فلسطين المحتلة
أعلن رئيس السلطة الفلسطينيّة، محمود عباس، إنّ القيادة قرّرت وقف العمل بالاتفاقيّات المُوقّعة مع الاحتلال، وتشكيل لجنة لتنفيذ القرار، عملاً بقرار المجلس المركزي.
جاء ذلك عقب اجتماع القيادة الذي عُقد، مساء الخميس 25 تموز/يوليو، في مقر الرئاسة بمدينة رام الله بالضفة المحتلة، وقال فيه "لن نرضخ للإملاءات وفرض الأمر الواقع على الأرض بالقوّة الغاشمة وتحديداً بالقدس، وكل ما تقوم به دولة الاحتلال غير شرعي وباطل."
وأكّد عمر الغول مستشار عباس من جانبه، أنّ القرار بوقف العمل بالاتفاقيّات مع الكيان، يتضمّن التنسيق الأمني مع الاحتلال.
وتابع عباس في كلمته "أيدينا كانت وما زالت ممدودة للسلام العادل والشامل والدائم، لكن هذا لا يعني أننا نقبل بالوضع القائم أو الاستسلام لإجراءات الاحتلال، ولن نستسلم ولن نتعايش مع الاحتلال، كما لن نتساوق مع (صفقة القرن)، ففلسطين والقدس ليست للبيع والمُقايضة، وليست صفقة عقاريّة في شركة عقارات."
كما شدّد أنه "لا سلام ولا أمن ولا استقرار في منطقتنا والعالم، دون أن ينعم شعبنا بحقوقه كاملةً، ومهما طال الزمان أو قصر سيندحر الاحتلال البغيض وستستقل دولتنا العتيدة."
وقال في كلمته "الأبرتهايد الذي انتهى منذ ثلاثين عاماً من كل العالم، لا زال هنا مرعيّاً من قِبل أمريكا، عبر فرض سياسة الفصل العنصري."
وتطرّق للمصالحة الفلسطينيّة قائلاً "الأوان قد حان لتطبيق اتفاق القاهرة 2017 الذي ترعاه الشقيقة مصر، ولا نُريد العودة إلى مأساة اجتماع موسكو عندما رفضت حماس الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وتساوقت في ذلك مع إسرائيل وأمريكا"، حسب تعبيره. وتابع "يدي ممدودة للمُصالحة وآن الأوان أن نكون أكثر جديّة."
وكان قد صرّح قبل أيام، صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير الفلسطينية، أنّ القيادة الفلسطينية قررت وضع آليّات لإلغاء كافة الاتفاقيّات مع الاحتلال، مُعلناً قرار اللجنة وقف التعامل بشكلٍ كامل مع جهاز القضاء والمحاكم "الإسرائيليّة."
وتأتي قرارات المنظمة والرئاسة في أعقاب ما حدث في حي وادي الحمص بالقدس المحتلة، حيث هدمت قوات الاحتلال أكثر من (10) أبنية سكنيّة في الحي خلال أقل من (24) ساعة، علماً بأنّ هناك المئات من المنازل أيضاً مُهددة بالهدم في المناطق القريبة من الجدار الفاصل.
يُذكر أنّ المجلس المركزي كان قد اتخذ في نهاية تشرين الأول/أكتوبر قراراً بإنهاء التزامات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية كافة، تجاه اتفاقاتها مع الاحتلال، حيث شمل القرار في حينها إنهاء التزامات المنظمة والسلطة كافة تجاه الاتفاقات مع الاحتلال، وتعليق الاعتراف بدولة الاحتلال إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران/يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقيّة، بالإضافة إلى وقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله.
كما شمل القرار الانفكاك الاقتصادي على اعتبار أنّ المرحلة الانتقالية وبما فيها "اتفاق باريس" الاقتصادي لم تعد قائمة، وذكر بيان المركزي في ختام دورته العادية الثلاثين في حينها، أنه يُخوّل رئيس السلطة واللجنة التنفيذية متابعة وضمان تنفيذ تلك القرارات.
وهذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها قرارات مُماثلة، حيث أقدم المجلس المركزي على نفس القرارات في اجتماعاته خلال كانون الثاني/يناير 2018، وعام 2015، لكن لم يتم تنفيذها من قِبل اللجنة التنفيذيّة لمنظمة التحرير، ورئيس السلطة محمود عباس، وفي قرار تشرين الأوّل/أكتوبر 2018 مُنح عباس حق تنفيذ هذه القرارات في أي لحظة، إلا أنه رغم كل ما يدور على الساحة الفلسطينية وسياسات الاحتلال بحق الفلسطينيين، لم يستخدم هذا الحق الممنوح له من المجلس المركزي.
وتمر السلطة الفلسطينية في أزمة ماليّة وسياسيّة، فمن جهة رهنت الولايات المتحدة المساعدات المُقدمة لها بتوجهها إلى طاولة المفاوضات مع الاحتلال، ومن جهةٍ أخرى تُواصل واشنطن دعمها السياسي والعسكري الواضح والصريح للكيان الصهيوني حتى بما يتجاوز القرارات الدوليّة الصادرة حول القضيّة الفلسطينيّة، في تبنّي مُعلن لموقف الاحتلال من كافة القضايا كالاستيطان الذي يأخذ بالاتساع على الأرض بشكلٍ يومي، واللاجئين وعودتهم وحقوقهم، والقدس والتهويد والهيمنة الصهيونية وضم الضفة المحتلة، وكذلك تبرير العدوان الذي يُمارسه الاحتلال على الفلسطينيين.
وفي ذات السياق، أثّر احتجاز سلطات الاحتلال لأموال المقاصة، بشكلٍ كبير على ميزانيّة السلطة، حيث تحتجز سلطات الاحتلال مقدار رواتب ومُخصصات عائلات الأسرى والشهداء الفلسطينيين، من أموال الضرائب والمقاصة الفلسطينيّة، ما انعكس على الأوضاع الماليّة للسلطة.
لكن كل ذلك، لم يمنع السلطة الفلسطينية من استمرارها في التعامل مع الاحتلال، وبشكلٍ أساسي في التنسيق الأمني، الذي مهما علت تصريحات المسؤولين في السلطة بشجبهم وإدانتهم لسياسات الاحتلال، إلّا أنه مُستمر، وآخر مظاهره التي يتمكّن أي شخص من ملاحظتها، كان اعتقال قوات الاحتلال للفتاة الفلسطينية ألاء بشير، التي اعتقلتها الأجهزة الأمنيّة التابعة للسلطة لفترات طويلة، وخاضت خلالها إضراباً مفتوحاً عن الطعام إلى أن أفرج عنها، ثم أعيد اعتقالها لدى السلطة، وبمجرد الإفراج عنها اعتقلتها قوات الاحتلال، وهي ليست الحالة الوحيدة، فسياسة الباب الدوّار بين الاحتلال والسلطة عُرفت منذ نشوء السلطة الفلسطينيّة.
ورغم موقف السلطة الثابت منذ تأسيسها في مطلع تسعينيّات القرن الماضي، بثباتها على الاتفاقيّات مع الاحتلال، إلّا أنّ الضغط الذي يُمارس عليها اليوم، من قِبل الاحتلال والولايات المتحدة، في ظل طرح خطة تسوية أمريكيّة مُنحازة للكيان بشكلٍ مُعلن، يرفضها الكل الفلسطيني وحتى أطراف عربيّة ودوليّة، لم يترك مجالاً للسلطة، ما يدفعها للإعلان ولو ظاهرياً عن مواقف جذريّة طالبتها فيها كافّة الأطراف الفلسطينيّة منذ سنوات.