مقال أوس يعقوب
تواصل إدارة البيت الأبيض منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إليه في 20 كانون الثاني/ يناير 2017، إصدار قرارات تنتهك الحقوق الوطنيّة الفلسطينيّة المشروعة، وفي مقدّمها حقّ العودة الذي يشمل نحو ثمانية ملايين لاجئ فلسطيني موجودون في الجغرافيا الفلسطينيّة الممزقة، داخل الخط الأخضر، وفي القدس، والضفّة الغربيّة ، وقطاع غزّة المحاصر، وفي مخيّمات اللجوء في البلدان العربية والشتات. كما شكلت بعض هذه القرارات "الترامبية" (نسبة إلى ترامب)، خطرًا حقيقيًا على مدينة القدس المحتلة، عاصمة فلسطين، ومن بقي فيها من الفلسطينيّين أصحاب الأرض الأصليّين.
لم يبقَ لترامب الآن ما يقدّمه للفلسطينيّين سوى الفتات، بعد سلسلة قرارات مجحفة توجها في العاشر من الشهر الحالي تشرين الأول / أكتوبر، بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينيّة في واشنطن، ومن قبل شرعنة الإستيطان في الشطر الشرقيّ بالقدس المحتلة وضواحيها، وفي الأراضي الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة، والعمل على تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين في الشرق الأدنى (الأونروا)، وليس أخيرًا وقف المساعدات المالية للسلطة الفلسطينيّة.
إغلاق السفارة بواشنطن؛ ذروة الحقد "الترامبي"
مواقف ترامب العدائية تجاه الفلسطينيّين، وإبتزازهم لإخضاعهم للشروط والإملاءات الأميركيّة- الإسرائيليّة للتسوية، ومنها نقل سفارة بلاده إلى القدس، وقراره بتصفية وكالة الأونروا، وشطب حقّ العودة، ليست بالجديدة فالحديث عن ضرورة إعادة هيكلة وكالة الغوث، وإعادة تعريف اللاجئ الفلسطينيّ، وخفض عدد المسجلين لدى الأونروا من اللاجئين يعود إلى العام 2013، حين رفعت واشنطن توصية بهذا الشأن للأمم المتحدة. ولكن الجديد في ذلك اليوم هو أنّ ترامب أتى بجميع الملفات التي تخصّ الفلسطينيّين ووضعها دفعة واحدة على الطاولة.
ليس قرار الرئيس الأميركيّ، الجمهوريّ، الخامس والأربعون، دونالد ترامب، الذي أظهر منذ توليه الحكم أنّه لا يأبه للمؤسّسات الدوليّة، ولا يحترم التزامات بلاده القانونيّة وتعاقداتها، القاضي بدمج القنصليّة الأمريكيّة في القدس بالسفارة، ما يعني اعتبار شرقيّ مدينة القدس المحتلة جزء من دولة الاحتلال، والتي قيل سابقًا بأنها مطروحة للتفاوض، ليس الأخير في حربه الشعواء التي شنّها على الفلسطينيين بلا هوادة من أجل تجريدهم من كافة حقوقهم الوطنيّة المشروعة، والعمل على تغييبهم عن المحافل الدولية قصد حرمانهم من عرض قضيّتهم على الرأي العام العالميّ خاصّة في الأوساط الأمريكيّة، فعند الساعة الرابعة والنصف بتوقيت واشنطن يوم الأربعاء الموافق 10/10/2018، أُغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن بشكل نهائي، عُقب انتهاء المهلة التي منحتها إدارة ترامب لبعثة السفارة الفلسطينيّة، ليمثّل ذلك الإغلاق ذروة الحقد "الترامبي" تجاه الشعب الفلسطينيّ، في ضوء حربه الشاملة ضدّ الفلسطينيّين لرفضهم ما يسمى بـ"صفقة القرن".
تصف حنان عشراوي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير هذا القرار، الذي سبقه قرارت مثل إلغاء إقامة السفير الفلسطينيّ حسام زملط وعائلته لدى الولايات المتحدة، ومطالبتهم بمغادرتها فورًا رغم أن التأشيرات سارية حتى عام 2020، وكذلك إغلاق الحسابات المصرفية للمنظمة في واشنطن، ووقف مساعدات إضافية للفلسطينيّين كانت مخصّصة لبرامج تدعم حلّ "الصراع الفلسطينيّ –الإسرائيليّ" تصل قيمتها نحو عشرة ملايين دولار، تصفه عشراوي بـ"السلوك الإنتقامي من قبل الإدارة الأميركيّة يدل على ما وصلت إليه من حقد على فلسطين قيادةً وشعبًا ليطال النساء والأطفال الأبرياء".
قرارات ترامب المتتالية ضدّ الشعب الفلسطينيّ بكلّ أطيافه وتوجّهاته السياسيّة والفكريّة الواسعة، والساعية بالدرجة الأولى إلى إنهاء القضيّة الفلسطينيّة سياسيًّا على الصعيد الدوليّ، تنقسم لنوعين، بحسب محللين وخبراء سياسيين، الأول يهدف إلى فرض وقائع على الأرض لصالح الكيان الإسرائيلي، كالاعتراف بمدينة القدس المحتلة عاصمة أبدية له، وفرض هيمنة أمنية من قبل سلطات الاحتلال على الفلسطينيّين أينما وجدوا في أجزاء الوطن المحتل المتقطعة.
أمّا الثاني، فالهدف منه هو الضغط على منظمة التحرير والسلطة الفلسطينيّة في رام الله للقبول بـ "صفقة القرن"، التي تؤكد التسريبات الإعلامية الواردة من واشنطن وتل أبيب ورام الله، أنّها تتضمن انتقاصًا خطيرًا للحقوق الفلسطينيّة، خاصّة فيما يتعلق بالقدس، وملف اللاجئين وحقّ العودة، وتصفية الأونروا، وشرعنة الاستيطان في القدس وضواحيها وفي أراضي السلطة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة.
وقف كلّ الدعم المالي الأمريكيّ للفلسطينيّين
في 6 كانون أول/ ديسمبر 2017، أعلن ترامب رسميًا اعتراف إدارته بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأمريكيّة لدى الاحتلال من تل أبيب إلى القدس في 14 أيار/ مايو الماضي، لتكون أول سفارة بالمدينة المحتلة. ذلك أنّه منذ إقرار "الكونغرس" الأمريكيّ عام 1995 قانونًا بنقل السفارة الأمريكيّة من تل أبيب إلى القدس، دأب الرؤساء الأمريكيّون على تأجيل المصادقة على هذه الخطوة لمدة ستة أشهر، وهو التقليد الذي أنهاه ترامب.
وفي 2 آب/ أغسطس الماضي، تغوّل ترامب في حربه ضد الفلسطينيّين بإصداره قرارًا يقضي بوقف كلّ المساعدات المالية المقدمة للسلطة الفلسطينيّة، بما في ذلك المساعدات المباشرة لخزينة الحكومة وغير المباشرة، التي تأتي لصالح مشاريع بنية تحتية ومشاريع تنموية في الأراضي الخاضعة لسيطرة للسلطة.
وأصدر البيت الأبيض، حينها، بيانًا، جاء فيه أنّ "واشنطن أعادت توجيه أكثر من 200 مليون دولار كانت مخصّصة لمساعدات اقتصادية للضفة الغربية وقطاع غزّة، إلى مشاريع في أماكن أخرى حول العالم".
وكان يبلغ متوسط الدعم السنوي الأمريكيّ للفلسطينيّين خلال السنوات العشر الماضية منذ 2008، وفق بيانات حكومة السلطة الفلسطينيّة، نحو 600 مليون دولار، ووصل في بعض الأعوام إلى 800 مليون دولار، موزعة على خزينة الحكومة ووكالة الأونروا وهيئات ومؤسّسات المجتمع الأهلي الفلسطينيّ.
كذلك أعلنت إدارة ترامب في 7 أيلول/ سبتمبر الفائت، عن حجبها 25 مليون دولار كانت مخصّصة للمستشفيات الفلسطينيّة العاملة في شرقيّ مدينة القدس، وعددها 6 مستشفيات تُقدم خدمات طبية للفلسطينيّين من سكان الضفّة الغربيّة (بما فيها شرقيّ القدس) وقطاع غزّة.
اغتيال الأونروا.. الشاهد على حقّ العودة
قبل ذلك، تحديدًا في 16 من كانون الثاني/ يناير 2018، قرر ترامب تقليص مساعدات الولايات المتحدة لوكالة الأونروا من 365 مليون دولار، إلى 125 مليون دولار سنويًا، لم تقدم منها لعام 2018 إلا 60 مليون دولار.
وبعد أشهر من قرار التقليص، أصدر قراره في 3 آب/ أغسطس الماضي، القاضي بقطع كافة الالتزامات المالية للأونروا، التي تقدم المساعدة والحماية لحوالي 5.9 مليون لاجئ فلسطيني مسجل لديها، ويوجدون في مناطق عملياتها الخمس في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، وفي سوريا، ولبنان، والأردن، حيث جمّد نحو 300 مليون دولار من أصل التزامات بلاده للوكالة الأمميّة والبالغة حوالي 365 مليون دولار.
وكان التمويل الأميركيّ للوكالة يمثّل سابقًا ثلث ميزانيتها السنوية والبالغة 1.24 مليار دولار؛ وهو ما يؤثّر جذريًّا في حياة ملايين اللاجئين الفلسطينيّين المعتمدين على خدمات الوكالة.
قرارت ترامب تجاه الأونروا تسببت في تفاقم الأزمة المالية التي كانت تعاني منها منذ زمن بعيد، فحين اُتّخذ القرار "الترامبي" بخفض التمويل إلى 60 مليون دولار كانت الوكالة تعاني عجزًا قيمته 446 مليون دولار، وهو ما أدى إلى أن تتّخذ إدارة الوكالة عدّة قرارات، كان نتيجتها تقليص خدماتها في قطاع غزّة المنكوب أصلًا، وفي باقي مخيّمات اللجوء في الدول المجاورة لفلسطين المحتلة.
ويعتبر الفلسطينيّون قرار قطع كافة الالتزامات المالية للأونروا تصعيدًا "ترامبيًا" خطيرًا ضدّهم، الهدف منه إنهاء قضية اللاجئين وبالتالي شطب حقّ العودة. وذلك بالعمل على حصر تعريف اللاجئ الفلسطينيّ بمن تشردوا خلال عام النكبة 1948 فقط (أي 40 ألف لاجئ)، وتحديد عددهم بنصف مليون شخص على الأكثر؛ أي عُشُر العدد المسجل لدى الوكالة الأمميّة، ما يعني استثناء نسلهم من الأجيال اللاحقة.
وتضغط حكومة رئيس وزراء حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ومسؤولون في إدارة ترامب لنقل مسؤولية هؤلاء النصف مليون فقط من وكالة الأونروا إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كغيرهم من لاجئي العالم ونازحيه، ليكون بذلك الخلاص من وضعية (لاجئ) لملايين الفلسطينيّين بهدف إزاحة قضية اللاجئين عن طاولة أيّ مفاوضات محتملة في المستقبل المنظور بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، كما فعلت في "إزالة عقبة القدس" من قبل من طاولة المفاوضات.
تناغم أمريكيّ - إسرائيليّ لشطب قضية اللاجئين
طارق حمود، المدير التنفيذي لـ(مركز العودة الفلسطينيّ)، الذي يتخذ من لندن مقرًا له، وهو (أي المركز) منظمة غير حكومية في الأمم المتحدة، رأى في حديث أجريته معه مطلع الشهر الفائت، أنّ "ما من أحد يشك اليوم أنّ مخاطر تصفية القضيّة الفلسطينيّة باتت تأخذ منحىً عمليًا من خلال إدارة أمريكيّة لا تعير اعتبارها للمواثيق الدوليّة وقواعد حقوق الإنسان الأساسيّة. أضف لذلك المحاولات الحثيثة الإسرائيليّة لشطب قضية اللاجئين من خلال إجراءات تستهدف الأونروا والهويّة القانونيّة للاجئين في مختلف وجودهم من خلال العمل على اختزال تعريف اللاجئ الفلسطينيّ في عدد قد لا يتجاوز عشرات الآلاف، وهي خطوة تعتمد منهجية تحليل المشكلة لعناصر أولية وتفكيكها وحلها من خلال التفتيت والاجتزاء. هذا النهج الإسرائيليّ تناغم مع إدارة ترمب التي تحاول تحقيق اختراقات في ملفات دولية ولو بشكل وهمي".
وبحسب تقارير إعلامية متقاطعة، فقد أبلغت إدارة ترامب دولًا إقليمية بقرارها وقف التمويل عن الأنروا قبل أسابيع من إعلانه، وضغطت على دول مضيفة للاجئين، مثل الأردن، لتوطين اللاجئين الفلسطينيّين على أراضيها، مقابل توجيه المساعدات المالية الأميركيّة إليها مباشرة، وهو الأمر الذي رفضه الأردن.
محللون سياسيون مختصون بشؤون الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ، رأوا أنّ قرار ترامب هذا يأتي في سياق تفاهم أميركيّ مع تل أبيب، وهو يهدف إلى حسم قضايا الحلّ النهائيّ من جانب واحد وتصفية القضيّة الفلسطينيّة كليًا، خاصّة بعد أن تبنى "الكنيست" في دولة الاحتلال قانون (الدولة القومية)، في تموز/ يوليو الماضي، وهو القانون الذي منح اليهود دون غيرهم من "مواطني" إسرائيل حقّ تقرير المصير.
وأكّد هؤلاء على أنّ إستراتيجيّة إدارة ترامب أصبحـت علنية في معاداة الفلسطينيّين، وهي تقوم على الابتزاز السياسيّ والضغط الاقتصاديّ على منظمة التحرير والسلطة الفلسطينيّة؛ للقبول بأفكار صهره ومستشاره المكلف بملف الشرق الأوسط، جاريد كوشنر، ومعاونيه المتوافقة مع اليمين الإسرائيليّ المتطرف.
وتزعم إدارة ترامب أنّ استمرار عمل الأونروا يسهم في استدامة الصراع بين الطرفين، ذلك أن إصرار الفلسطينيّين على حقّ العودة إلى بيوتهم وأراضيهم التي هُجّروا منها قسرًا منذ عام 1948 بحسب نصّ قرارات الشرعيّة الدوليّة، خاصّة القرار رقم 194، الصادر عن الأمم المتحدة في 11 كانون الأول/ ديسمبر 1948، والذي وافقت عليه الولايات المتحدة منذ سبعين عامًا، يتناقض كلّيًّا مع "يهودية إسرائيل"، ومن ثمّ يعطّل أيّ إمكانية لتحقق "السلام" بين الطرفين.
كما ترى إدارة ترامب أنّ بقاء الأونروا يذكي باستمرار جذوة حقّ العودة للفلسطينيّين.
في المقابل يرى الفلسطينيّون، أنّ الأونروا تقف في خط الدفاع الأوّل عن حقوق الفلسطينيّين، وتشكّل الغطاء الدوليّ والحقوقيّ لهم لكونها تأسّست بفعل القرار الأمميّ 194 القاضي بحقّ العودة. ما يعني أنّها بمثابة الشاهد على هذا الحقّ طالما أنّه لم ينفّذ.
ووفقًا لدراسة أنجزها (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)، فإنّ "مقاربة إدارة ترامب تقوم على إنهاء القضايا الجوهرية والمركزية التي تُعَرِّفُ الصراع، وتدخل ضمن ما يعرف بـ "قضايا الحلّ النهائيّ"... وأنّ "ترامب يؤكّد عمليًّا ما سبق أن أشار إليه من قبل، من أنّه لا يلتزم صيغة حلّ الدولتين على أساس حدود عام 1967، وهو يختزل "صفقة القرن" في مفاوضات على حدود وهمية تقع ضمن الضفّة الغربيّة ولا تحدّها، وعلى إدارة لشؤون سكانها، من دون سيادة. وواقع الأمر أنّ ترامب يسعى عمليًّا لمحاصرة الفلسطينيّين عبر قطع شريان الحياة الذي تمثّله الأونروا لملايين اللاجئين الفلسطينيّين؛ وذلك لإجبارهم على "قبول الصفقة الكبرى" التي يعتزم تقديمها لهم".
الدراسة التي نشرت في 9 أيلول/ سبتمبر المنصرم، على موقع المركز الإلكتروني، بيّنت أنّه "في كلّ الأحوال، فإنّ الولايات المتحدة وإسرائيل لن تنجحا في تحييد ملف اللجوء الفلسطينيّ، ولا في إجهاض تطلّعات الفلسطينيّين إلى حقّ العودة؛ فما دام هناك احتلال وتشريد، سيبقى هذا الحقّ قائمًا حتى يتحقق".
تواصل إدارة البيت الأبيض منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إليه في 20 كانون الثاني/ يناير 2017، إصدار قرارات تنتهك الحقوق الوطنيّة الفلسطينيّة المشروعة، وفي مقدّمها حقّ العودة الذي يشمل نحو ثمانية ملايين لاجئ فلسطيني موجودون في الجغرافيا الفلسطينيّة الممزقة، داخل الخط الأخضر، وفي القدس، والضفّة الغربيّة ، وقطاع غزّة المحاصر، وفي مخيّمات اللجوء في البلدان العربية والشتات. كما شكلت بعض هذه القرارات "الترامبية" (نسبة إلى ترامب)، خطرًا حقيقيًا على مدينة القدس المحتلة، عاصمة فلسطين، ومن بقي فيها من الفلسطينيّين أصحاب الأرض الأصليّين.
لم يبقَ لترامب الآن ما يقدّمه للفلسطينيّين سوى الفتات، بعد سلسلة قرارات مجحفة توجها في العاشر من الشهر الحالي تشرين الأول / أكتوبر، بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينيّة في واشنطن، ومن قبل شرعنة الإستيطان في الشطر الشرقيّ بالقدس المحتلة وضواحيها، وفي الأراضي الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة، والعمل على تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين في الشرق الأدنى (الأونروا)، وليس أخيرًا وقف المساعدات المالية للسلطة الفلسطينيّة.
إغلاق السفارة بواشنطن؛ ذروة الحقد "الترامبي"
مواقف ترامب العدائية تجاه الفلسطينيّين، وإبتزازهم لإخضاعهم للشروط والإملاءات الأميركيّة- الإسرائيليّة للتسوية، ومنها نقل سفارة بلاده إلى القدس، وقراره بتصفية وكالة الأونروا، وشطب حقّ العودة، ليست بالجديدة فالحديث عن ضرورة إعادة هيكلة وكالة الغوث، وإعادة تعريف اللاجئ الفلسطينيّ، وخفض عدد المسجلين لدى الأونروا من اللاجئين يعود إلى العام 2013، حين رفعت واشنطن توصية بهذا الشأن للأمم المتحدة. ولكن الجديد في ذلك اليوم هو أنّ ترامب أتى بجميع الملفات التي تخصّ الفلسطينيّين ووضعها دفعة واحدة على الطاولة.
ليس قرار الرئيس الأميركيّ، الجمهوريّ، الخامس والأربعون، دونالد ترامب، الذي أظهر منذ توليه الحكم أنّه لا يأبه للمؤسّسات الدوليّة، ولا يحترم التزامات بلاده القانونيّة وتعاقداتها، القاضي بدمج القنصليّة الأمريكيّة في القدس بالسفارة، ما يعني اعتبار شرقيّ مدينة القدس المحتلة جزء من دولة الاحتلال، والتي قيل سابقًا بأنها مطروحة للتفاوض، ليس الأخير في حربه الشعواء التي شنّها على الفلسطينيين بلا هوادة من أجل تجريدهم من كافة حقوقهم الوطنيّة المشروعة، والعمل على تغييبهم عن المحافل الدولية قصد حرمانهم من عرض قضيّتهم على الرأي العام العالميّ خاصّة في الأوساط الأمريكيّة، فعند الساعة الرابعة والنصف بتوقيت واشنطن يوم الأربعاء الموافق 10/10/2018، أُغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن بشكل نهائي، عُقب انتهاء المهلة التي منحتها إدارة ترامب لبعثة السفارة الفلسطينيّة، ليمثّل ذلك الإغلاق ذروة الحقد "الترامبي" تجاه الشعب الفلسطينيّ، في ضوء حربه الشاملة ضدّ الفلسطينيّين لرفضهم ما يسمى بـ"صفقة القرن".
تصف حنان عشراوي، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير هذا القرار، الذي سبقه قرارت مثل إلغاء إقامة السفير الفلسطينيّ حسام زملط وعائلته لدى الولايات المتحدة، ومطالبتهم بمغادرتها فورًا رغم أن التأشيرات سارية حتى عام 2020، وكذلك إغلاق الحسابات المصرفية للمنظمة في واشنطن، ووقف مساعدات إضافية للفلسطينيّين كانت مخصّصة لبرامج تدعم حلّ "الصراع الفلسطينيّ –الإسرائيليّ" تصل قيمتها نحو عشرة ملايين دولار، تصفه عشراوي بـ"السلوك الإنتقامي من قبل الإدارة الأميركيّة يدل على ما وصلت إليه من حقد على فلسطين قيادةً وشعبًا ليطال النساء والأطفال الأبرياء".
قرارات ترامب المتتالية ضدّ الشعب الفلسطينيّ بكلّ أطيافه وتوجّهاته السياسيّة والفكريّة الواسعة، والساعية بالدرجة الأولى إلى إنهاء القضيّة الفلسطينيّة سياسيًّا على الصعيد الدوليّ، تنقسم لنوعين، بحسب محللين وخبراء سياسيين، الأول يهدف إلى فرض وقائع على الأرض لصالح الكيان الإسرائيلي، كالاعتراف بمدينة القدس المحتلة عاصمة أبدية له، وفرض هيمنة أمنية من قبل سلطات الاحتلال على الفلسطينيّين أينما وجدوا في أجزاء الوطن المحتل المتقطعة.
أمّا الثاني، فالهدف منه هو الضغط على منظمة التحرير والسلطة الفلسطينيّة في رام الله للقبول بـ "صفقة القرن"، التي تؤكد التسريبات الإعلامية الواردة من واشنطن وتل أبيب ورام الله، أنّها تتضمن انتقاصًا خطيرًا للحقوق الفلسطينيّة، خاصّة فيما يتعلق بالقدس، وملف اللاجئين وحقّ العودة، وتصفية الأونروا، وشرعنة الاستيطان في القدس وضواحيها وفي أراضي السلطة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة.
وقف كلّ الدعم المالي الأمريكيّ للفلسطينيّين
في 6 كانون أول/ ديسمبر 2017، أعلن ترامب رسميًا اعتراف إدارته بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأمريكيّة لدى الاحتلال من تل أبيب إلى القدس في 14 أيار/ مايو الماضي، لتكون أول سفارة بالمدينة المحتلة. ذلك أنّه منذ إقرار "الكونغرس" الأمريكيّ عام 1995 قانونًا بنقل السفارة الأمريكيّة من تل أبيب إلى القدس، دأب الرؤساء الأمريكيّون على تأجيل المصادقة على هذه الخطوة لمدة ستة أشهر، وهو التقليد الذي أنهاه ترامب.
وفي 2 آب/ أغسطس الماضي، تغوّل ترامب في حربه ضد الفلسطينيّين بإصداره قرارًا يقضي بوقف كلّ المساعدات المالية المقدمة للسلطة الفلسطينيّة، بما في ذلك المساعدات المباشرة لخزينة الحكومة وغير المباشرة، التي تأتي لصالح مشاريع بنية تحتية ومشاريع تنموية في الأراضي الخاضعة لسيطرة للسلطة.
وأصدر البيت الأبيض، حينها، بيانًا، جاء فيه أنّ "واشنطن أعادت توجيه أكثر من 200 مليون دولار كانت مخصّصة لمساعدات اقتصادية للضفة الغربية وقطاع غزّة، إلى مشاريع في أماكن أخرى حول العالم".
وكان يبلغ متوسط الدعم السنوي الأمريكيّ للفلسطينيّين خلال السنوات العشر الماضية منذ 2008، وفق بيانات حكومة السلطة الفلسطينيّة، نحو 600 مليون دولار، ووصل في بعض الأعوام إلى 800 مليون دولار، موزعة على خزينة الحكومة ووكالة الأونروا وهيئات ومؤسّسات المجتمع الأهلي الفلسطينيّ.
كذلك أعلنت إدارة ترامب في 7 أيلول/ سبتمبر الفائت، عن حجبها 25 مليون دولار كانت مخصّصة للمستشفيات الفلسطينيّة العاملة في شرقيّ مدينة القدس، وعددها 6 مستشفيات تُقدم خدمات طبية للفلسطينيّين من سكان الضفّة الغربيّة (بما فيها شرقيّ القدس) وقطاع غزّة.
اغتيال الأونروا.. الشاهد على حقّ العودة
قبل ذلك، تحديدًا في 16 من كانون الثاني/ يناير 2018، قرر ترامب تقليص مساعدات الولايات المتحدة لوكالة الأونروا من 365 مليون دولار، إلى 125 مليون دولار سنويًا، لم تقدم منها لعام 2018 إلا 60 مليون دولار.
وبعد أشهر من قرار التقليص، أصدر قراره في 3 آب/ أغسطس الماضي، القاضي بقطع كافة الالتزامات المالية للأونروا، التي تقدم المساعدة والحماية لحوالي 5.9 مليون لاجئ فلسطيني مسجل لديها، ويوجدون في مناطق عملياتها الخمس في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة، وفي سوريا، ولبنان، والأردن، حيث جمّد نحو 300 مليون دولار من أصل التزامات بلاده للوكالة الأمميّة والبالغة حوالي 365 مليون دولار.
وكان التمويل الأميركيّ للوكالة يمثّل سابقًا ثلث ميزانيتها السنوية والبالغة 1.24 مليار دولار؛ وهو ما يؤثّر جذريًّا في حياة ملايين اللاجئين الفلسطينيّين المعتمدين على خدمات الوكالة.
قرارت ترامب تجاه الأونروا تسببت في تفاقم الأزمة المالية التي كانت تعاني منها منذ زمن بعيد، فحين اُتّخذ القرار "الترامبي" بخفض التمويل إلى 60 مليون دولار كانت الوكالة تعاني عجزًا قيمته 446 مليون دولار، وهو ما أدى إلى أن تتّخذ إدارة الوكالة عدّة قرارات، كان نتيجتها تقليص خدماتها في قطاع غزّة المنكوب أصلًا، وفي باقي مخيّمات اللجوء في الدول المجاورة لفلسطين المحتلة.
ويعتبر الفلسطينيّون قرار قطع كافة الالتزامات المالية للأونروا تصعيدًا "ترامبيًا" خطيرًا ضدّهم، الهدف منه إنهاء قضية اللاجئين وبالتالي شطب حقّ العودة. وذلك بالعمل على حصر تعريف اللاجئ الفلسطينيّ بمن تشردوا خلال عام النكبة 1948 فقط (أي 40 ألف لاجئ)، وتحديد عددهم بنصف مليون شخص على الأكثر؛ أي عُشُر العدد المسجل لدى الوكالة الأمميّة، ما يعني استثناء نسلهم من الأجيال اللاحقة.
وتضغط حكومة رئيس وزراء حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ومسؤولون في إدارة ترامب لنقل مسؤولية هؤلاء النصف مليون فقط من وكالة الأونروا إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كغيرهم من لاجئي العالم ونازحيه، ليكون بذلك الخلاص من وضعية (لاجئ) لملايين الفلسطينيّين بهدف إزاحة قضية اللاجئين عن طاولة أيّ مفاوضات محتملة في المستقبل المنظور بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، كما فعلت في "إزالة عقبة القدس" من قبل من طاولة المفاوضات.
تناغم أمريكيّ - إسرائيليّ لشطب قضية اللاجئين
طارق حمود، المدير التنفيذي لـ(مركز العودة الفلسطينيّ)، الذي يتخذ من لندن مقرًا له، وهو (أي المركز) منظمة غير حكومية في الأمم المتحدة، رأى في حديث أجريته معه مطلع الشهر الفائت، أنّ "ما من أحد يشك اليوم أنّ مخاطر تصفية القضيّة الفلسطينيّة باتت تأخذ منحىً عمليًا من خلال إدارة أمريكيّة لا تعير اعتبارها للمواثيق الدوليّة وقواعد حقوق الإنسان الأساسيّة. أضف لذلك المحاولات الحثيثة الإسرائيليّة لشطب قضية اللاجئين من خلال إجراءات تستهدف الأونروا والهويّة القانونيّة للاجئين في مختلف وجودهم من خلال العمل على اختزال تعريف اللاجئ الفلسطينيّ في عدد قد لا يتجاوز عشرات الآلاف، وهي خطوة تعتمد منهجية تحليل المشكلة لعناصر أولية وتفكيكها وحلها من خلال التفتيت والاجتزاء. هذا النهج الإسرائيليّ تناغم مع إدارة ترمب التي تحاول تحقيق اختراقات في ملفات دولية ولو بشكل وهمي".
وبحسب تقارير إعلامية متقاطعة، فقد أبلغت إدارة ترامب دولًا إقليمية بقرارها وقف التمويل عن الأنروا قبل أسابيع من إعلانه، وضغطت على دول مضيفة للاجئين، مثل الأردن، لتوطين اللاجئين الفلسطينيّين على أراضيها، مقابل توجيه المساعدات المالية الأميركيّة إليها مباشرة، وهو الأمر الذي رفضه الأردن.
محللون سياسيون مختصون بشؤون الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ، رأوا أنّ قرار ترامب هذا يأتي في سياق تفاهم أميركيّ مع تل أبيب، وهو يهدف إلى حسم قضايا الحلّ النهائيّ من جانب واحد وتصفية القضيّة الفلسطينيّة كليًا، خاصّة بعد أن تبنى "الكنيست" في دولة الاحتلال قانون (الدولة القومية)، في تموز/ يوليو الماضي، وهو القانون الذي منح اليهود دون غيرهم من "مواطني" إسرائيل حقّ تقرير المصير.
وأكّد هؤلاء على أنّ إستراتيجيّة إدارة ترامب أصبحـت علنية في معاداة الفلسطينيّين، وهي تقوم على الابتزاز السياسيّ والضغط الاقتصاديّ على منظمة التحرير والسلطة الفلسطينيّة؛ للقبول بأفكار صهره ومستشاره المكلف بملف الشرق الأوسط، جاريد كوشنر، ومعاونيه المتوافقة مع اليمين الإسرائيليّ المتطرف.
وتزعم إدارة ترامب أنّ استمرار عمل الأونروا يسهم في استدامة الصراع بين الطرفين، ذلك أن إصرار الفلسطينيّين على حقّ العودة إلى بيوتهم وأراضيهم التي هُجّروا منها قسرًا منذ عام 1948 بحسب نصّ قرارات الشرعيّة الدوليّة، خاصّة القرار رقم 194، الصادر عن الأمم المتحدة في 11 كانون الأول/ ديسمبر 1948، والذي وافقت عليه الولايات المتحدة منذ سبعين عامًا، يتناقض كلّيًّا مع "يهودية إسرائيل"، ومن ثمّ يعطّل أيّ إمكانية لتحقق "السلام" بين الطرفين.
كما ترى إدارة ترامب أنّ بقاء الأونروا يذكي باستمرار جذوة حقّ العودة للفلسطينيّين.
في المقابل يرى الفلسطينيّون، أنّ الأونروا تقف في خط الدفاع الأوّل عن حقوق الفلسطينيّين، وتشكّل الغطاء الدوليّ والحقوقيّ لهم لكونها تأسّست بفعل القرار الأمميّ 194 القاضي بحقّ العودة. ما يعني أنّها بمثابة الشاهد على هذا الحقّ طالما أنّه لم ينفّذ.
ووفقًا لدراسة أنجزها (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)، فإنّ "مقاربة إدارة ترامب تقوم على إنهاء القضايا الجوهرية والمركزية التي تُعَرِّفُ الصراع، وتدخل ضمن ما يعرف بـ "قضايا الحلّ النهائيّ"... وأنّ "ترامب يؤكّد عمليًّا ما سبق أن أشار إليه من قبل، من أنّه لا يلتزم صيغة حلّ الدولتين على أساس حدود عام 1967، وهو يختزل "صفقة القرن" في مفاوضات على حدود وهمية تقع ضمن الضفّة الغربيّة ولا تحدّها، وعلى إدارة لشؤون سكانها، من دون سيادة. وواقع الأمر أنّ ترامب يسعى عمليًّا لمحاصرة الفلسطينيّين عبر قطع شريان الحياة الذي تمثّله الأونروا لملايين اللاجئين الفلسطينيّين؛ وذلك لإجبارهم على "قبول الصفقة الكبرى" التي يعتزم تقديمها لهم".
الدراسة التي نشرت في 9 أيلول/ سبتمبر المنصرم، على موقع المركز الإلكتروني، بيّنت أنّه "في كلّ الأحوال، فإنّ الولايات المتحدة وإسرائيل لن تنجحا في تحييد ملف اللجوء الفلسطينيّ، ولا في إجهاض تطلّعات الفلسطينيّين إلى حقّ العودة؛ فما دام هناك احتلال وتشريد، سيبقى هذا الحقّ قائمًا حتى يتحقق".
خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين