بوابة اللاجئين الفلسطينيين

عام آخر تُحيي فيه جموع الفلسطينيين داخل فلسطين وفي الشتات والمنافي يوم الأسير الفلسطيني، كتقليد وطنى جرى السير عليه منذ عام 1974 حين أعلن المجلس الوطني الفلسطيني (المغيّب في الحاضر تمثيلاً وتشريعاً) يوم السابع عشر من نيسان/ إبريل من كل عام يوماً للأسير الفلسطيني - أحد أكثر من يضحي في سبيل القضية المستمرة طيلة 72 عاماً.

ولعل كل كلمات التضامن مع ما يزيد عن 5000 أسيرة وأسير يقبعون حالياً في سجون الاحتلال ستظل باهتة مقابل ما يكابده هؤلاء من ظلم طال حريتهم وصحتهم ويهدد حياتهم بشكل يومي، إذ لا حياة للأسرى في المعتقلات الصهيونية سوى تحت التعذيب وانتهاك الحريات والقوانين والشرائع الإنسانية، وهذه حقائق توثقها بشكل يومي المراكز الحقوقية والهيئات المختصة بشؤون الأسرى.

تخبرنا يومياً عن الانتهاكات التي يتعرض لها أناسٌ منّا، يدفعون ثمن تحصيل حريتنا نحن، وكرامتنا نحن، من صحتهم وأعمارهم وحيواتهم، بينهم أكثر من 200 طفل لم تشفع لهم كل المواثيق الدولية الموضوعة لحماية الطفولة في العالم، ما يجعل منها كلاماً فارغاً لا طائل منه طالما لا تستطيع الضغط على كيان سياسي استعماري مارق وإجباره على احترامها.

وكذلك الأمر بالنسبة لاتفاقيات "جنيف" وخاصة الأولى والثانية والثالثة والمتعلقة جميعها بضرورة حماية الأسرى وجرحى "الحروب" وضمان الحفاظ على كرامتهم وإنسانيتهم، لا طائل منها طالما لم تستطع حماية مليون فلسطيني اعتقلوا على مدار عقود النكبة المتتالية بينهم عشرات آلاف الأطفال والنساء، ارتقى منهم 222 أسيراً تحت التعذيب أو بالرصاص أو جراء الإهمال الطبي والتجارب التي تجريها المراكز الطبية في كيان الاحتلال على أسرانا بتصريح رسمي من ما تسمى وزارة الصحة الإسرائيلية، وهو انتهاك مثبت من قبل "رئيسة مجلس العلوم" في كيان الاحتلال بتقرير صادر عنها عام 1997.

وفي هذه الأيام، مع تفشي جائحة "كورونا" أو ما يعرف بـ "كوفيد 19" في معظم بقاع الأرض ومنها فلسطين المحتلة, وتوثيق آلاف الإصابات بين المستوطنين وجنود الاحتلال والسجانين، يتضح أكثر إرهاب الاحتلال تجاه الأسرى الفلسطينيين بعدم الإفصاح عن أوضاعهم وتعمد حرمانهم من المنظفات والمعقمات، وكذلك زيارة المحامين، ليبقوا في غياهب المجهول والخطر المحدق بهم.

ودون خطوات عملية معلنة من قبل السلطة الفلسطينية لإنقاذهم، تتابع الهيئات والمراكز التابعة لها أوضاعهم من خلال ما يسرب من داخل السجون وتنشر تقارير يومية حول ذلك، وهنا لن نخوض بالأساليب الناجعة لتحرير الأسرى وإنهاء عذاباتهم، لا سيما في ظل تنكر واضح من قبل المجتمع الدولي ومؤسساته الحقوقية والجنائية التي غالباً ما يقول المسؤولون في السلطة أنهم يتوجهون لها من أجل تحصيل حقوق أسرانا ومحاسبة الاحتلال، دون الأخذ بعين الاعتبار تجارب ماضية أثبتت أن لا حرية سيحصّلها الأسرى سوى بمفهوم القوة والمقاومة وأسر جنود للاحتلال.. وهي مرتكزات لا يرضخ  الاحتلال سوى لها، والغائبة في الحاضر بفعل تردي الواقع السياسي الفلسطيني و ما يكبله من "تنسيق أمني" لم توقفه إعلانات المجلس المركزي الفلسطيني المتكررة في السنوات الأخيرة.

بيد أنه ليس المستوى الفلسطيني الرسمي والفصائلي وحده مسؤول عن غياب مرتكزات القوة والمقاومة في المرحلة الحاضرة من مسيرة القضية الفلسطينية، فأراضي الدول التي كانت في فترة من الفترات منطلقاً لعمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وشكلت فرصة للفلسطيني بأن يأسر جندياً صهيونياً كورقة تفاوض، طردت الفدائي، بل وساهمت أيضاً بتكبيله وسجنه وتعذيبه وتمارس إلى اليوم صنوف الانتهاكات بحق الفلسطينيين، أي أنه ليست سجون الاحتلال وحدها من تضم قصصاً مؤلمة عن فلسطيني يُعذّب وتُتنتهك إنسانيته وكرامته، لا بل سجون الأنظمة العربية أيضاً.

الأرقام والمعطيات المتوفرة تشير إلى وجود 1794 معتقلاً فلسطينياً في السجون السورية بينهم نحو 110 امرأة، مع الترجيح بأن يكون العدد الكلّي أكبر من ذلك، بسبب غياب الشفافية لدى أجهزة النظام السوري "الأمنية"، وتجنب أهالي المعتقلين توثيق اعتقال أبنائهم، خوفاً من المساءلة الأمنية، وهو خوف مبرر طالما أن ما تم توثيقه فقط من حالات الوفاة تحت التعذيب في هذه السجون هو 650 ضحية فلسطينية، ناهيك عن أعداد أخرى لم يتم الإفصاح عنها لذات الأسباب.

وفي السجون العراقية - بعد أن أصبح الفلسطيني إثر الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وسيطرة المليشيات الطائفية على مفاصل هذا البلد كبش المحرقة-  يقبع  ما لا يقل عن 40 فلسطينياً، ناهيك عن الأعداد غير الموثقة، يتعرضون لصنوف العذاب والانتهاكات دون ذنب ارتكبوه سوى أنهم فلسطينيون، يناشد أهاليهم مراراً وتكراراً السلطة الفلسطينية للتحرك بشأنهم، فيما العجز يلف موقف الأخيرة.

وفي السجون السعودية، حيث حملة اعتقالات  طالت العام الماضي أكثر من ستين فلسطينياً، تتلخص تهمهم بدعم أهلهم مادياً في فلسطين، غابت الشفافية وغاب معها أي احترام لحقوق الإنسان ولقضية الشعب الفلسطيني المفترض أنها القضية المركزية للأمة العربية.

 وفي السجون المصرية، أيضاً تغيب المعطيات، لكن تشير التسريبات إلى ما يتعرض له الفلسطينيون داخلها من معاملة لا تليق بكائن آدمي، وربما آخرهم  ما تم تسريبه بخصوص رامي شعث، المتمثلة تهمته بمقاطعة الاحتلال.

ولكن من المفارقات المؤلمة والمؤسفة أن كل هؤلاء الفلسطينيين في سجون الأنظمة العربية هم خارج حسابات السلطة وأيضاً الفصائل و مراكز الأسرى التابعة لهم، ولا يجري التوجه بملفاتهم إلى أي جهة دولية أو بذل جهود عبر الأنظمة التي تعتقلهم لإنقاذهم، وإنقاذ عائلاتهم من ظل التعامل "الأمني العربي" سيء الصيت معهم.

أليس هؤلاء فلسطينيين؟ أليس من حقهم على من يدعي تمثيل الشعب الفلسطيني إنقاذهم، والسعي لتحصيل حريتهم؟

خاص

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد