البحرين
منعت السلطات البحرينيّة، مساء السبت 9 أيار/ مايو، ندوة إلكترونية تتحدّث عن مخاطر التطبيع مع الكيان الصهيوني، وذلك بعد دقائق من انطلاقها عبر الفضاء الإلكتروني.
وحملت الندوة التي لم تستمر سوى لعشر دقائق قبل أن يأتي اتصال للمنظمين من السلطات البحرينية بوقفها، عنوان "التطبيع مع العدو الصهيوني في الخليج"، وكانت من تنظيم جمعية الشباب الديمقراطي البحريني وبالتعاون مع الجمعية البحرينيّة لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني، وكان من المفترض أن يتحدّث فيها عدّة شخصيّات من "فلسطين، والسعودية، والكويت، وعمَّان، والبحرين".
ولاستيضاح ما جرى تحدّث "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" مع رئيس الجمعية البحرينيّة لمُقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني، السيّد إبراهيم كمال الدين، والذي أكَّد بدوه أنّ "الندوة اُعلن عنها قبل حوالي أسبوعين، وإعلانها موجود على الانترنت، أي ليست مستحدثة وليست وليدة اليوم"، مُشيرًا أنّها "ندوة خليجيّة أرادت أن تشرح للجمهور ماهيّة التطبيع مع العدو الصهيوني في دول الخليج، ولذلك كانت الندوة خليجيّة مشتركة، وشملت الكويت والبحرين وقطر وعدّة دول".
وتابع كمال الدين: "بدأت الندوة بشكلها الطبيعي إلى حين جاءني اتصال من وزارة العمل والتنمية الاجتماعيّة وهي المسؤولة عن بعض الجمعيات السياسيّة في البحرين، ليُخبرني أحد المسئولين في الوزارة بضرورة وقف الندوة لعدم حصولنا على الترخيص اللازم لعمل هذه الندوة"، مُؤكدًا لموقعنا أنّه "رفض وقف الندوة لأنّ الجمعيّة البحرينيّة مهمتها توعيّة الجماهير بخطورة التطبيع، وكل الندوات التي عقدناها في السابق كانت بدون ترخيص مسبق".
كما بيّن كمال الدين أنّه "وبعد ذلك أصرّ هذا المسؤول على وقف الندوة بحجة عدم وجود الترخيص وتواجد جهات أجنبيّة غير محلية مُشاركة في الندوة!، أخبرته أنّنا أبناء الخليج والأمة نحن يدٌ واحدة ولا يوجد بيننا غريب، ورفضت إيقاف الندوة".
واستغرب كمال الدين خلال حديثه "لماذا لم يطلبوا منّا إلغاء الندوة قبل يومين أو يوم، أو حتى ساعتين على الأقل لنعتذر من الضيوف، هذا المنع ليس في صالح لا الجمعيات ولا في صالح البلاد حتى، هذه ندوة تعالج القضية الفلسطينيّة فقط"، لافتًا إلى أنّه "وبعض دقائق هاتفتني مسؤولة هذا الشخص الذي طلب مني ايقاف الندوة، لكنّني أيضًا رفضت ذلك مع أنّها أخبرتني بأنّه قد ينتج تبعات لرفض إيقاف الندوة".
وأردف لموقعنا بالقول: "بعد فشل هذه المحاولات تواصلوا مع جمعية الشباب الديمقراطي البحريني، وبحكم أنّهم المسؤولون تقنيًا عن هذه الندوة تم إيقاف الندوة لنتفادى التبعات، ونحن نعتذر صدقًا للآلاف الذين كانوا يتابعون الندوة، ونأمل تعويضها في وقتٍ لاحق".
الشعب الخليجي كبقية الشعوب العربية لن يرضى بالتطبيع
وفي هذا السياق، قال كمال الدين أنّ "عملية التطبيع يجب ألا تمر مرور الكرام، ويجب توعية المواطنين بخطورة هذا الأمر، ونحن نسترشد دائمًا بشعبنا في الأردن ومصر ورغم الاعلان الرسمي عن التطبيع إلا أنّ العدو الصهيوني لم يستطع أن يخترق هذه الشعوب الحرّة، فلذلك نحن في الخليج مثلنا مثل هذه الأمّة العربيّة"، مشددًا بالقول "نحن واثقون 100% بأنّه لن يكون هناك إنسان واحد في منطقة الخليج ومنذ النكبة الفلسطينيّة ضد نصرة الشعب الفلسطيني، وكل الأصوات التي تخرج لتقول أن الشعب الفلسطيني باع أرضه هي أصوات غريبة، هذه قضية شعب شرِّد من أرضه"، وهناك قرار في الأمم المتحدة بعودة اللاجئين الفلسطينيين، وهذا القرار لم ينفّذ لأن هذه الكيان فوق القانون والأعراف الدوليّة كلها".
وأكَّد في ختام حديثه لموقعنا أنّه "يجب أن تتكاتف كل الشعوب ضد هذه الدولة العنصريّة كما تكاتفت في السابق لوأد النظام العنصري في جنوب أفريقيا، وتكتّل كل العالم حتى إسقاطه، هذا نظام عنصري يجب مواجهته، وهذا ما نريد أن نوضحه للعالم أجمع".
صفقة القرن ببعدها "الثقافي"
وفي بداية الندوة التي لم تكتمل، تحدّث هيثم عبدو عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حول المناعة الوطنيّة والقوميّة في درء خطر التطبيع، إذ أكَّد أنّ "التطبيع يشكّل اليوم عبر مفرداته الجديدة البعد الثقافي لما يُسمى "صفقة القرن"، وذلك من خلال تعميم مبرمج لثقافة الهزيمة عبر هجوم تطبيعي صهيوني يمس الضمير الجمعي لشعوب المنطقة بأسرها وخاصة أنه يُصيب الثقافة وهي روح الأمّة".
وأوضح عبدو أنّ "الاحتلال بعد احتلال الأرض يسعى لاحتلال الإرادة، وبعد تشتيت ونفي الشعب الفلسطيني يسعى إلى نفى فلسطيني أي اغتيالها كروايةٍ وفكرةٍ وتاريخ وحق وقضية"، موجهًا التحيّة "لكل أبناء الخليج العربي الرافضين للتطبيع، وهناك دلالات لهذه الندوة في البحرين العزيز وما يحتوى من نبض ثقافي وطني أصيل".
وبيّن أيضًا أنّ "البرامج الساقطة التي تبث عبر بعض القنوات، والمسلسلات التلفزيونيّة، والأفلام الدراميّة مصحوبة بتهريجاتٍ سياسيّة هابطة تتنكّر لفلسطين القضية ولكل عربي أصيل"، مُشيرًا أنّ "كل محاولات تسويق الرواية الصهيونيّة المزيّفة لن تمر، حتى من خلال قناة الدراما العربيّة وإدخالها إلى كل بيتٍ وأسرة خدمةً للكيان الصهيوني المجرم الذي يدّعي أنّه بات لدولته الغاصبة عمقٌ عربي، هذه مكافئة على اغتصاب فلسطين وتدنيس القدس وضم الجولان، وصولاً إلى خطة غانتس لضم الضفة وإقامة إسرائيل الكبرى في فلسطين".
ولفت إلى أنّ "كيان الاحتلال يسعى لأن يكون دولة طبيعيّة مندمجة في المنطقة دون اشتراط استباق عملية التطبيع بالتسوية أو بإحقاق الحق الفلسطيني كما كان يروَّج له سابقًا"، مُؤكدًا أنّ "هذا الوهم سيزول، والتخيّل أن المشروع الإمبريالي الرجعي سيشق طريقه في المنطقة بسهولة هو وهم، فالمقاومة ما زالت تعتمر فينا ولن تكون قاصرة على مواجهته وهزيمته".
المناعة الوطنيّة
وفي هذا السياق، أردف عبدو بالقول: "لا مواجهة إلا بالوحدة الوطنيّة الفلسطينيّة المبنيّة على استراتيجية وطنيّة شعبيّة تحرريّة شاملة تستعيد عناصر القوّة وتستثمر مجمل الطاقات والكفاءات والمرتكزات النضالية للمشروع الوطني الفلسطيني، والوحدة هي التي تحمي الوطنيّة الفلسطينيّة مما علق بها من خطايا التسوية وقيود الاتفاقات المذلّة والتي شكّلت مقدمة لتعميم نهج المساومة إلى مجتمعنا من خلال التنسيق الأمني المقيت أو التواصل المدني بين الضحية والجلاد".
كما أضاف أنّ "الوحدة هي المجسّدة فعليًا، وليس قولاً بالمؤسّسة الوطنيّة الفلسطينيّة وفي منظومتها الداخلية الجامعة، لذلك المطلوب استعادة دور منظمة التحرير الفلسطينيّة الناظم الموحّد والمعبّر عن كفاح الشعب الفلسطيني، وعلى أساس نظامها وآليات بنائها الديمقراطي والتشاركي ومشروعها التحرّري الوطني، وهي في ذات الوقت استعادة الرموز البطوليّة لكفاح الشعب الفلسطيني ومقاومته وحقوقه الوطنيّة المشروعة وقضيته العادلة وقيم الفداء والعطاء والتضحية والثبات والحرية وصمود الأسرى والشهادة".
المناعة القوميّة
"بالنسبة لرؤية الجبهة، فلا مجال لمشروع عربي أصيل دون عمق حضاري تاريخي، ومن خلالها ترى أن فلسطين تتقدّم أو تتأخّر، تُهزم أو تنتصر في عمليّة تاريخيّة شاملة لا يقوم بها شعب فلسطين وحده، وليس باستطاعته وحده أن يقوم بذلك خاصة أمام عدو إمبريالي صهيوني مدجج بأدوات الفتك الرجعيّة وتكنولوجيا الموت، لذلك لابد من المقاومة العربيّة الشاملة تفرضها العلاقات العضويّة والجدليّة بين الوطني والقومي ودلالته الثقافيّة والتاريخيّة في بناء الذات العربيّة، ولنخرج من دائرة الهويات المبعثرة والمتصارعة وهدر الطاقات ونسف الامكانيات نحو انعاش الهويّة الوطنيّة بالفكرة العربيّة الجامعة والتي يجسدها المشروع النهضوي العربي"، يُكمل عبدو.
كما أكَّد على ضرورة "زيادة المناعة الوطنية وإطلاق المبادرات الشعبيّة والذاتية التي تقف سدًا منيعًا في وجه الاختراق الصهيوني"، مُشددًا أيضًا على ضرورة "إعطاء مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني العنصري بُعدًا شعبيًا حقيقيًا ومنظمًا، وليس الاكتفاء بمواقف حزبيّة وفوقيّة على أهميتها".
وأكَّد عبدو أيضًا على أهمية "التوعية الوطنيّة المستمرة على خطورة اختراق العدو لثقافتنا واقتصادنا وقيمنا وسياساتنا، واليوم باتت مساحة الصراع تتطلّب أن تتخطى الموضوع الوطني إلى القومي والإنساني"، مُطالبًا "باعتبار التصدي لسياسة التطبيع الراهنة هي دفاع عن الذات والهويّة والقضيّة الفلسطينيّة التي تصون تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، باعتبار أن التطبيع يطال الوجود ذاته".
وختم عبدو حديثه بالقول: "فلسطين قضية سياسيّة وأخلاقيّة أيضًا، هي مسألة وطنيّة وقوميّة وإنسانية كذلك كونها القضية العادلة والشريفة، ومن يكون معها لا يُمرّر المسلسل التطبيعي الانهزامي المُخزي، فلا يمكن أن تكون مع الحق والباطل معًا، أو أن تكون مع فلسطين و(إسرائيل) في وقتٍ واحد".
وفي ذات الندوة، تحدّث سلطان العامر الباحث السعودي والمرشّح لنيل درجة الدكتوراه في العلوم السياسيّة من جامعة جورج واشنطن، حول السعودية وعمليات التطبيع الجارية، إذ أوضح أنّ "دراسة مسألة التطبيع في السعودية تكون محفوفة بالمشاكل".
وأكَّد أنّ هناك "تِركة فكريّة في الوسط الثقافي العربي تسهّل عملية تصديق وتقبّل أي خبر أو إشاعة تحاول تصوير السعودية على أنّها دولة مطبّعة منذ تأسيسها إلى اليوم، وهذه التِركة في شكلها الرئيسي نابعة من شكل العلاقة القويّة بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكيّة الحليف الداعم للكيان الصهيوني في المنطقة".
وبيّن أنّه "في الآونة الأخيرة هناك رسائل متناقضة في السياسة السعودية، ويوجد خصومات كثيرة في المنطقة ما بين السعودية والعديد من الدول ما يجعل الفضاء متاحًا لمشاركة الأخبار الصحيحة والكاذبة بشكلٍ سريع، ولكن ماذا نقصد بالتطبيع؟"، مُؤكدًا أنّ "التطبيع هو تحويل غير الطبيعي إلى طبيعي، ومقاومة التطبيع في الخليج هي سياسة دفاعيّة، ومن المفترض من القوى الداعمة للقضية الفلسطينيّة في الخليج والعالم العربي أن تكون قوى داعمة للقضية الفلسطينيّة، ومقاومة التطبيع هو أضعف أشكال الدعم، ونحن نتمنى أن يكون هناك دعم أكبر بكثير من مجرد مقاومة التطبيع".
"هل السعودية دولة مطبّعة؟"
قال العامر أنّ "الجواب هو لا، لكن كل الدول العربيّة في عام 2002 قدّمت مبادرة تقول أن التطبيع هو مقابل حل الدولتين على حدود 67، وأنا أحاول تحليل هل هذا الموقف ما زال قائمًا كسياسة رسميّة للملكة السعوديّة؟، أرى أن الفترة الأخيرة حدث فيها تطورات كثيرة في المنطقة أهمها ما قام به ترامب من طرح "صفقة القرن" التي مرت بعدّة مراحل، فكيف تعاملت السعودية مع التسلسل التدريجي لوأد حل الدولتين وأي فرصة لنجاح أي شكل من أشكال وجود الدولة الفلسطينية ما بين النهر والبحر؟"، مُشيرًا "إذا تتبعنا المواقف الرسميّة سنجد أنّه في كل موقف اتخذته الولايات المتحدة هناك موقف رافض صدر عن السعوديّة، لكن المشكلة أنّه في قمة المنامة عندما اجتمع جاريد كوشنر مع مندوبي الدول العربيّة لطرح الشق الاقتصادي من "صفقة القرن" حضرت السعودية هذه القمة، وهذا هو أكثر شكل من أشكال الحضور والتأييد والمباركة للصفقة".
وأكمل العامر: "في نفس وقت طرح الصفقة أعلن وزير الخارجية السعودي تمسك المملكة بالمبادرة العربية، وعندما أعلن ترامب الشق السياسي من صفقة القرن نشرت المملكة بيانًا هلاميًا ليس واضح المعالم يؤكّد على تمسكها بالمبادرة العربية، ومن جهة أخرى يبارك ويؤيّد الخطوات الأمريكيّة في دعم مسيرة(السلام)، وفي نفس الوقت أجرت المملكة مكالمة مع محمود عباس أكدت على موقفها مع المبادرة العربيّة، وثم في القمة العربية الطارئة التي أجريت أعلنت الدول العربية عن رفضها الكلي لصفقة القرن".
وأردف العامر: "نرى هنا تحديدًا توجّهاً أمريكياً مباشراً نحو تصفية حل الدولتين وتصفية أي بقايا لأوسلو وذلك لإنهاء ما يسمى قضايا الحل الدائم مثل عودة اللاجئين والأراضي والحدود والقدس، ونجد في المقابل بالسعودية تمسكًا صارمًا بهذه القضايا مع وجود بعض المؤشرات التي تجعل هذا التمسك ضبابيًا وهلاميًا وغير محدد المعالم خصوصًا في العام الأخير".
المستوى الشعبي السعودي
وقال العامر إنّ "هناك تطورًا حدث داخل الوسط الثقافي السعودي، وفي كل مجتمع هناك تيارات فكريّة هامشيّة تعمل على هامش المجتمع تكون غالبًا مليئة بالعنصريّة ومعاداة الأجنبي والاستعلاء والفوقيّة، وهذه التيارات موجودة في السعوديّة وفلسطين ولبنان ومصر وغيرها من الدول"، مُشيرًا إلى أنّ "هذه التيارات في وقتٍ ما يحدث أنّ تتسيّد المشهد وتتحوّل من التيارات الهامشيّة إلى السائدة، أو تيارات وطنية انعزاليّة التي هي ليست جديدة في منطقتنا العربيّة"، ويُشار إلى أنّ العامر لم يُكمل حديثه بسبب إبلاغ جميع المشاركين بإلغاء الندوة من قبل السلطات.