مخيّم نهر البارد_ شمال لبنان
تصادف اليوم الذكرى الثانية عشرة لبدء الأحداث الأليمة التي شهدها مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين بطرابلس شمالي لبنان، ما أسفر عن تدميره كاملاً عن بكرة أبيه، وتهجير اللاجئين الفلسطينيين فيه و سقوط أكثر من عشرين مدنياً من أبنائه المدنيين.
ففي العشرين من أيار / مايو 2007 أعلن الجيش اللبناني استهداف مسلحي ما يدعى بتنظيم "فتح الإسلام" الذين اتخذوا من المخيم مكاناً لهم، وفرض الجيش اللبناني حصاراً على المخيم منذ بداية الاشتباكات التي أسفرت عن خسائر بشرية بين الطرفين، واستمرت حتى الثاني من أيلول / سبتمبر من نفس العام تخللها في اليوم الثاني من الاشتباكات هدنة إنسانية لإجلاء سكان المخيم.
الأونروا تتكفل بإعادة الإعمار وفق منح دولية مخصصة
وبحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" فإن فقط 27 ألف لاجئ فلسطيني نزحوا عن المخيم جراء قصفه بالمدفعية الثقيلة والقنابل الجوية خلال حصار امتد ثلاثة أشهر.
وقدّرت الوكالة أنّ ما يقارب 95% من كافة المباني والبنية التحتية قد دمّرت تماماً أو تضررت بشكل يتعذر إصلاحه.
وهكذا بات المخيم بعد سيطرة الجيش اللبناني عليه وانسحاب مسلحي فتح الإسلام غير صالح للإقامة، ما يحتم إعادة إعماره بشكل عاجل لإنهاء معاناة اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا منه إلى مناطق مختلفة أبرزها مخيم البداوي بطرابلس.
أخذت الأونروا على عاتقها عملية إعادة إعمار المخيم التي وصفتها لاحقاً بـ "المعقدة" بالتعاون مع المجتمع الدولي والحكومة اللبنانية التي بدورها تعهدت بتسهيل إعاد الإعمار في اليوم التالي لانتهاء المعركة على لسان رئيس حكومتها حينها فؤاد السنيورة.
وفعلاً، بادرت العديد من الدول إلى تقديم المساعدات المالية والعينية الطارئة للأونروا كي تمكنها من احتواء الازمة.، وقد عقدت مؤتمرات دولية بهدف توفير التمويل اللازم لإعادة إعمار مخيم نهر البارد، كان أبرزها مؤتمر فيينا عام 2008، وتعهدت الدول المانحة خلاله بتقديم 122 مليون دولار من أصل 450 مليوناً طالبت بها الأونروا على أن ينتهي العمل به خلال ثلاث سنوات. وبسبب عدم إيفاء الدول المانحة بالالتزامات التي قطعتها على نفسها تبعه مؤتمر آخر في بيروت 06/10/2016، تعهدت فيه الدول المانحة مجدداً بدفع مبلغ 36 مليون دولار تكفي لإعادة إعمار حوالي 70% من المخيم.
حوالي 40 % من المخيم ما يزال مدمراً بعد 12 عاماً
إلا أن عملية إعادة الإعمار تأخرت كثيراً، مستجلبةً بذلك معاناة اللاجئين الفلسطينيين الذي شردوا من بيوتهم، ولم يتم بعد 12 عاماً على نكبة هذا المخيم سوى إعادة إعمار ما بين 60 – 70%، بحسب ما قال أمين سر اللجنة الشعبية جمال أبو علي لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، مؤكداً أن لا تاريخ محدداً لإنهاء عملية الإعمار لارتباطها بالتمويل.
وأشار إلى أن آخر منحة قدمت من ألمانيا قدرت بـ 21 مليون يورو، فيما عملية إعادة الإعمار لا تزال بحاجة إلى ما بين 60 و70 مليون دولار، وفي حال توفرها فإن إعادة الإعمار تحتاج إلى سنتين لتنجر بالكامل .
وبحسب بيان لمؤسسة "شاهد" لحقةق الإنسان فإن 2641 فقط هو مجموع العائلات التي عادت إلى المخيم بنسبة 53% من عائلات المخيم، في مقابل 2298 عائلة ما تزال نازحة خارج المخيم بنسبة 47% .
هذ التأخر في الإعمار ضاعف من صعوبات الحياة على اللاجئين الفلسطينيين النازحين عن المخيم، بعد أن طال بهم المقام خارج مخيمهم ينتظرون في بيوت مستأجرة تنفيذ الوعود والعودة، لا سيما وأن الأونروا خلال السنتين الماضيتيين ومع برنامج تقليصاتها المتعلق بأزمتها المالية، أوقفت بدل الإيجار الذي تدفعه للنازحين عن 1200 عائلة، ما أثار غضب وسخط اللاجئين الفلسطينيين.
حيث اتهم عدد كبير من المتضررة منازلهم في أحداث 2007 ولم تتسن لهم العودة إلى مخيهم وكالة الأونروا بـ "الإهمال والتقصير والفساد" ، فيما الأخيرة تضع باللائمة على الدول المانحة التي لم تف جميعها بالتزاماتها المالية.
عبد العال: ما جرى حتى اللحظة هو إنجاز
إلا أن مسؤول المتابعة العليا لإعادة إعمار مخيم نهر البارد "مروان عبد العال" يرى إنجازاً قد حدث خلال هذه الأعوام، حيث تمت إعادة إعمار 70 % من المخيم " رغم كل المعوقات البيروقراطية والمتعلقة بمعاملات تتعلق بملكية الأراضي و استجلاب مواد البناء، حيث يُعمل اليوم على تسليم وحدات سكنية في الرزمة السابعة من أصل ثماني رزم هي كامل الرزم السكنية في المخيم"
وأضاف عبد العال: " إن الطريق كان صعباً وطويلاً، ولا ننكر وجود هدر وفساد، ولكن بالمقابل كان هناك أناس أصحاب ضمائر سواء من المانحين أو المشرفين على إعادة الإعمار، التي تسير بتسارع الآن، حيث إن الأموال متوفرة بما يكفي لذلك"
بقاء مخيم نهر البارد عنوان سياسي ونضالي
كلامٌ يبدو مريحاً، بيد أنه لا يلاقي صدى لدى ناشطين فلسطينيين في لبنان، يرون أن مدة نكبة أهالي المخيم طالت جداً، وكانوا هم الضحية الوحيدة لكل ما دار في المخيم عام 2007 ، جراء معركة فرضت على مخيمهم، لأسباب سياسية، و"وبغض طرف فلسطيني رسمي "، وأن المطلوب اليوم لإنهاء اثنتي عشرة سنة من المعاناة هو الوقوف مه أهالي المخيم في مطالبهم ببذل الجهود من المعنيين لتحصيل أموال إعادة الإعمار من الدول المانحة، وإعادة الإعمار العاجل والتعويض للمتضررين، واستكمال بدل الإيجارات المتوقف عن نحو 1200 عائلة، وكذلك إلغاء الحالة الأمنية المحيطة بالمخيم، وتشكيل لجنة تحقيق بأسباب تأخر إعادة الإعمار، ومحاسبة المسؤولين كونهم شركاء في استمرار مأساة أهالي مخيم نهر البارد، المحرومين أساساً من الحقوق الإنسانية والاجتماعية كالعمل والتملك وغيرها.
مدير منظمة ثابت لحق العودة "سامي حمود" يقول: " إنه ليس على اللاجئين الفلسطينيين في مخيم نهر البارد تحمل تبعات ما جرى، لاثنتي عشرة سنة وهي مدة كبيرة جداً على إعمار مخيم صغير كنهر البارد، ما يعني أن هناك حالات هدر وفساد ضمن المسؤولين عن إعادة الإعمار، أو هناك جهات سياسية دولية تحول دون التعجيل بذذلك لأسباب تتعلق برمزية المخيمات الفلسطينية، التي يصر كل من يخرج منها مجبراً ، على العودة إليها طالما الخروج لم يكن إلى فلسطين.
يتابع حمود : " المخيمات بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في لبنان هي عنوان سياسي ونضالي، ومحطة على طريق العودة، وإالإصرار على إعادة سكان مخيم نهر البارد لا يأتي من باب النوايا للحصول على توطين، كما يزعم سياسيون لبنانيون يعارضون إعادة الإعمار."