكهم بترابهم مهما طالت السنين.
طريق العودة يمّر من هنا
انطلقت الباصات من العاصمة اللبنانية بيروت صباح ذلك اليوم، ناقلة الشبان والشابات الفلسطينيات، حيث عمد معظمهم إلى ارتداء الكوفية الفلسطينيّة، وكانوا مفعمين بالحماس للوصول إلى الجنوب اللبناني – القريب من الأراضي الفلسطينيّة المحتلة.
أحاديث دارت أطرافها بين الركاب، كل منهم كان يروي توقعاته عن مشهد قطف الزينون الذي حرموا منه مع استيلاء الاحتلال الصهيوني على أراضي أجدادهم عام النكبة 1948 ، وآخرون رووا شيئاً عن تجاربهم مع الأرض، وسط أنغام الأغاني الفلسطينيّة الشعبية التراثية.
وبين حين وآخر يستذكر كل شخصا منهم بلده عبر ذكر اسمها وقضائها ومعالمها وأهم تراثها، مرتّ ساعات ووصلت الباصات إلى وجهتها، إلى أرض الجنوب اللبناني.
نزلوا من الباص وهموّا بالسير عالياً نحو المساحات التي تضم أشجار الزيتون، كان طابوراً طويلاً من الناس كل منهم يحمل حقيبته على ظهره وأغراضاً في يده، في حماس ، كل تلك الأمور دمجت سوياً لتشكل صورة موحدة لهم توحي للناظر عن بعد أنها مشهد العودة إلى فلسطين المحتلة.
جورة الذهب في فلسطين هي أرضي
مساحة مليئة بأشجار الزيتون كانت على مد النظر، في تلك المنطقة تقابلوا مع الفلاح الفلسطيني، مزيّد جبر اليوسف، في العقد الخامس من عمره، وهو ابن مخيّم برج الشمالي بمدينة صور، والذي بدوره استقبل الشبان والشابات، وفوراً باشر اليوسف بالشرح عن نفسه وعن قريته في فلسطين "الزوق التحتاني" في الحولة.
اليوسف روى لموقع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" حكاية والده مع الأرض والتراب، قائلاً: " كان أبي فلاحا في فلسطين، ويملك العديد من المساحات الزراعية، حيث كان يزرعها بمختلف الأشجار من الفواكهة والخضار، منها الليمون والزيتون"، وأضاف: "بلدتنا –الزوق التحتاني- مشهورة بزراعة الحمضيات، ولقبها (جورة الذهب) وتعود هذه التسمية نظراً لتربتها الخصبة."
ولدت علاقتي مع الأرض منذ الصغر، حين كنت أرافق أبي الفلاح إلى الأراضي الزراعيّة في لبنان، -التي كان يضمنها من اللبنانيين وتابع: "أذكر جيداً كيف كان يصحبنا إلى الأرض لمشاركته بحصادها، ما خلق رابطاً قوي مع هذا التراب، وزاد الحنين أكثر تجاه أرض الوطن."
وعن شعوره بالإنتماء إلى هذه الأرض التي يعمل بها في ظل اصدامه بواقع القانون اللبناني الذي يحرمه من التملك، قال اليوسف، "نعمل في هذه الأرض بكل حب وإخلاص، فهنا ولدنا وكبرنا، وأفنينا فيها الكثير من عمرنا وجهدنا، كل تلك الروابط تلبس ثوب الحسرة عندما تأتي القوانين اللبنانية وتمنعنا من تملك أي عقار، ليس هذا وحسب، كنت قد أنهيت دراسة إدارة الأعمال ولكني لم أستطع مزاولة هذه المهنة نظراً لمنع الدولة اللبنانيّة، اللاجئ الفلسطيني للعمل في أكثر من 70 مهنة."
"بلاد الشام أوطاني"، هكذا وصف اليوسف انتماءه إلى هذه الأرض التي يعمل بها، ولكن تراب وطنه لم يغب عن باله لحظة، فكما أوصاه والده يوصي هو أبناءه وأحفاده بعدم التخلي عن حقهم في تراب فلسطين، لأنهم أصحاب حق.
في كل عام وموسم يبدأ المزارعون الفلسطنييون في حصاد الأراضي الزارعية اللبنانية، وتبلغ نسبتهم نحو 70% في أراضي الجنوب، حيث يتم تقسيم المحصول بين المزارع وأصحاب الأرض اللبنانية بنسبة النصف لكل شخص.
من بين أشجار الزيتون الجنوبي سلام لفلسطين
باشر الشباب في قطاف الزيتون وسط مساعدة من المزارعيين، كل مجموعة تسلمت شجرة، منهم من اختار أن يجلس على التراب ليقطف ثمار الزيتون التي تنمو على علوّ منخفض ومنهم من تسلق الشجرة ليقطف أعلى ثمارها.
ميرا كريّم احدى المشاركات في القطاف، أعربت عن مدى فرحتها بهذه التجربة، نظراً لمشاعر الحسرة التي تصيبها خلال كل موسم قطاف، عندما ترى المزارعين الفلسطينيين عبر الشاشات في الأراضي الفلسطينية، اذ تتمنى ان تشاركهم تلك اللحظات، وتابعت: " جئت أعيش جزء صغيراً من الحياة التي حرمت منها، خاصة لأن جدي كان فلاحاً، وروى لنا الكثير عن أجواء القطاف"، "كان جدي يأتي من الجامعة إلى الأرض في قريتنا مجد الكروم، ليشارك أباه في عمله مع الجيران والأقارب ويتعاونوا سوياً" واصفة الأجواء حينها وكأنها مهرجانات تجمع كل أهالي القرية.
وأضافت:" وجودي في هذه البقعة بالجنوب والتي تعتبر امتداداً لتراب وطني المحتل وسط هذه الأجواء الفلسطينية ، كالموسيقى التراثية والطعام الفلسطيني الذي نعدّه هنا "مقلاية بندورة"، كل تلك التفاصيل تضيف إلى قلبي فرحاً كنت قد حرمت منه.
موسم الحصاد في فلسطين وسط حصار الاحتلال
إحدى أعضاء النادي الثقافي الفلسطيني، عائشة الرفاعي، اشارت لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، أن هذه المبادرة جاءت بالتنسيق مع جمعية "ممكن"، التي تعمد في كل موسم إلى التحضير لنشاطات مماثلة، مما شجع نادي الفريق إلى المشاركة بشرط أن يكون المزارع فلسطينياً، لتحمل المشاركة رسالة "العودة".
وتابعت الرفاعي: "بعد النكبة التي أبعدتنا عن ترابنا وأرضنا تحمست جداً لهذا النشاط، وخاصة للعلاقة التي تربط الزيتون بفلسطين، فهي تمثل ثباتنا وهويتنا"، مشيرة إلى المضايقات التي يتعرض لها المزارعون في فلسطين من قبل الاحتلال.
لم تقتصر المشاركة فقط على فلسطيني لبنان، فالشاب بكر شخبجي، وصل من نابلس في الضفة الغربية بفلسطين إلى لبنان منذ نحو شهرين، ليبدأ مسيرته التعليمية في إحدى جامعات بيروت، شارك في هذه المبادرة، وعن الرغبة التي دفعته للإنضمام، قال: "أحببت أن أساعد الفلسطينيين في لبنان، نحن أخوة، ورغبتي في خوض هذه التجربة وسط عدد من الفلسطينيين كانت قوية، نظراً للرمزية التي تحملها تجاه القضية"، وأشار أن لموسم الزيتون خاصيّة لدى الفلسطينيين، فهو تراث ينتقل عبر الأجيال "
"نفس العادات هنا تجري في قرى نابلس، إلا ان الاختلاف يكمن في الحرية، فالاحتلال يمنع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم لجني المحاصيل، مما يدفع المزارعين إلى التواصل مع الهلال الأحمر لكي يؤمنوا عبره ترخيصاً لا يتعدى يوماً أو يومين وسط حدود معينة لقطف الزيتون أو الحمضيات".
خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين