هو رسام الكاريكاتور الأبرز فلسطينياً وعربياً، وأكثرهم إثارة للجدل في حياته وبعد موته، لاذع، رافض، صارم، لا يساوم، ورسوماته لا تقف عند أي حدود، بل تطال كل من يمس بأرضه ووطنه.
هذه بعض من صفات تميز بها الشهيد ناجي العلي، ابن قرية الشجرة ومخيم عين الحلوة. تزوج من وداد صالح نصر، من بلدة صفورية، وأنجب منها أربعة أولاد هم: خالد وأسامة وليال وجودي.
أنا قعدت 20 سنة بالمخيم ما واحد التفت إلي بصدق يعني مش أنا كناجي أنا كإنسان فلسطيني بالمخيم
من رحم السجون يولد الإبداع
لا تاريخ محدد لولادة ناجي العلي، وأكثر المتداول أنه كان في عام 1937، فيما يرى آخرون، أنه ولد عام 1938، على اعتبار أن "حنظلة" يبلغ من العمر عشر سنين.
هُجر وعائلته المزارعة الفقيرة من قرية الشجرة بين طبرية والناصرة بفعل المجازر الصهيونية عامي 1947 و1948 في فلسطين، ليترعرع في مخيم عين الحلوة بمدينة صيدا في الجنوب اللبناني.
تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة "اتحاد الكنائس المسيحية" حتى حصوله على شهادة "السرتفيكا" اللبنانية، لكنه ما لبث وأن انقطع التعليم النظامي، وعمل في قطف الحمضيات والزيتون.
قيل إن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلته وهو صبي بسبب نشاطه "المعادي" لها، ولكن لم تؤكد الحادثة بزمان ومكان وحدث معينون.
بعد فترة، اتجه شمالاً، نحو منطقة القبة في مدينة طرابلس، بهدف تعلم ميكانيكا السيارات في إحدى مدارسها المهنية، ليسافر، بعد نيل شهادته، إلى السعودية حيث عمل لسنتين.
في عام 1959، حاول العلي أن ينضم إلى حركة القوميين العرب، دون جدوى، وذلك لأنه وخلال سنة واحدة، أبعد أربع مرات عن التنظيم، جراء عدم انضباطه في العمل الحزبي .
بعد عام، أصدر نشرة سياسية بخط اليد مع بعض رفاقه في حركة القوميين العرب تدعى "الصرخة".
وفي العام ذاته، التحق بالأكاديمية اللبنانية للرسم، لكنه لم يتمكن من المداومة فيها سوى أسابيع معدودة، بسبب ملاحقته من قبل الشرطة اللبنانية بسبب نشاطه السياسي ليتنقل بين عدة سجون.
داخل تلك السجون، تطورت موهبته في التعبير بالرسم، حيث كان يملأ جدرانها بالرسومات.
بعد ذلك ، ذهب إلى مدينة صور ودرس الرسم في الكلية الجعفرية لمدة ثلاث سنوات .
موهوب يكتشف موهوباً
قال ناجي العلي، في إحدى مقابلاته التلفزيونية النادرة جداً: "أنا قعدت 20 سنة بالمخيم ما واحد التفت إلي بصدق يعني مش أنا كناجي أنا كإنسان فلسطيني بالمخيم".
هذا الشاب المتألم من واقع اللجوء والتنكر للاجئين الفلسطينيين من أطراف عدة، عبر عن مكنوناته الداخلية على جدران المخيم، وخلال زيارة للمناضل الشهيد، غسان كنفاني، إلى مخيم عين الحلوة، لمح بعينيه الثاقبتين، موهبة ناجي العلي المنتشرة على الجدران.
توج هذا الإعجاب بنشر كنفاني أول لوحة لناجي العلي في العدد 88 من مجلة "الحرية" في 25 أيلول/سبتمبر 1961.
بين لبنان والكويت
تنقل العلي بين الكويت ولبنان ناشراً رسوماته في العديد من الصحف والمجلات.
كان انتقاله الأول إلى الكويت في عام 1963، حيث عمل في مجلة "الطليعة" رساماً ومخرجاً ومحرراً صحافياً، وذلك في سبيل تحقيق حلمه المتمثل بدراسة الفن في القاهرة أو روما.
بعد أعوام خمسة، انتقل العلي للعمل في جريدة "السياسة الكويتية"، والتي استمر فيها لسنة 1975.
وخلال عام 1974، بدأ العلي عمله مع جريدة "السفير" اللبنانية، ليستمر معها تسعة أعوام.
انتخب العلي رئيساً لرابطة الكاريكاتير العربي في عام 1979، ثم عاد إلى الكويت للعمل في جريدة "القبس"، وبقي فيها مدة عامين قبل أن يُرحل وينتقل إلى بريطانيا عام 1985 ويعمل في جريدة "القبس" الدولية.
حسيت إنه نه هذا رمز ذاتي إلي، كابن مخيم حافي، ما عندوش استعداد يعني إنه يراوغ بالحقيقة ويقول الحقيقة وما يخسر شيء
"حنظلة" ابن أفكاره والملازم للوحاته
كان شخصية "حنظلة"، الملازم الدائم لرسومات ناجي العلي. وهو صبي ذو 10 أعوام يمثل العلي حين أجبر على ترك فلسطين، ولن يزيد عمره حتى يستطيع العودة إلى وطنه.
قال العلي في مقابلة تلفزيونية، شارحاً فكرة "حنظلة": "حسيت إنه هذا رمز ذاتي إلي كابن مخيم حافي ما عندوش استعداد يعني إنه يراوغ بالحقيقة ويقول الحقيقة وما يخسر شيء. وبالتالي يمكن إنه بدأت فيه بتشكيله إنه هذا إله هوية فلسطينية إنه هذا ابن مخيم، وأخيراً صرت أتعامل معه فكرياً على أساس إنه هذا هويته لا هذا إله هوية قومية. ولما أدركت يعني بالسنوات الأخيرة وعيي تكامل بحدود حسيت إنه هذا إله هوية إنسانية".
وأضاف عن "حنظلة": "عم بسجل حضور يومي إنه لا يزال في نفس المقاوم ونفس الروح النضالية والتحريض على رد هذا الواقع الاستسلامي والتصدي إله".
كان العلي ناقداً لاذعاً، لم تعرف رسوماته أي مهادنة أو مساومة، وطالما كان يردد: "اللي بدو يكتب لفلسطين، واللي بدو يرسم لفلسطين، بدو يعرف حالو: ميت".
ولإدراك مدى شغف العلي في رسوماته والصرامة التي تمثلت فيها، نقتبس في كلامه في مقابلة مع التلفزيون الكويتي: "فأنا أي حدث بحس فيه برسمه لو عارف مش إنه بده ينمنع لو بعرف فيها حياتي مقابله وبريح نفس وبريح ضميري يعني".
مثّلت فلسطين قضية عاش واغتيل العلي لأجلها، رافضاً ما اعتبره الواقع المساوم: "رموزي يلي بهمني إنه تصل للناس يعني أنا الواقع مش راضي عنه ولا بأي حال من الحالات مش لأني خسران فلسطين يعني أنا عندي فلسطين قصة كبيرة يعني فلسطين ما هي الوضع الجغرافي تبعها فلسطين عندي رمز صارت قضية لكل شيء بنشده أي إنسان يعني وعملية التحرر والعدالة والديمقراطية".
كما كانت للعلي شخصيات أخرى تتكرر في الرسوم، بينها الشخصية الفلسطينية فاطمة، وزوجها المنكسر أحياناً، جراء الخيبات السياسية العربية وتداعياتها على القضية الفلسطينية.
نشر ناجي العلي ما يربو عن 40 ألف لوحة كاريكاتورية طيلة حياته الفنية، عدا عن المحظورات التي مازالت حبيسة الأدراج.
واختارته صحيفة "اساهي" اليابانية كواحد من بين أشهر عشرة رسامي كاريكاتير في العالم.
هل تنبأ العلي بمصيره؟
طالما تحدث العلي عن أن المصير الحتمي لمن يكتب أو يرسم لفلسطين هو الموت.
وبالفعل، في 22 تموز/يوليو 1987، أصابت رأسه رصاصة غادرة حينما كان يترجل من سيارته إلى مكتب صحيفة "القبس" في لندن، دخل على إثرها غيبوبة استمرت 5 أسابيع، واستشهد في 29 آب/أغسطس 1987.
وخلافاً لرغبته بالدفن في مخيم عين الحلوة حيث قبر والده.. دفن في لندن.
في آب/ أغسطس 2017 بالتزامن مع الذكرى الثلاثين لاستشهاده، أعادت الشرطة االبريطانية فتح التحقيق بعملية اغتيال ناجي العلي.
وقالت الشرطة البريطانية حينها إنها تريد من وحدة مكافحة الإرهاب التابعة لها الحصول على معلومات عن الرجل الذي كان يحمل سلاحاً وآخر شوهد يقود سيارة مغادراً موقع الحادث.
وقال رئيس قيادة مكافحة الإرهاب في الشرطة البريطانية "دين هيبدن": "شوهد المسلح يتبع ناجي العلي لمدة 40 ثانية قبل أن يطلق النار عليه، ورغم قصر مدة الهجوم تمكن الشهود من توصيف المشتبه به وصفاً جيداً، حيث شوهد رجل آخر وصف بأنه خمسيني ومظهره يدل على أنه من الشرق الأوسط، يركض ويده اليسرى في جيب معطفه الأيمن وكأنه يخفي شيئا، ودخل في سيارة مرسيدس فضية بعد الجريمة"
وقد عثر على مسدس من نوع توكاريف عيار7.62، في مساحة مفتوحة في بادينغتون في 22 أبريل / نيسان 1989، أي بعد عامين من حادث الاغتيال.
وأضاف هيبدن "يمكن أن يتغير الكثير في 30 عاماً، فمن الممكن أن تتغير الولاءات، وبالتالي فإن الأشخاص الذين لم يكونوا على استعداد للتحدث في ما مضى ربما يبدون اليوم استعداداً لتقديم معلومات حاسمة".
ورغم إعادة فتح التحقيق إلا أن جديداً في القضية لم يظهر، ولم يثبت تورط رئيس اللجنة التنفيذية السابق لمنظمة التحرير ياسر عرفات بمقتل العلي، بعد تعالي أصوات كثيرة باتهامه بناء على استنتاجات بأن رسومات العلي كانت تغضب عرفات.
ويذهب فريق آخر إلى أنه من غير المنطق هذا الاتهام لعرفات، خاصة وأنه ينفي التهمة عن الاحتلال الإسرائيلي وجهاز استخبارته "الموساد" الذي له تاريخ طويل في استهداف الحركة الفكرية والثقافية والسياسية الفلسطينية باغتيال أركانها كغسان كنفاني و ماجد أبو شرار وشهداء جريمة فردان (كمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار) وغيرهم الكثير
وإلى اليوم لم تحدد تفاصيل جريمة اغتيال ناجي العلي، أبرز كاريكاتير فلسطيني وعربي، ولد من رحم اللجوء واستطاع نقل القضية الفلسطينية إلى العالم من خلال لوحاته.
شاهد الفيديو