دعاء عبد الحليم – مخيم برج البراجنة
لا تملك روان اسماعيل التي لم تتجاوز بعد الـ11 عاماً ساقاً طبيعية، تقضي شؤونها اليوم بساق اصطناعية بعد أن بترت ساقها نتيجة تشوه خلقي، لكنّها تملك إرادة صلبة، أكبر من سني عمرها.
ولدت روان، لاجئة فلسطينية في مخيم برج البراجنة جنوبي بيروت، مع التواء حاد في عودها الفقري أثّر على كتفيها، كما أن ساقها اليسرى أقصر بكثير من ساقها اليمنى، ما دفع الأطباء بعد محاولات علاج عديدة فاشلة إلى بترها وتعويضها بطرف صناعي، تقول والدة روان فاطمة حميد: هناك أفضل منه نوعية لكنّ قدرتهم المادية منعتهم من تركيبه.
تخضع روان منذ أن ولدت إلى عملية جراحية عدة، وإحداها في العامود الفقري، وبلغت التّكلفة وقتها واحد وعشرون ألف دولار، استطاعت هذه الطفلة تأمين جزء من التكلفة عبر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيما الجزء الأكبر تأمّن من أصحاب الأيادي البيضاء.
تخبرنا والدة روان أن ابنتها تحتاج كل ستة شهور إلى عملية في العامود الفقري حتى تبلغ الثامنة عشر من عمرها ليتناسب نموّه مع جسدها، وفي كلّ مرة تطرق الأم المحروقة على ابنتها أبواب المتبرعين لتؤمّن المبلغ المطلوب للعملية، خصوصاً أن والد روان يعمل في مستشفى الهلال الأحمر الفلسطيني داخل المخيم براتب لا يتجاوز خمسمئة ألف ليرة لبنانية، أي أقل من 300$ وفق سعر الصرف الذي وصلت إليه الليرة اللبنانية في الشهور الأخيرة.
لكن الأم الذي لحق بها المرض أيضاً، جراء حزنها على مرض ابنتها كما قالت لموقعنا، تصر على أن تنال روان حقها في حياة طبيعية، يخفف من آلامها ربما ما تراه من إصرار وقوة تحمل لدى هذه الصغيرة، التي تملك ككل الأطفال في العالم ومخيمات اللاجئين أحلاماً كبيرة.
فالناظر إلى وجه روان، للوهلة الأولى قد لا يتوقع بأن هذه الطفلة تحمل ضحكاتها البرئية وعيونها الملئة بالأمل على قدم بلاستيكية وعمود فقري مصاب بالمرض.
بكل إصرار وتفاؤل تخبرنا روان عن حلمها بدراسة الطب البيطري والعمل في هذا المجال، ربما تدرك أو لا أن القوانين في البلد الذي تعيش فيه لا تسمح للاجئة مثلها العمل في كثير من المهن، ومنها الطب البيطري، وأن الدراسة في الجامعات اللبنانية قد ترهق أهلها، أو قد لا يستطيعون تأمين تكاليفها, ولكن لعل الأحوال قد تكون تغيرت عندما تكبر روان لتحقق حلمها.
ولكن مثلما حقق كثير من الشباب الفلسطينيين في لبنان أحلامهم بالدراسة في مجالات واختصاصات متعددة، متحدين ظروفهم الصعبة، قد تنجح روان التي تضيف لنا أنها ستتحدى مرضها وستقدم أفضل ما عندها لتكمل مسيرتها التعليمية وتنجح في حياتها، مؤكدة لنا أنها منذ الآن لا تعتبر نفسها مختلفة عن باقي أطفال جيلها بل تشارك بالرقصات والدبكات في المناسبات المدرسة، وتلعب مع صديقاتها، وتساعد والدتها في أعمال المنزل، تقول: "أنا ما مالني شي الله هيك خلقني بس عادي بعمل كل شي متل غيري، ولكن أريد أن أشفى".
ما يلاحظ في قصة روان، أن أهلها يملكون إرادة قوية في علاجها وتمكينها من متابعة دراستها وتحقيق حلمها، ولكن الظروف الجمعية للاجئين الفلسطينيين بلبنان خصوصاً والفلسطينيين عموماً، ترهق من لديهم ابناً بحالة مرضية خاصة، في ظل غياب التأمين الصحي والبرامج الاجتماعية والتعليمية الامفترض أن تحتوي أبناء الشعب الفلسطيني، لتمكينه من الاستمرار و تحقيق أحلامه.
من يزور المخيمات الفلسطينية في لبنان، لا بد له أن يدرك حجم طموح هذا الشعب، وأحلامه الكبيرة التي يزرعها بأطفاله منذ صغرهم، ولكن كل هذا بحاجة إلى رعاية واحتواء، بحاجة إلى قيادة سياسية صالحة ينتج عنها مؤسسات وبرامج مؤهلة لأن تنهض بهذا الشعب.
شاهد التقرير