سوريا - الوليد يحيى
يلملمون بعض الأحطاب والأخشاب وما يمكن إشعاله من هنا وهناك، لزوم التدفئة والطهو، هو حال أهالي مخيّم درعا للاجئين الفلسطينيين جنوبي سوريا، إذ عادوا إلى ذات المشهد المعيشي الذي كانوا عليه خلال حصار المخيّم في السنوات السابقة، وتقاسم السيطرة على مدينة درعا بين قوات النظام السوري ومجموعات المعارضة السوريّة المسلّحة.
أكثر من عشرين يوماً واللاجئ "أبو وسام" من أهالي المخيّم، ينتظر دوره لتحصيل عبوة غاز منزلي، من دون جدوى، فشاحنة نقل أسطوانات الغاز التابعة للمؤسسة العامّة للمحروقات، غالباً ما تُشاهد فارغة، والكميّات الشحيحة التي توزّعها في مدينة درعا، تذهب إلى أصحاب "الواسطات والنفوذ"، في حين خلت منازل المواطنين في معظم أحياء المدينة من جرار الغاز، ومن ضمنها مخيّم اللاجئين الفلسطينيين، الذي بدا حاله الأسوأ في المدينة، نظراً لكون البدائل لا تُسعف الأهالي في استثمارها، والقصد هنا المازوت غالي الثمن، و الكهرباء التي تعجز شبكات نقلها عن حملها، وفق ما يؤكد اللاجئون.
يؤكد اللاجئ "أبو وسام" في شكوى أرسلها لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" أنّ الأهالي باتوا يلملمون الحطب للتدفئة والطهو، حيث يعجز اللاجئون في المخيّم عن توفير مادة المازوت نظراً لغلاء أسعارها، أمّا الكهرباء فلا تتجاوز ساعات التغذية 5 ساعات يوميّاً وبشكل متقطّع، وبالكاد يُستفاد منها للإنارة وتشغيل بعض المعدّات المنزليّة، فضعف تمديدات الكهرباء يجعلها غير مؤهلّة لتحمّل أجهزة التدفئة الكهربائيّة، حسبما أضاف.
وكانت الجهات الحكوميّة المختصّة، قد وزّعت في العاشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، 100 لتر من المازوت المدعّم لكل عائلة، بموجب البطاقة الذكيّة، بسعر 19 ألف ليرة سوريّة، على أن تستتبع توزيع الكميّة المدعّمة والمحددة بـ 400 لتر تباعاً خلال فصل الشتاء، بمجموع تكاليف تصل إلى 76 ألف ليرة سوريّة.
الدفعة الأولى شارفت على النفاد، رغم تقنين شديد يتبّعه أهالي المخيّم في حرق المازوت الذي يُعتمد عليه في التدفئة وتسخين المياه، بحسب ما أشار "أبو وسام" مضيفاً أنّ أسعار المادّة في السوق السوداء تصل إلى 700 ليرة للتر الواحد، يستحيل على الأهالي تحصيلها نظراً لفقر الحال.
حال المخيم هي الأكثر سوءاً في المدينة من الناحية المعيشيّة، نظراً للدمار الكبير الذي طال مصادر رزق اللاجئين من محال ومنشآت بفعل قصفها خلال سنوات الحرب، أقعدت معظم سكّانه ضمن دائرة البطالة، أمّا من يعمل منهم فليس أمامه سوى أشغال متقطعّة، لا تدر ثمن السلّة الغذائيّة اليومية، فمن أين يصرف اللاجئ الفلسطيني الذي يعيش في سوريا على أسرته؟ يتساءل لاجئ آخر في رسالة صوتية لموقنا.
ويعتمد معظم اللاجئين في درعا وسواها، على معونات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" المقررة كل 3 أشهر للحالات الأكثر عوزاً وفقراً بمبلغ 24 ألف ليرة سوريّة للشخص الواحد، في حين تتسلم الحالات العاديّة 16 ألف ليرة سوريّة، في حين لا تراعي الوكالة في تحديدها للمبالغ متطلبات فصل الشتاء، ولا ارتفاع الأسعار الذي بلغ مستويات غير مسبوقة بفعل انهيار سعر صرف الليرة السوريّة مؤخّراً أمام الدولار، وتحطيم معظم الأسعار سقف الـ100% ارتفاعاً.
حياتنا برقبتكم
"أوضاعنا من سيء إلى أسوأ، أرجعتمونا إلى حياة بدائية لا تصلح للبشر" يقول اللاجئ "أبو محمد" من سكّان المخيّم، بنبرة وجع ومرارة، متوجهاً في كلامه إلى المسؤولين، ومتسائلاً عن الوعود التي أطلقوها سواء محافظ درعا الذي زار الأحياء والمخيّم عقب اتفاق التسوية الذي جرى في تموز/ يوليو2018 وأسفر عن استعادة الحكومة السوريّة سيطرتها على المدينة ومخيّمها أو الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب، ومسؤولي "أونروا" الذين وعدوا بالعمل على إعادة تأهيل المخيّم وإعادة إعماره بالتنسيق مع الجهات الحكوميّة، وتوفير الخدمات الأساسية للاجئين وعلى رأسها الكهرباء والماء والصحّة.
وانتقد "أبو محمد" ما اعتبره "تقاعس" وكالة "أونروا" عن النظر في حال الأسر الفقيرة في مخيّم درعا، قائلاً: "لو كانت الوكالة تقدم لنا معونات ماليّة لفصل الشتاء لزوم شراء مازوت التدفئة، لكانت حمت أطفالنا من البرد طوال الموسم".
ويسكن في مخيّم درعا، نحو 650 عائلة من أصل 13 ألفاً، وهي عائلات تمكنت من العودة إلى المخيّم عقب اتفاق التسوية، يعاني 75% منهم من البطالة وفق تقديرات غير رسميّة وافانا بها مراسل "بوابة اللاجئين الفلسطينيين"، في حين لا تتطوّر الأحوال في المخيّم إلّا نحو الأسوأ، وكأنّ شيئاً لم يتغيّر سواء خلال الحرب أو بعد انتهائها.