تقرير آلاء السهلي
لا توجد إحصائية دقيقة لأعداد الفلسطينيين في هولندا كونهم يسجلون دائماً تحت بند جنسيات أخرى، إلا أنهم ينتشرون في مختلف المدن الهولندية وتتصدر بلدة فلاردنجن الساحلية وجود أكبر عدد من الفلسطينيين فيها.
يعود تاريخ وجود الجالية الفلسطينية في هذا البلد الأوروبي الصغير إلى خمسينيات القرن الماضي, حين قدم عدد قليل من الطلاب الفلسطينيين للدراسة بعد سنين قليلة على النكبة الفلسطينية عام 1948، وحينها اصطدموا بمجتمع منحاز بالمجمل للكيان الإسرائيلي إضافة إلى تأييد السلطات والاحزاب الهولندية بشكل قاطع لإقامة الكيان الإسرائيلي, وهذا الموقف الهولندي جاء بهدف إظهار تعاطف ودعم لليهود بعيد "محرقة الهولوكوست" التي ارتكبت بحق الأقليات العرقية والدينية في ألمانيا النازية والدول التي تحتلها خلال الحرب العالمية الثانية، لكنه لم يكن منصفاً أبداً للشعب الفلسطيني الذي سُلبت أراضيه وحقوقه على حساب إرضاء الحركة الصهيونية العالمية.
في ذلك الوقت، لم يتعد الوجود الفلسطيني في هولندا أعداداً قليلة ليشهد مطلع الستينيات وتحديداً بين عامي 1961 -1963 تغيراً ملحوظاً مع قدوم مجموعة من العمال الفلسطينيين من مدينة نابلس للعمل في الشركات الهولندية التي فرضت عليهم قيوداً حدت من حرية حركتهم وسرعة اندماجهم في المجتمع الجديد.
وفي عام 1982 مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان هاجرت أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين من المخيمات الفلسطينية في لبنان نحو أوروبا بما فيها هولندا، ليرتفع عدد الفلسطينيين الذين ظلَّ وجودهم مشتتاً وغير منظم على الرغم من افتتاح منظمة التحرير الفلسطينية مكتبا لها في البلاد
وفي نهاية التسعينيات أُنشئت عدد من المؤسسات الفلسطينية في هولندا منها:
- رابطة الجالية الفلسطينية والتي نشطت في مجال توثيق العلاقات بين الفلسطينيين والهولنديين
-المجلس الفلسطيني الذي عمل على تنظيم فعاليات داعمة للقضية الفلسطينية
- البيت الفلسطيني وقد برز في تنظيم المحاضرات الثقافية
- لجنة فلسطين الهولندية أسسها هولندييون داعمون للقضية الفلسطينية وتصدر مجلة دورية كل ثلاثة أشهر بين هولندا وبلجيكا.
سعت هذه المؤسسات إلى استمالة الموقف الهولندي الشعبي والرسمي نحو دعم القضية الفلسطينية، ولكن تأثيرها بقي محدوداً جداً على خلاف حملة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية بي دي اس والتي حققت انجازات عملية تحسب لها على الأرض, فبفضل الحملة خسرت شركة باصات "ايجد" الإسرائيلية عقداً مدته عشر سنوات في مقاطعة هارلم الهولندية إضافة إلى عقد شبيه في إقليم فريسلاند, كما قاطعت سلسلة صيدليات كبرى في هولندا شركة "اهافا" الإسرائيلية لمواد التجميل والتي تعمل في مستوطنات الضفة الغربية.
ومع اشتعال الثورة في سوريا مطلع 2011، وإقحام المخيمات الفلسطينية في الصراع الدائر ازدادت أعداد اللاجئين الفلسطينيين الهاربين من سوريا إلى أوروبا عن طريق ما عرف بالهجرة غير الشرعية عبر البحر بحثاً عن ملاذ آمن, وصنفت السلطات الهولندية هؤلاء اللاجئين في سجلاتها الرسمية تحت بند بلا وطن (staatloos )، لتسهل من إجراءات حصولهم على الإقامة ومن ثم التجنيس.
ووقفاً لمكتب الإحصاء الهولندي فإن زيادة كبيرة في أعداد المصنفين بلا وطن تعود بشكل رئيسي إلى وصول الفلسطينيين من سوريا.
هذه الصيغة في التصنيف، لم يرض بها الكثير من اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا، إذ إنها تلغي وجود وطن لهم هو "فلسطين"، لكن معظمهم وافق عليها على أمل أن يكون الحصول على الجنسية الهولندية خطوة أولى في طريق النضال من أجل استمالة الموقف الهولندي الرسمي تجاه القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين، وخطوة أولى نحو زيارة فلسطين.
ويستمر الإقبال على اللجوء في هولندا بالرغم من صعوبات الاندماج التي تواجه كافة الفئات العمرية ويعود ذلك بشكل رئيس إلى سوء معاملة دول الجوار الفلسطيني للاجئ الفلسطيني وصعوبة حصوله فيها على الإقامة والعمل والتنقل والسفر، فتشكل أوروبا ملاذاً أخيراً.