ظاهر صالح - بوابة اللاجئين الفلسطينيين
ما لاشك فيه أن الأحداث في سورية ومنذ اللحظة الأولى لاندلاعها قد أرخت بظلالها وثقلها على المجتمع الفلسطيني بكل مكوناته، وكشفت عن سلسلة من المشاكل على مختلف المستويات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وأفسحت المجال للدخول في جدل واسع حول أحقية الانحياز إلى الأكثر أهمية وأولوية في وجودهم الإجتماعي، وهنا لا بد من التطرق للآثار الإجتماعية للصراع وما ترتب عليه من آثار سلبية على المجتمع وعلى الأسر الفلسطينية التي ما زالت محاصرة في المخيمات، والعوائل التي اضطرت إلى النزوح إلى أماكن أكثر أماناً في مناطق أخرى وسكنوا مع أقارب لهم في سكن جماعي واختلاط إضطراري أدى إلى العديد من المشاكل الإجتماعية بدت آثارها السلبية واضحة على كثير من الأسر وعلى نمط الحياة ونفسيات الناس.
وكذلك العوائل التي هاجرت إلى دول الجوار وإلى أوروبا في هجرة، يواجهون صعوبة التكيف مع العادات والتقاليد هناك، والبعد عن الأهل والأقارب والأصدقاء، وفقدان الإحساس بالاستقرار، وأنه أصبح يعيش على هامش الحياة في مجتمعات لاينتمي إليها أو في مجتمعات لا تتقبله وتعتبره عبئاً إقتصادياً وإجتماعياً عليها.
هذا الوضع خلق شرخاً عميقاً على مختلف المستويات وأفرز آثاراً كارثية على أبرز مؤسسة إجتماعية ألا وهي ( الأسرة )، إذ وجدت نفسها في حالة من عدم التوازن بسبب انشغال كل فرد بقضاياه الخاصة، وهذا ماساهم في تباعد واتساع الهوة وضعف العلاقات الإجتماعية، وبالتالي حدوث تصدع في بنيان الأسرة وتفككها. وما الحوادث والأخبار اليومية الواردة عن أحوال اللاجئين من فلسطينيي سورية التي يفوق وقعها آلاف الكلمات إلا شاهدة على حالة العجز والهشاشة والاضطراب الذي يعاني منه الوضع الفلسطيني العام .
وفي عودة سريعة إلى الماضي وتحديدا المرحلة التي أعقبت ( اوسلو ) هذا الإتفاق الذي أخرج اللاجئين الفلسطينيين في سورية كغيرهم من فلسطينيي الشتات من حسابات المفاوضات الفاشلة وتركهم لمصيرهم المجهول، يكتنف الغموض مستقبلهم الوطني، مستهدفاً هويتهم الوطنية المتمثلة بحق العودة إلى ديارهم في فلسطين وحق تقرير المصير، إضافة إلى إبعادهم كمكون إجتماعي ذي أهمية بطريقة مباشرة أوغير مباشرة، وتركهم تائهين في أصقاع الأرض يبحثون عن ذواتهم لتأكيد إنتمائهم ويسعون في البحث عن ملاذ آمن وسط تصدع في بنيانهم الإجتماعي نتيجة الظروف المفاجئة والمتسارعة التي عصفت بأوضاعهم وكانت سببا في ظهور العديد من الأزمات بدءاً من اختلاف وتشتت العائلة الواحدة مروراً بالوضع الإقتصادي الصعب الذي تردى كثيراً وزاد من معاناتهم وحدة البطالة التي طال شبحها الكثير من العوائل، وكذلك الغلاء الفاحش الذي دفع بالكثير من الأُسر إلى النزوح داخل البلاد وهجرة البعض الآخر إلى دول الجوار وإلى دول أوروبا وسط حالة من الإرباك جراء الإجراءات القانونية على معابر وحدود الدول العربية ومعاملتهم بطريقة غريبة متناسين أنهم فروا من أحداث مأساوية أجبرتهم على الخروج من بيوتهم ومخيماتهم.
وعلى المقلب الآخر التشديد في إجراءات اللجوء والتغيرات التي قامت بها بعض الدول الأوروبية وإيقاف منح الإقامات الدائمة للاجئين من سورية، والتباطؤ في إجراءات معاملات لم الشمل للأسر المتوزعة في دول أوروبا، ناهيك عن المشكلات الكبيرة في تعلم اللغة وإيجاد السكن المناسب ومن ثم الاندماج، واتباع عادات وتقاليد جديدة وما إلى ذلك.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى المعلومات الموثقة لدى سجلات وكالة الأونروا حيث إن تعداد الفلسطينيين في سورية وصل إلى نحو 560،000 قبل بدء الأحداث في سورية، بينما بات اليوم أكثر من 235،000 منهم خارج سورية، عبر عمليات نزوح وهجرة هي الأولى من نوعها في تاريخ وجود الشعب الفلسطيني في سورية، والتي تقدر أعدادهم وفق أماكن هجرتهم كما يلي :
لبنان نحو 42،000 لاجئ فلسطيني سوري.
الأردن نحو 15،500 لاجئ فلسطيني سوري.
مصر نحو 6،000 لاجئ فلسطيني سوري.
تركيا نحو 8،000 لاجئ فلسطيني سوري.
قطاع غزة نحو 1000 لاجئ فلسطيني سوري.
ووصول نحو 120،000. إلى دول أوروبا وتحديدا ألمانيا، السويد، هولندا، النمسا، الدانمرك، إضافة إلى دول أخرى مثل بلغاريا، رومانيا، هنغاريا، روسيا. وبضع آلاف وصلوا إلى ماليزيا، استراليا، نيوزيلندا، كندا، البرازيل، الولايات المتحدة.
إن المتأمل في هذه الأرقام، وهذا الواقع المرير الذي يعيشه اللاجئ الفلسطيني يتبين له بصورة جلية أن هناك أزمة حقيقية بالغة الخطورة يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني كل يوم، وستحصد الأجيال القادمة نتائجها، ولك أن تتخيل كيف سيكون الشكل الجديد لحياة الاسرة الفلسطينية بعد هذه التغيرات ؟!. وعن أي أسرة ستتحدث بعد هذه النكبات المتتالية ؟.
عندما وجد اللاجئ الفلسطيني قيادته منسلخة عنه ولا تعبر عن مصالحه ذهب إلى سلوك كافة السبل ومنها الهجرة إلى أي مكان بحثاً عن الأمان، لأن من يمثله فشل في ضمان الحد الأدنى من أمنه وسلامته، وتركه يعيش ظروفاً عصيبة وأزمات نفسية ومشاكل إجتماعية متعددة الأوجه، منها ما أدى إلى الانفصال والطلاق وتشتت الأبناء والعزلة، وصعوبة العودة إلى ممارسة الحياة الطبيعية والتكيف مع الظروف الجديدة، والتعلق بآمال مفقودة. كل ذلك وغيره ترك آثاره المؤلمة في نفوس العامة صغاراً وكباراً، وذلك بعكس الآثار الاقتصادية التي يمكن تداركها ببضع سنوات.
يتجاهل البعض خطورة أن يتحول اللاجئين الفلسطينيين إلى مجتمع ضعيف وهش تنحل فيه البنى السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية، وتصل الظروف بهم إلى تدمير ما تبقى من إمكانات عندهم، وتصل بالتالي إلى تمزيق هويتهم الوطنية والتي هي بداية الإنهيار و الضياع.