بيوتٌ متلاصقة، أزقّةٌ بالكاد تكفي للسير فيها، ومساحاتٌ محدودة.. هُنا المخيّم، حيث تطال المعاناةُ من ظروف العيْش الصعبة الكبيرَ والصغيرَ.
وإن قررتَ زيارة المخيّم ستجد عشرات الأطفال يلهوْن في كلّ حيٍّ، في تلك الأزقّة والشوارع، التي باتت المكان الوحيد المتاح لهم للّعب!.
ارتياد المنتزهات والنوادي رفاهية لا يقدر عليها ابن المخيم
كرةُ القدم والطابة والشريدة والحجلة وغيرها من الألعاب التقليدية، مَلاذ الأطفال للّعب وقضاء أوقات فراغهم، ولن تخلو هذه الألعاب من الشجارات التي تصل حدّ تدخّل العائلات، نظرًا لانعدام الخصوصية واللّعب في أماكن غير مؤهّلة، وأمام المنازل، التي تتشارك في الأسطح والجدران.
أهالي المخيم الذين يعانون من تدهورٍ مستمرّ في أوضاعهم المعيشية والنفسية، ويعجزون في كثير من الأحيان عن توفير قوت أطفالها، لا حيلة لهم إلّا السماح لأطفالهم بالخروج للّعب "في الشارع"- كما قال معظمهم لـ بوابة اللاجئين الفلسطينيين، فلا قدرة مادية لاصطحاب الأطفال إلى أماكن الترفيه وسط المدينة.
المخيم مكتظ وبيوته متلاصقة وأعداد السكان تتزايد بما ينعكس سلبًا على الحالة النفسية للأطفال وذويهم.
يقول اللاجئ محمد أبو سويلم، لبوابة اللاجئين الفلسطينيين، وهو يقطن في مخيم الشاطئ، ثالث أكبر مخيمات اللاجئين الثمانية في قطاع غزة "لا توجد أماكن خاصة لترفيه الأطفال داخل المخيم (ما تسمى مساحات آمنة للّعب)، والمكان الوحيد المتاح لذلك هو الشارع، الذي يفتقر إلى الأمان، كما أنه غير مهيأ لهذا الغرض.
ويعيش في مخيم الشاطئ أكثر من 85,628 لاجئاً، على مساحة لا تزيد عن 0.52 كيلومتر مربع فقط.
يضيف الأب الثلاثيني "حاليًا، انعدمت أماكن الترفيه، لم يتبقّ منها إلا المتنزه الذي لا تتعدى مساحته دونمًا واحدًا فقط. كانت ترعاه البلدية، وتنظم التواجد فيه، لكنه مُهمَلٌ الآن.
أبو سويلم والد لثمانية أطفال، يتابع:" تحول جزء من المتنزه إلى إسطبل وجزء آخر تم الاستيلاء عليه من أشخاص ذو نفوذ وتم تحويله إلى ملعب كرة معشب تبلغ تكلفة حجزه 20 دولارًا في الساعة الواحدة، على حد قوله.
يتابع: "المخيم مكتظ وبيوته متلاصقة وأعداد السكان تتزايد بما ينعكس سلبًا على الحالة النفسية للأطفال وذويهم، وبدوره يؤدي إلى حدوث مشاكل ومشاحنات بين العائلات في أغلب الأوقات، فلا ملاذ للطفل للعب إلى على باب بيته والشارع ، مضيفًا ابو سويلم باب البيت لا يتعدى 4 متر، والطفل يريد أن يلعب شتى أنواع الألعاب، و لا يعلم أن هناك أحد الجيران بحاجة إلى أن يأخذ قسط من الراحة ما يعرفه أنه يريد أن يلبي رغباته".
المكان الترفيهي بالنسبة للأطفال هنا هو ذاته المنزل، أو الساحة الضيقة أمامه.
مخيم جباليا، أكبر مخيمات القطاع، يعيش ذات الظروف، وذات الاكتظاظ، إذ يقطنه 113,990 لاجئًا، في مساحة تبلغ 1.4 كيلومترًا مربعًا.
اللاجئة دعاء شاهين، من سكان المخيم، قالت لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "لا توجد مساحات آمنة للعب الأطفال، الذين يضطرون للعب أمام بيوتهم، وفي الشوارع، ما يزيد من خطر تعرضهم للدهس من المركبات المارة".
وليس لهؤلاء الأطفال سوى الألعاب التقليدية، التي عادة ما تتسبب بمضايقات وإزعاج للجيران، تقول دعاء.
وتتابع "كان هناك متنزه في معسكر جباليا، تم تحويله فيما بعد إلى مستشفى". لافتةً إلى أن المواطنين يجدون صعوبة في اصطحاب أطفالهم إلى الأماكن الترفيهية، فهي بعيدة -نسبيًا- عن المخيم، بالإضافة إلى أنها مكلفة، مقارنة بمتوسط دخلهم".
وتكمل "المكان الترفيهي بالنسبة للأطفال هنا هو ذاته المنزل، أو الساحة الضيقة أمام منزله، فيها يلعب الغميضة والشريدة وبيت بيوت، وحتى الكرة، وهذا له انعكاسات سلبية على الأطفال، الذين لا يمكنهم تفريغ طاقاتهم وتنمية قدراتهم ومهاراتهم".
وفي هذا الصدد، بيّنت دعاء أثر جائحة كورونا على الأطفال، إذ دفعتهم لالتزام المنازل بشكل أكبر، فحتى اللعب في الأزقة وساحات المخيم لم يعد ممكنًا.
بالتوجّه جنوبًا، إلى مخيّم النصيرات، وسط القطاع، ويقطنه أكثر من 80,194 لاجئًا، يقول رامي أبو شاويش، من المخيّم، "بيئة المخيمات كما هو متعارف عنها، عبارة عن أزقة وشوارع ضيقة، أغلبها غير مرصوفٍ، وتفتقر إلى الملاعب والمتنزهات وأماكن الترفيه".
ويُضيف ابن مخيّم النصيرات "هذا يجعل الأطفال يتزاحمون معظم الوقت على أبواب المخيم، وفي الأزقّة، فالبيوت ضيقة المساحة، وتعداد السكان كبير، وعليه لا يكون أمامهم سوى الشارع لقضاء أوقات فراغهم واللّعب".
ويزيد "هُنا في المخيم متنزهٌ واحد فقط، صغير المساحة، وكل أبناء المخيم يتوافدون عليه"، لافتًا إلى وجود ملاعب خاصة، استثمارية وغير مجانية، لكن الأهالي لا يستطيعون إرسال أبنائهم إليها، بسبب تكلفتها المادية، في ظل الوضع الاقتصادي المتردّي".
أسواق المخيم ملاعب
ومن المخيم ذاته، يقول اللاجئ أسامة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: "غالبية الأطفال هنا يتّخذون من المساحة الواسعة المقام عليها سوق النصيرات المركزي مكانًا للترفيه، وقضاء أوقات فراغهم، وبالطبع هو غير مؤهل ليكون مكانًا آمنًا للعب الأطفال، كما يفتقد للإنارة الكافية".
ولا يقتصر الأمر على الأطفال، بل والكبار أيضًا، يتواجدون في المكان، ويضطرّون للجلوس على الأرض، فلا مقاعد مخصصة للجلوس في السوق، فضلًا عن وجود مسلخ قريب، يبعث روائح كريهة في المنطقة.
جدير بالذكر أنّ السوق يبعد أقل من 10 مترات عن الطريق الرئيسي، الذي يصل منطقة السوق بمخيم 2 والزوايدة ودير البلح، وهو مكتظ دومًا بالمارة والمركبات، ما يزيد الخطر على الأطفال، ويُعرضهم للدهس خلال اللعب في المحيط.
الطفل ابن المخيم يتعرض لعنف مزدوج.
بوابة اللاجئين الفلسطينيين توجّهت إلى مديرة الحالة في مركز شؤون المرأة، الأخصائية النفسيّة، سلمى السويركي، التي قالت بدورها إنّ "افتقار المخيمات إلى أماكن الترفيه والمساحات الآمنة للّعب وغيره يُؤثّر بشكل سلبي على نفسية الأطفال، ومن العوامل التي تتسبّب بمشاكل سلوكية لديهم".
وأوضحت أنّ "الطفل حين يتشبّع بأفكار سلبية، من خلال الاحتكاك المستمر بالشارع، يتغيّر سلوكه باتجاه التعامل بعنف أكثر، كما يكتسب سلوكيات عدائية، إضافة إلى الألفاظ القبيحة".
السويركي أضافت أنّ "الأطفال بحاجة إلى توفير مساحات آمنة لهم، في كل منطقة من مناطق المخيمات، سيّما وأنّ قطاع غزة بات بيئة مُهدِّدة للطفل من ناحية سهولة اكتسابه السلوك العنيف، وذلك بفعل تعرض لقطاع لاعتداءات (إسرائيلية) متكررة".
وأكّدت المختصّة النفسيّة أنّ "الطفل ابن المخيم، يتعرض لعنف مزدوج؛ حيث العنف العائلي وكذلك العنف الذي يتعرض له من المحيط الخارجي، نتيجة عدم تفريغ طاقاته المكبوتة، والتي يترتب عنها مشاكل نفسية متعددة، منها العصبية والعدوانية والعنف وكذلك الانطوائية ".
ولفتت إلى أنّ "إشغال الطفل من أهم طرق علاجه من المشاكل السلوكية التي يتعرض لها خلال مرحلة الطفولة"، لكن يبقى العائق، وفق ما أوضحته السويركي هو كيفية إشغال هذا الطفل، في ظلّ "ضيق مساحة المنزل، والوضع الاقتصادي المتردّي للأهل".