تقرير: محمد حامد

تعرض اللاجئون الفلسطينيون في سوريا ومخيماتهم لنكبة ثانية منذ بداية الأحداث في سورية حالهم كحال السوريين أنفسهم من نزوح وتهجير نتيجة الصراع العسكري، وما ترافق من حصار لمخيماتهم واستهداف عسكري من قبل قوات النظام ، الأمر الذي اضطر بسببه عدد كبير منهم إلى طرق أبواب النزوح والهجرة، باحثين عن بر أمان جديد، بعد ما يقارب 70 سنة على نكبتهم الأولى.

الحصار والنزوح، والتجويع والقصف، والموت والاعتقال مفردات يومية باتت في حياتهم اجبرت الالاف منهم على الفرار خارج سورية. 

اللاجئون الفلسطينيون السوريون في تركيا   
بحسب مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا فإن عدد اللاجئين الفلسطينيين السوريين في تركيا وصل إلى ما يقارب 8 آلاف لاجئ فلسطيني، وهو رقم حسب معلومات الهيئة العامة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين في الحكومة السورية المؤقتة شبه دقيق جلّهم من المخيمات الفلسطينية في مدينة حلب ودرعا وعدد لا بأس به من المخيمات المتوزعة في العاصمة دمشق ومحطيها.

عبر الحدود الشمالية السورية التركية التي كانت مشرعة أمام دخول اللاجئين في ذاك الوقت وصل المئات، وتوزعوا على الخارطة الجغرافية التركية، وبشكل كبير في جنوب البلاد، فحسب إحصائيات مجموعة العمل يعيش ضمن مدن "كيليس" ما يقارب 150 عائلة فلسطينية، وفي "غازي عينتاب" حوالي (86) لاجئاً فلسطينياً من سوريا، وفي مخيم "ماردين" نحو (36) عائلة و(65) عائلة في ديار بكر و(20) عائلة في مدينة مرعش، بالإضافة الى (250 ) عائلة في مدينة مرسين، وعشرات العائلات في الريحانية وأنطاكية. 

ومعظم هذه المناطق تعتبر في غالبيتها حدودية مع سورية، وجزء منها حدودي مع حلب وإدلب، بالإضافة الى وجود عشرات العائلات اللاجئة في مدينة في "اسينيورت" و"بيليك دوزو" و"افجلار" و"اسنلر" في القسم الأوروبي من مدينة اسطنبول، ويرجّح أن هذه الأعداد ازدادت بعد عملية التهجير القسري التي تعرض لها اللاجئون الفلسطينيون منذ عام 2016 في مخيمي "خان الشيح" و"اليرموك" وبلدات جنوب سوريا، حيث دخل العديد منهم الى الأراضي التركية عبر طرق التهريب  والسماسرة .

 الوضع القانوني والأمني لفلسطينيي سوريا في تركيا 
يعيش اللاجئون الفلسطينيون السوريون في تركيا وضعًا قانونياً مضطربًا نظرًا لصعوبة تسوية أوضاعهم القانونية بشكل طبيعي حال أخوتهم السوريين، حيث تتعامل السلطات التركية مع " وثيقة السفر للفلسطينيين " كوثيقة سوريّة، لا تنظر لخصوصية وضعهم كلاجئين فلسطينيين في سوريا، وسببّ هذا الأمر حالة ضبابية في التعامل مع ملف نزوحهم حتى عام 2015 فموضوع الإقامات واللجوء السوري والفلسطيني حتى بداية آب/ أغسطس من عام 2014 كان عن طريق فروع "الأمنيات" وهي جهة أمنية تتبع لوزارة الداخلية، وذلك قبل ان تصدر حزمة قوانين جديدة، منها ما نص على نقل ملف اللاجئين بالكامل إلى إدارة جديدة استحدثتها لهذا الغرض هي الادارة العامة للهجرة، والتي استحدثت مباشرة نتيجة التقدم الحاصل في المفاوضات بين تركيا والاتحاد الأوروبي لحسم ملف اللاجئين مقابل منح المواطنين الأتراك حق الدخول إلى أوروبا دون تأشيرة.

وفي الوقت الراهن، تتعامل السلطات التركية مع اللاجئين الفلسطينيين كمعاملة السوري من حيث منحه بطاقة الحماية المؤقتة " الكمليك " بعد صدور قرار في عام 2015، عن دائرة حماية اللاجئين التابعة لإدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية ينص على مساواة اللاجئ الفلسطيني السوري باللاجئ السوري من حيث الحصول على بطاقات لجوء ضمن قانون الأجانب والحماية المؤقتة، مما يتيح للاجئين الفلسطينيين السوريين المتواجدين في تركيا الاستفادة من كافة الخدمات التي تقدمها الحكومة التركية للاجئين السوريين في تركيا من طبابة وتعليم ومساعدات إغاثيه وقانونية كاستخراج اوراق ثبوتية وغيرها .
أغلبية اللاجئين الفلسطينيين السوريين الذين حصلوا على هذه البطاقة بعد دخولهم الى تركيا يستفيدون من الخدمات التي تقدمها الحكومة التركية بشكل كامل، ويسعون لممارسة حياتهم بحثاً عن الاستقرار إبان النكبة الثانية التي تعرضوا لها. 

فيما مئات من اللاجئين الفلسطينيين وعائلاتهم لا يحملون بطاقة الحماية المؤقتة، ويعود ذلك الى إغلاق السلطات التركية نظام التقديم لها في المراكز الرئيسية الأمنية في عدة مدن، مثل اسطنبول وأنقرة وغيرها من المدن التركية، لأسباب غير معروفة حتى اللحظة ولأوقات متعددة، مما يضطر اللاجئين الفلسطنييين للّجوء إلى سماسرة  لديهم علاقات مع الموظفين في بعض المراكز الأمنية القريبة من المدن الرئيسية لإصدار تلك الوثائق بمبالغ عالية جداً قد تصل في بعض الأحيان الى 300 دولار أمريكي على الشخص الواحد إن حصل عليها - مع العلم أن إصدار الوثيقة من قبل السلطات التركية لا تقابله أي تكلفة مادية في الحالة الطبيعية -  وتكون هذه الفئة من اللاجئين هي الفئة الأكبر المُعرضة لخطر الترحيل في حال تم توقيفهم في أي مكان وقد يمتد توقيفهم على الحواجز أو الدوائر الحكومية من قبل السلطات التركية  لعدة أيام بل قد تمتد لعدة أشهر قبل أن يتم ترحيلهم الى مناطق الشمال السوري حيث تسيطر هناك المعارضة السورية المسلحة، في حال عدم تدخل أي جهة فلسطينية لإطلاق سراحهم وتسوية أوضاعهم .

 مثال على ذلك، اللاجئ الفلسطيني عمار العبود الذي تم احتجازه من قبل السلطات التركية بعد توقيفه في منطقة ميدان اسينيورت في اسطنبول بسبب انتهاء صلاحية إذن السفر الممنوح له، إذ لم تعترف الشرطة ببطاقة الحماية المؤقتة " الكمليك" التي يحملها، واقتادته إلى سجن في منطقة "بانتيك بكركوي يا بهدي شابه"  في الجانب الأسيوي بحجة أن بطاقة الحماية المؤقتة" الكمليك " صادرة عن ولاية أخرى غير اسطنبول بالرغم من حصوله على إذن سفر إلى اسطنبول، ليتم الإفراج عنه بعد أسبوعين  بدون تعريضه لأي تحقيق طيلة فترة اعتقاله.

 إذاً، يعاني اللاجئون الفلسطينيون الذين يحملون بطاقة الحماية من عدم سهولة التنقل بين المحافظات التركية دون استخراج إذن سفر من المراكز الأمنية التي تعرف بالأمنيات، وقد يستغرق صدور هذا الإذن عدة أسابيع، ما يعرضهم في معظم الأحيان الى التوقيف والسجن .

مناشدات 
منذ عام 2014 والمناشدات لا تتوقف،حيث أصدر فريق توثيق الانتهاكات بحق اللاجئين الفلسطينيين حول العالم في نفس العام، بياناً صحفياً طالب فيه العديد من الجهات الرسمية والحقوقية التركية والفلسطينية بالعمل على إنهاء معاناة فلسطينيي سورية المهجرين إلى تركيا.

 وتلى هذا البيان عدة مناشدات وبيانات في بداية 2016 الأمر الذي دفع مؤسسات فلسطينية مدنية أبرزها هيئة علماء فلسطين في الخارج والجمعية التركية للتضامن مع فلسطين –  فيدار وهيئة فلسطين الخيرية إلى التواصل مع الجهات الرسمية التركية وتقديم شروحات تفصيلية وإحصائيات موثقة عن أوضاع فلسطينيي سورية في تركيا، وتجاوبت الحكومة التركية مع مضامين الرسالة التي أبرقت بها هذه المؤسسات وتم عقد لقاء مع مستشار رئيس الوزراء التركي لشؤون اللاجئين ونتج عنه توافق على تعميم صيغة من البيانات تخص فلسطينيي سورية في تركيا تقوم هذه المؤسسات بجمعها ليصار إلى التعامل معها من أجل إتمام إجراءات منح الإقامة لهم على أن يتم ذلك عبر السفارة الفلسطينية في تركيا وبرعايتها وهو ما تم التفاهم على آلياته وطرقه دون تنفيذه حتى اللحظة .

 أوضاع اقتصادية صعبة 
 وفي ظل هذه الظروف الأمنية والقانونية المعقدة، تتعدد أشكال الصعوبات المعيشية التي يواجهها اللاجئون الفلسطينيون القادمون من سوريا إلى تركيا، كانتشار البطالة في صفوفهم،  وعدم وجود فرص العمل، ويساهم في ذلك صعوبة تعلم اللغة التركية، بحسب ما يقول أغلبهم، وقلة فرص العمل أساساً واستغلال بعض أرباب العمل للعمال النازحين بساعات عمل طويلة وأجور منخفضة جداً لا تتناسب مع ارتفاع الأسعار، وارتفاع آجار المنازل نتيجة الأوضاع التي تمر بها تركيا في الآونة الأخيرة، إضافةً الى اشتراط سوق العمل على الحصول على إذن عمل أو إقامة في بعض الأحيان.

ويقدر متوسط أجرة العامل الشهرية 1200 ليرة تركية في الشهر، أي في  اليوم الواحد ما يقارب 45 ليرة ما يعادل قرابة 8.5 دولار -  بعد ارتفاعه في الاشهر الماضية - بدوام عمل يتجاوز 10 ساعات في أغلب الاحيان، فيما ارتفع متوسط أجار المنازل تقريباً إلى 17% منذ بداية 2018، عدا عن أجرة فواتير الماء والكهرباء والغاز والانترنت والخدمات والتي تتفاوت أسعارها حسب الصرف وقد تتجاوز أحياناً 400 ليرة تركية شهرياً كحد أدنى، ما دفع عدداً من العائلات الفلسطينية إلى السكن في مستودعات وفي تجمعات سكنية مشتركة لتخفيف هذه الأعباء .

أما بالنسبة للمساعدات المقدمة لهم فإنهم يشتكون من غياب كامل للمساعدات من قبل الجهات المعنية بهم  كالأونروا والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

والمساعدات المقدمة لهم -رغم شحها -  تكون عبر التواصل الشخصي مع الجمعيات الخيرية التركية أو بعض الجمعيات السورية، وهناك أيضاً جمعيات محدودة جداً تساعد الفلسطينيين مثل جمعية خير أمة وهي جمعية فلسطينية منتشرة عبر مراكز لها في معظم المحافظات الرئيسة في الجنوب والوسط والشمال التركي، وتوزع المساعدات كل عدة اشهر وبشكل غير منتظم وبعض البلديات التركية تساعد إغاثياً في بعض الأحيان.

 
من توزيع مساعدات بعض الجمعيات الإغاثية الفلسطينية
 

من يمثل اللاجئين الفلسطينيين المهجرين من سوريا؟ 
في حين يتنامى الوجود الفلسطيني نتيجة مأساة اللجوء والنزوح ، بقي التمثيل الرسمي لفلسطيني سورية في تركيا غائباً، رغم وجود سفارة للسلطة الفلسطينية والعديد من المؤسسات الفلسطينية العاملة في تركيا، وبعضها يتبع لفصائل فلسطينية،  إلا أن اللاجئ الفلسطيني السوري لا صوت ولا تمثيل رسمي يرفع عنه معاناته ويوصل صوته...

السفارة الفلسطينية والفصائل 
على الرغم من وجود سفارة وقنصلية للسلطة الفلسطينية غير أنها لا تُعنى باللاجئين الفلسطينيين اذ لا تعترف بمواطنتهم ولا تعدهم مواطنين فلسطينيين، وتكتفي بتقدي حصص غذائية لهم لا تسمن ولا تغني عن جوع، وبعض المساعدات المالية التي لا تتجاوز 100 ليرة تركية للشخص أي أقل من 20 دولار أمريكي كل عام.

 

مبنى قنصلية السلطة الفلسطينية في اسطنبول


إضافة الى ذلك، منحت السفارة الجواز الفلسطيني للاجئين المهجرين من سوريا دون الرقم الوطني، لتحسين وضعهم القانوني غير أن حصولهم على هذا الجواز لم ينظم وجودهم القانوني ولم يسمح لهم بتسوية أوضاعهم أو اتاحة فرص الحصول على إقامة .

بينما يقتصر دور حركة حماس رغم علاقتها الوطيدة بالحكومة التركية على حل بعض المشكلات لأفراد دون تقديم حلول عامة وجمعية لمشكلات اللاجئين الفلسطينيين في تركيا، وبحسب ناشطين في الحركة، فإن الحكومة التركية تتعامل مع الجهات الفلسطينية الرسمية كالسلطة الفلسطينية وسفارتها، وليس مع الفصائل في هذا الخصوص، ليقتصر دور حماس على تقديم المساعدات ضمن بعض مؤسساتها، و حل المشكلات الرئيسية لكوادرها والعاملين ضمن مؤسساتها بشكل شخصي.

وبسبب غياب دور وكالة الأونروا في تركيا التي تعد خارج نطاق عملياتها وعدم قيام مفوضية اللاجئين بتقديم أي خدمات لهم وبسبب غياب التمثيل الفلسطيني لهم، تُرك اللاجئون الفلسطينيون في تركيا لمواجهة مصيرهم وحدهم، مما دفع المئات منهم للهجرة عبر البحار واجتياز الحدود البرية، حيث مات العشرات منهم غرقاً واحتجز العديد منهم ضمن مخيمات في عدد من البلدان الحدودية مع تركيا. 
خاص - بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد