في مثل هذه الأيام والأوقات الكريمه أتذكر بينما أجلس أمام مائدة الإفطار عمي مروان جردلي، حين كنت أجلس جواره.
بقلمي ووفاءً مني لهذا الرجل العظيم أقدم هذه اللمحه عن حياته.
عمي مروان من مواليد عكا سنة 1940، لجأ إلى لبنان عام النكبة 1948، بعد إذاعة بيان جيش الإنقاذ العربي، تبين كذبه لاحقا، وجاء في البيان "أيها الفلسطينيون اذهبوا إلى لبنان فامكثوا به مؤقتا بينما تُسوَّى الأوضاع من خلال جيش الإنقاذ وتعودوا بعد ذالك إلى بيوتكم آمنين خلال إثنى عشر يوما" وها قد مضى إثنا عشرة يوما وإثنا عشر سنة و لم يأتِ اليوم المرجو، فهل هو جيش إنقاذ الشعب الفلسطيني من محنته أم إنفاذ المخطط الصهيوني. وها هو الشعب الفلسطيني تحول إلى "شعوب" مكافحة لم تألف الضيم ملأت الأرض بعلمها وعدل قضيتها. فانتشر الفلسطينيون في بقاع الأرض يمضون السنوات العجاف أملا بحق العوده الذي أصبح سراباً.
بعد النكبة وعدم تنفيذ أي شيء مما جاء في بيان "جيش الإنقاذ"
استقرَّ عمي في بيروت، وعمل في مجالات شتى، وبدأ ينتقل من إنجاز إلى إنجاز. درس أُصول اللغةَ الفرنسيةَ في أكاديميةٍ خلف المحكمة العسكرية، برع بها ونال إجازةً في التعليم، انتقل إلى سوريا ليبدأ مِشوارهُ التعليميِّ من هناك، فعمل مدرساً في منطقةِ الرستن ومنطقة الزبداني ما يقارب سبع سنين، وفي سنة 1975، عاد إلى بيروت، وانخرط في صفوف الثورة وعمل مترجما للوفود والشخصيات البارزة.
لا بد لي أن أذكر بعض مواقفه الوطنية وأن أعرج على مسيرته الوطنية وثوابته الفلسطينية. عمل مترجما للرئيس الراحل ياسر عرفات. كتب مقالاً في مجلة السفير بتاريخ 5/1/1982 "هل في إمكان إسرائيل أن تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية؟"
وقد ترجم نصوصاً من كتاب "يا للقدس" بقلم دومينيك لا بيار ولاري كولنز بلغوا 56 صفحة بخصوص فلسطين وإسرائيل:
شهدت له ثلةٌ من المشايخ الكرام الذين تتلمذوا على يديه ومن بينهم الشيخ أمين شحرور، الشيخ محمد الحصري، الشيخ محمد العجوز، الشيخ علي البقاعي، والشيخ علي الطويل حيث عمل معه في مجال التصحيح فيما بعد حفظهم الله. في أواخر التسعينات عمل مدرساً في كلية الشريعة التابعة لدار الفتوى وكان مديرها آنذاك الشيخ عبد الرحمن الحلو، حيث أعطى موادا في اللغة الفرنسية. ترجم كلمات القرآن الكريم إلى الفرنسية مع التصحيح والتدقيق اللغوي؛ في بادئ الأمر عرض عليه نسخة مصححة من مصحف المدينة المنورة لمراجعة التصحيح فدأب على تدقيق المعاني ومراجعة الكلمات فيه. عند الإنتهاء من تصحيحه عرضه على اللجنه فكانت المفاجأة، اتضح أن هذه النسخة لم تكن مصححه كما يجب على الوجه المطلوب حيث وجدت أخطاء إملائيه تغير بالمعنى والمدلول فطبع المصحف مترجماً ومصححاً بإسمه.
له أعمال كثيرة أيضا، صدرت خلال فترة محددة عن دار "ابن حزم" فقام بترجمة العديد من الكتب، منها "جهنم أهوالها وأهلها" 2004، "شرح الأربعين النووية" 2004، "الحلال والحرام في الإسلام" 1997، "قوانين البيت المسلم" "الشمائل المحمديه 2004، "الإسلام ميسرا"2004 " وغيرهم العديد من الكتب والترجمات التي نشرت في بلاد شتى. كل هذا الجهد كان بالتوازي مع استمراره في العمل مدرسا ومترجما.
عمل أيضاً في مجال المراجعات و التصحيح في أزهر البقاع بدعوى من سماحة الشيخ خليل الميس مفتي زحله والبقاع، وكانت له حلقات على أثير إذاعة
"أزهر البقاع"، أيضا عمل في الترجمة الإذاعية مع المفتي الشيخ خليل الميس، فقدم 30 حلقة إذاعية مترجمة. وكان قد سبق وعمل في إذاعة "صوت الوطن" التابعة لجمعية المقاصد.
وضمن مسيرة الرجل الحافلة، تعليمه في كليه الدعوة الإسلامية في عهد مديرها الشيخ عبد الناصر جبري رحمه الله. واستمر مترجما في مرحلة لاحقا لصالح "دار البشائر الإسلامية" لصاحبها الشيخ رمزي دمشقية رحمه الله.
كان معروفا عنه نصحه الدائم لطلبته بالمطالعة اليومية، وشحذ خبرتهم عن طريق قراءة الكتب التي تم تعيينها في الفصل وهو يردد على مسامعهم نحن شعب نفتقر إلى القراءة المتأنيه وكيف لنا أن نسموا بالعلم والثقافه ونحن لا نقرأ. كان مرجعا بالأدب الفرنسي.
ذاكرتي عنه مرتبطة بالكتب والمكتبا التي كان يرتادها كمكتبة "الإمام الأوزاعي" و"عباد الرحمن" و"دار إقرأ" و"مركز التعريف بالإسلام لغير المسلمين".
هذه المكتبات أتاحت لعمي مروان الفرص العمل على إنجاز مشاريعه، مثل إنجاز بعض الدراسات والأبحاث عن مواضيع شتى منها "الإسلام في بلاد الغرب" و"تربية الأطفال" و"خطب يوم الجمعة".
له مقالات في صحيفه اللواء بعنوان" عالم اليوم " نشر بتاريخ 2007-2-8 ومقال في اللواء الإسلامي بعنوان الإستكتاب مقابل الأجر نشر بتاريخ 5 آذار 2007 - نشر مقال في صحيفه اللواء وعنوانه وقائع المجتمع العربي والديني من 52 صفحه، وله أعمال عربيه مترجمه ومنشوره في الصحف والمجلات ما يقارب 53 مقالاً أذكر منها : تعريب وتلخيص قصة جيراير صحيقة الشعب تاريخ 21/3/1964– الحائط الغربي للحرم المقدسي الشريف مجله تاريخ العرب نشر بتاريخ حزيران 1981 – أبناء يعقوب في مصر السفير نشر بتاريخ 7/2/1982- هل في إمكان إسرائيل أن تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينيه السفير بتاريخ 5-1 -1982 – دراسه في الإسلاميات منشورة في مجلة الفكر الإسلامي بتاريخ 1983/1984 وعدد صفحاتها 92 صفحه – لبنان غداة الاستقلال في النهار العربي والدولي بتاريخ أيار 1984 – الإسلام ومناهضة الإنسانيه مجلة العرفان بتاريخ كانون الأول 1984 – رب العزة في اللواء بتاريخ 19 / آذار / 1990 – الإسلام و علم الإجتماع المعاصر 3حلقات بتاريخ 11أيار /1حزيران / 15 حزيران – أعمال كلف بترجمتها أذكر منها - مواد كثيرة عن القدس و آثارها للدكتور صبحي الصالح رحمه الله – في الهوية اللبنانيه الدكتور محمد علاء الدين – كتب ترجمها إلى الفرنسيه أذكر منها قواعد البيت المسلم ومنها ما قد ذكرته آنفاً .
لم يكن خلال كل حياته، يطمح إلى المناصب. كان يقابل الناس بوجه واحد يدلل عليه، لم يتزلف لأحد ولم يتمسح بأحد، ولم يكن ينتظر الإطراء من أحد. لم يعرف عنه إلا الاستقامة في حديثه مع الناس، فكان قول كلمة الحق فوق كل اعتبار. انتقد خطباء الجمعة في المساجد، وفي بعض المواضيع الشائكة ومنها الأشياء التي تكررت على المنابر، تحديدا تلك التي لا تتطرق إلى هموم الناس. ولا تمت بأي صلة إلى الواقع الذي نعيشُه، كان يتكلم من منطلق علمي وفكري ويقف في وجه الأفكار المسمومة المستجلبة أو التي استجلبت من الخارج والخرافات التي لوثت الدين تلك التي كانت تلقى في دروس الدين والخطب الرنانة التي كانت تصدح بها الجمعيات تحت مسميات دينية، وقد استخدمت الدين من مصالحها الخاصة.
كان يقضي وقتا طويلا في مكتبه، وأمامه عدد لا يستهان به من المراجع والقواميس فكان يصل الليل بالنهار، وجد في هذا العمل حياته، فلم يكن يضيع لحظة واحدة إلا واستفاد منها. قدم كل ما عنده من وقت وجهد وتفكير كان مثابراً على العمل بعزيمة لا تمل ولا تعرف التعب ولا الخوف.
لم يستسلم أبدا للأعاصير التي عصفت ببيروت فكان إجتياح إسرائيل وقبله وخلاله الحرب الأهلية اللبنانية، فبرغم كل تلك الأحداث لم يترك موقعه ولم يترك رسالته، بقي ثابتاً على مبادئه وأفكاره، لم يهاجر بل أكمل مشواره المهني بإحترافٍ وتفانٍ، وكما قال الشاعر محمود درويش: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".
هو عمي الأستاذ مروان جردلي المترجم الإسلامي ومدرس الفرنسيه في أزهر لبنان. وحين أكتب عنه، أكتب عن فلسطيني قدم ما قدم في لبنان، ولقضيته..
بعد عمر قضاه في حواضر العلم والتعليم، كانت النهاية، بتعرضه لحادث سير مؤلم نُقل على إثره إلى مستشفى المقاصد في بيروت، حيث مكث نحو سبعين يوماً طريح الفراش، أذكر حينما كنت واقفاً أمام سريره أثناء صراعه مع آثار الحادث، أشار إلي بيده وهزها فعرفت أنه يريد ورقة وقلم كتب جملتين بالفرنسية والعربية ففهمت أنه يشكرني لوقوفي معه. أخذت حالته الصحيه تتدهور شيئاً فشيئاً. شاء الله أن تنتقل هذه الروح الطاهرة إلى جوار ربها رحمه الله رحمةً واسعةً.
ترك لنا أثراً جميلاً ومثمراً، شهد له جميع من تتلمذوا على يديه من طلبة مدارس وكليات، ألِفهُ كل من عرفه فكانت له أيادٍ بيضاء أثناء محطات حياته ويكفيه فخراً أن قام بترجمة كلمات القرآن الكريم لعله يكون له شفيعاً يوم القيامة .
رحل عن عالمنا يوم 14-5-2015 ودفن في مقبرة الشهداء في بيروت