دمشق - بوابة اللاجئين
قام تنظيم "داعش" مؤخرًا باتخاذ إجراءات جديدة وإصدار أوامر تخص العملية التعليمية في مخيم اليرموك المحاصر جنوب العاصمة دمشق، حيث تواصلت البوابة مع عدد من الناشطين في المخيم وتحدثوا إليها عن قصة معاناة جديدة بدأت ترخي بظلالها على مصير (1500) طالب من أبناء مخيم اليرموك، وكانت البداية في اجتماع المدرسين.
اجتماع المدرسين والبدء بإغلاق جميع المدارس
دعا التنظيم في الأول من الشهر الجاري المدرسين داخل مخيم اليرموك المحاصر لإجتماع بخصوص العملية التعليمية للعام الدراسي القادم في اليرموك، وأَبلغ الحاضرون جملة من القرارات منها، إغلاق جميع المدارس على اختلافها مثل مدرسة الجرمق التابعة لوكالة الغوث "الأنروا"، ومدرسة عبد القادر الحسيني التابعة لوزارة التربية، بالإضافة للمدارس البديلة التابعة لمؤسسات فلسطينية (مدرسة الدمشقية ومدرسة الأمل).
وبحسب آخر المعلومات التي وردت للبوابة فإن التنظيم أعلن وقف العملية التعليمية حيث أَغلَقَ التنظيم بتاريخ 3/8/2016 مدرسة "الدمشقية" البديلة، ، ويقوم عناصر التنظيم بإغلاق بقية المدارس تباعاً، ولم يكتف التنظيم بذلك وحسب، إنما أخذ بـ:
فرض المناهج الجديدة
بعد أن سيطر تنظيم "داعش" على مخيم اليرموك مطلع شهر نيسان عام 2015 عمل على التدخل في شؤون العملية التعليمية، حيث منع الاختلاط في المدارس بين الذكور والإناث، وفرض اللباس الشرعي للفتيات الصغار، وقام بفصل معملي التربية الدينية من المدراس، بالتزامن مع إلغاء مادة التربية الدينية المتداولة بحجة عدم كفاءتها وأنها لا تتناسب مع فكر وإيديولوجيا التنظيم وكأنه "المرجعية الدينية الوحيدة" الآن في المنطقة، وقد أفاد أحد الناشطين للبوابة بأن مناهج جديدة لم تعرف ماهيتها أو محتواها للجميع، أصبحت جاهزة للتوزيع في المدارس، غير أن هذه المناهج قوبلت بالرفض من كافة أعضاء الكادر التدريسي الموجود في المخيم، بعد أن عرضها التنظيم عليهم، بغية تمريرها في المدارس بعد آخذ الموافقة عليها، وبالانتقال إلى بقية القرارات الأخرى التي أصدرها التنظيم بخصوص العمل ضمن التدريس، حدد ما يلي:
شروط جديدة
بحيث لا يحق لأحد مزاولة التعليم إلا عن طريق التنظيم ومؤسساته، وأُبلِغ المدرسون بـ"أن من يريد العمل كمدرس بصفة مستخدم مدني وبدون أي ارتباط مع تنظيم الدولة عليه تسجيل اسمه لديهم خلال فترة أسبوع من تاريخه وبراتب شهري 25000 ليرة سورية".
موجة غضب اجتاحت العائلات في المخيم، خاصة عائلات الطلبة رفضا لتلك القرارت، ما وضعهم أمام خيارٍ طالما حاربوه جاهدين من قبل، وهو تركهم لمنازلهم، فقد آثروا البقاء في المخيم، رافضين النزوح، متحدين الحصار وظروفه الصعبة، آملين أن تتجه الأمور نحو الأفضل، ولكن سوف يضطرون الآن خوفًا على مستقبل أطفالهم وأولادهم التعليمي لفعل ذلك، حيث نزحت عدد من عائلات مخيم اليرموك باتجاه بلدات الجوار بسبب موضوع التعليم.
بعد معرفة أهم الخطوات التي اتخذها التنظيم والتغيير الذي يجريه في كامل المنظومة التعليمية داخل المخيم، لا بد من الحديث عن أهم الانعاكسات والمخاطر المترتبة على هذا التغيير، وتبرز هذه الانعاكاسات في أمرين:
الأول: مستقبل "1500" طالب بات في خطر إذ يحتوي مخيم اليرموك على أكثر من (1500) طالب وطالبة في مراحل تعليمية مختلفة، الأمر الذي يتطلب تأمين أماكن بديلة تستوعب هؤلاء الطلبة والمتوقع أن ينتقلوا للدراسة في جوار المخيم (يلدا، ببيلا، بيت سحم).
يضاف الى ذلك تأمين المكان وتوفير متطلبات الدراسة للطالب من كتب مدرسية ومواد قرطاسية، كمان أن مشكلة تعليمية أخرى كان يعانيها الطالب قبل هذا، إذ أن المستوى التعليمي الذي وصل إليه خلال دراسته في المدارس البديلة في المخيم وجوار المخيم منذ عام 2013 وحتى هذا التاريخ لايوجد ما يثبت أنهم اتموا مراحلهم الدراسية التي وصلوا إليها من أي جهة.
الثاني: خطر انتشار أفكار التنظيم وإيديولوجياته
ليس جديدا ما يقوم به التنظيم من أدلجة المناطق التي يسيطر عليها وطبعها بأفكاره وإيديولوجيته الظلامية، ففي معظم المناطق التي استولى عليها التنظيم في سورية وخاصة مدينة الرقة، والعراق أيضا، استهدف أول ما استهدف الأطفال والطلبة في مراحل عمرهم المبكرة، من خلال تغيير المناهج وحذف بعض المواد مثل "الفيزياء، اللغة الانكليزية، الرسم"، وإضافة مناهج حسب ما يريد، من ثم قام بتجنيدهم لزجهم في المعارك مستخدما أولئك الأطفال دون وعي منهم في أعماله الإرهابية، وها هو التنظيم الآن يكرر هذه الاستراتيجية مع أطفال مخيم اليرموك، وإذ تُرِك التنظيم يقوم بهذه الأعمال من تغيير وحذف في المناهج القديمة واستبدالها بمناهج من إنتاجه، يجعل مستقبل أطفال المخيم مهددا، وحاضرهم يتحول إلى جحيم من خلال سعي التنظيم إلى تجنيدهم فكريا عبر المناهج والتعليم في البداية، ليزرع في أدمغتهم مفاهيمه وأفكاره الظلامية، ويؤمّن استمرارها بعد زواله ورحيله، ومن ثم يقوم بتجنيدهم عسكريا واستغلال ضعفهم وضعف من حولهم.
نقطة آخرى لا بد من الإشارة إليها، وهي في ظل البطالة والأوضاع المعيشية الصعبة التي يعاني منها أبناء مخيم اليرموك بسبب الحصار وما ترتب عليه من انهيار الأعمال والمهن المزاولة، وبقاء التدريس منها مزاولاً ولكن أغلبها تطوعي أو ذات أجور قليلة، لذا فإن أوضاع المدرسين ليست أقل سوءا من الطلاب، ذلك أن التنظيم يقوم بدفع مبالغ مالية مرتفعة يغري بها المعلمين أو الشباب الآخر العاطل عن العمل، ليزج بهم في خدمته مستغلا الأوضاع القاسسية التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في المخيم.
وأخيرا يمكن القول بأن أطفال المخيم في أشد أوقاتهم بحاجة إلى مراقبة والسعي إلى إنقاذهم، فقد كبروا في ظل الحصار ومشاهد العنف التي تحدث أمامهم، وقضوا جوعًا وبردًا، وحُرموا مظاهر الفرح ومظاهر الدعم النفسي ومساحات اللعب التي كانت توفرها جمعيات ومؤسسات قبل دخول تنظيم "داعش" وشلّه الحياة في المخيم، ومنعه عمل هذه المؤسسات، والآن يَشلّ الفكر والتعليم عبر فرض أفكاره وأدبياته في التعليم.