-2-
أجمل ما حدث معنا في القافلة هو ما لم يحدث، إذ لم يصعد نيافة الشيخ محمد
العمري - طالت لحيته الشريفة- إلى باصاتنا كما فعل مثلا مع مهجري الدفعة
الأولى من الجنوب الدمشقي ليقنع أبناء شعبه الفلسطيني، ممن لم يتورطوا في
الدماء بالأمان والأمن، والسلوى والمن، وأنهار العسل واللبن.
- نعيما شيخ! يطعمك الحج والناس راجعة.
لا! ليس نعيما، بل جحيما، وعذابا أليما، وريحا عقيما.
كم مرة طالبنا منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل العمل الوطني - يالها من تسمية
مغيظة!- بإعطاء تطمينات حقيقية وضمانات لمن تدعي تمثيلهم، بأن توفد إلى
البلدات الثلاث من يخاطب الناس وجها لوجه، من يلمس معاناتهم من قرب، من ينظر
في همومهم، من ينصت إلى هواجسهم..؟ لكن عبثا! ثم متى؟ بعد أن أزيل اليرموك
وصعدنا في الباصات. ومن؟ نيافة الشيخ محمد العمري الذي لم يتورع عن وصف أحمد جبريل بالمجاهد الكبير. ومن محمد العمري هذا؟ تسألني إحداهن. صدقيني لا أعرف!
أجيبها.
ولأن الحديث السابق مما يسبب قرحة معدية في أهون تقدير، اقترحنا على مجد تبديل
اسم ابنته من شام إلى إسطنبول. لم نضحك كثيرا، لكن بما يكفي كي نتذكر أن لدينا
مثانات علينا مراعاتها.
ما أجمل الشطرنج! لا أستطيع صرف هذه الفكرة عن رأسي طيلة الطريق. إدجار كوله
مات إثر عملية جراحية لقرحة في المعدة، شتاينتس مات مجنونا، جورج ماكنزي من
جرعة مورفين زائدة، هاري بيلسبري من السفلس، كارل شلشتر من المخمصة وذات
الرئة، يوهان مينكفتس انتحر بأن رمى نفسه أمام قطار، إيجور زايتسف - أخيرا لاعب
روسي!- من خثار تلا عملية لتطويل رجله القصيرة.. وأنت، أي الميتات أحب إليك؟
أي شيء عدا الأسر البولي، يا لسخرية القدر! لذا أحضر مأمون معه عددا من أكياس
النايلون.