أعلنت رئاسة السلطة الفلسطينية في رام الله رفضها لاتفاق التطبيع الكامل بين دولة الإمارات العربيّة المتحدة والكيان الإسرائيلي، في رد فعل رسمي اعتبرت فيه الاتفاق "نسفا للمبادرة العربية للسلام وقرارات القمم العربية، والإسلامية، والشرعية الدولية، وعدوانا على الشعب الفلسطيني، وتفريطا بالحقوق الفلسطينية والمقدسات، وعلى رأسها القدس والدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع حزيران للعام 1967".
جاء ذلك على لسان الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، في بيان متلفز الخميس 13 آب/ أغسطس، الذي طالب "بالتراجع الفوري عن هذا الإعلان المشين" معبّراً عن "رفض القيادة الفلسطينية مقايضة تعليق ضم غير شرعي بتطبيع إماراتي واستخدام القضية الفلسطينية غطاء لهذا الغرض".
ومن جانبها، اعتبرت حركة "حماس" في بيان صحفي، أنّ الاتفاق "يشكّل خروجاً عن التوافق العربي والإسلامي، وضرباً للأمن القومي العربي، وتحدياً لإرادة شعوب الأمة العربية والإسلامية وقواها الحية المتمسكة بفلسطين ومقدساتها الإسلامية والمسيحية".
وقالت الحركة، إنّ "هذه الخطوة الجبانة تشكل اعتداءً صارخًا على حقوقنا الدينية والقومية والوطنية والتاريخية في فلسطين، وطعنة غادرة في ظهر الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة، ومحاولة بائسة للتأثير على مساره النضالي والمقاوم الهادف إلى دحر وهزيمة الاحتلال، وإنجاز الحقوق الوطنية الثابتة".
الموقف الرسمي الفلسطيني ليس بخارج عن المسار الرسمي العربي
مواقف رسميّة من أكبر كيانين فلسطينيين فاعلين على الساحة، لم تخرج عن سياق "حل الدولتين" الذي ثبتّه التوافق العربي ضمن المبادرة العربيّة عام 2002، في حين تلمّح الإمارات العربيّة المتحدة إلى أنّ خطوتها التطبيعية، بمثابة خدمة لهذا الحل، بما تضمنتها من "ثني اسرائيل عن تنفيذ مخطط ضم أراضي الضفّة الغربيّة" وفق مقتضيات "حل الدولتين" المثبّت والمكرّس في الذهنية السياسية الرسمية العربيّة إزاء القضيّة الفلسطينية، وكذلك في الجسم السياسي الفلسطيني، وهو ما اعتبره مُراقبون أنّه لا يمثّل خلافاً جذريّاً بين الذهنيتين، حول مسألة التطبيع مع الكيان الاسرائيلي، سوى بالتوقيت والحيثيات وبعض التفاصيل.
الكاتب والباحث السياسي الفلسطيني حيّان جابر، رأى في الموقف الفلسطيني الرسمي سواء الصادر عن السلطة الفلسطينية ومن خلفها منظمة التحرير، وحركة "حماس" يعكس تمسّكاً بطرح الدولتين كـ"خيار نضالي"، بغض النظر عن مسارات تطبيقه سواء عبر التفاوض أو سواه.
وقال في تعليق لـ" بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إنّ بيانات القوى الفلسطينية، منسجمة مع الموقف العربي، المتمثل بمبادرة السلام العربيّة التي تبنتها كل الدول دون استثناء، والمباحثات المستمرة منذ اتفاق مدريد حتّى اليوم" مشيراً إلى أنّ "الخلاف في الموقف العربي الذي يتبناه الجسم السياسي الفلسطيني، ليس حول التطبيع انما حول توقيت التطبيع، وهذا لا يمكن اعتباره خلافاً جذريّاً".
ولفت جابر، إلى أنّه لا خلاف فعليّاً بين ما إذا حدث التطبيع وفق مبادرة السلام العربيّة وثوابت " حل الدولتين" بعد تنفيذ المبادرة العربيّة، وبين سلوك الإمارات، سوى بأنّ الأولى مرهونة بالتوصّل لاتفاق "سلام" مع الجانب الفلسطيني، بغض النظر ما اذا كان الاتفاق سيشكل تجسيداً حقيقيّاً لـ"حل الدولتين" أم لا.
خطوة نحو " صفقة القرن" ورسالة هزيمة للسلطة أزاء مشروع الضم
ويبدو واضحاً، أنّ الجانب الإماراتي يصرّ على تظهير الخطوة التطبيعية مع الكيان الإسرائيلي، كموقف "تاريخي داعم للحق الفلسطيني" ويصر على إبراز مسألة "تراجع" الاحتلال عن ضم أراضي الضفّة الغربيّة، وكأن الإمارات قد قررت أن تنحو منفردة في مسار التسوية المتفق عليه عربياً، بمعزل عن الاجماع العربي، وفي تنحية للجانب الفلسطيني، الّا أنّ في الواقع ما يشير إلى عكس ذلك.
ورأى الباحث جابر في هذا الصدد، أنّ التطبيع الاماراتي فعليّاً، هو سير باتجاه تطبيق "صفقة القرن" بشكل يتجاوز الرؤية النظرية لـ"حل الدولتين" والمبادرة العربيّة وسواها من إعلانات ذات صلّة بهذا الحل، وهو بمثابة إعلان قبول جانب عربي بالصفقة وهو الإمارات، وإشادة مبدئيّة من قبل مصر والبحرين بها.
وأوضح جابر، أنّ الذي اتضح خلال وقت قصير بعد الإعلان الإماراتي، أنّه لا تراجع عن تنفيذ مخطط الضم الذي يرمي إليه رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتياهو في حزيران/ يونيو الفائت، بينما هو مجرد إعادة جدولة إن صح التعبير، لأنّه أساساً لم يكن هناك تحديداً جازماً لموعد إعلان التنفيذ من قبل نتياهو حيث كان مُقرراً في الأوّل من تموز/ يوليو الفائت، لذلك" لا يمكننا اعتبار أن هناك تراجعاً عن مخطط الضم، إنّما كان هناك صعوبة في تنفيذه، وهو الذي تم سواء بتطبيع إماراتي أم دونه".
ولفت جابر، إلى أنّ الغرض من ربط التطبيع الإماراتي بتراجع "إسرائيل" عن مشروع الضم، جاء على شكل رسالة للسلطة الفلسطينية، التي حاولت سابقاً تظهير وتسويق التراجع الإسرائيلي عن إعلان الضمّ وكأنّه انتصاراً لها "حيث أنّ البعد في توقيت إعلان هذا التطبيع، تمثّل وكأنّ الإماراتيين والإسرائليين والإمريكان تعمّدوا إثبات فشل خطوات الرد الفلسطيني الرسمي على مشروع الضم، التي تمثّلت بشكل أساسي بتعليق جميع اشكال التنسيق الأمني، كما بدا ظاهريّاً على الأقل" حسبما أضاف.
وأشار، إلى أنّ مفاد الرسالة الإماراتيّة للفلسطينيين بأنّه " لا انتصاراً فلسطينياً على مشروع الضم" فيه شيء من الصحّة، نظرا لكون الرد الفلسطيني كان غير مدروس، ولم يأت بالتنسيق بين كافة مكونات الشعب الفلسطيني، وجاء في أجواء مواصلة الإنقسام والتراشق بين " فتح" و"حماس" ولم يشهد تجسيداً حقيقياً للمؤتمر المشترك الذي جمع جبريل الرجوب من طرف السلطة، بصالح العاروري من طرف حركة حماس في سياق خطوات الرد على مشروع نتياهو.
لا تناقض جوهري بين رؤية "حل الدولتين" و" صفقة القرن"
وفيما تصر سواء القيادة الفلسطينية الممثلّة بالسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير من جهة، وحركة "حماس" وما أقرّته بوثيقة المبادئ خاصتها عام 2017 الرامية إلى دولة فلسطينية على حدود حزيران 1967 من الجهة الثانيّة، تظهر ردود فعلها غير خارجة عن طروحات التسوية المستجّدة كـ"صفقة القرن"، سوى ببعض التفاصيل، وهي تفاصيل هامشيّة وفق الباحث جابر.
وقال في هذا الشأن، إنّ "التناقض بين حل الدولتين وصفقة القرن هو تناقض هامشي من حيث الجوهر، والفرق أنّ قرابة 30% من مساحة الدولة سيجري قضمها ولكن كلا الأمرين قائمان على ذات المبدأ الذي يحقق ضمان استمرار اسرائيل والحفاظ على أمنها وضمان استمرار الهجرة اليهودية نحو فلسطين" مضيفاً "أنّ الكيان الفلسطيني وفقهما، سيكون هلاميًّا، وإن أمكن تسميته دولة في مرحلة من المراحل إن وصلنا إليها".
انتصار سياسي لترمب وهزيمة جديدة للشعوب العربية
ولم يخرج إعلان الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي برعاية أمريكية، عن سياق التوظيف الأمريكي للـ"نجاحات" السياسية الخارجيّة للرئيس دونلد ترمب، فعلى الصعيد الدولي منح ذلك ترمب ورقة ممكن تسويقها كانتصار لسياسته الخارجية وسينعكس على الوسط الداخلي الأمريكي في سياق الحملة الانتخابيّة له، وفق الباحث جابر، بينما نالت "إسرائيل" انتصاراً مجّانيّاً، وكسبت حليفاً علنيّاً جديداً سيوضح التحالفات الإليمية بشكل أكبر في المرحلة المقبلة حسبما أضاف.
من ناحية ثانية، رأى جابر، أنّ الخطوة الإماراتيّة في هي نتاج "مأزق الحراك الشعبي العربي، ومحاولة الإعلان عن هزيمته، بتكريس مشروع هيمنة يستند الى منطق القوة في مواجهة منطق الحق، ولا يستند الى شرعية الشارع العربي بقدر ما تستند على شرعية الحاكم العربي".
وأضاف، أنّ ما حدث، هو "محاولة لتثبيت هيمنة منطق القوة على المنطقة، ليس فقط بالمنطق الاسرائيلي الذي كنا نلمسه بالهيمنة على الأرض، بل محاولة هيمنة سلطوية عربية، بتكريس تهميش الشارع العربي ورأيه سواء بالسياسات الخارجية أم الداخلية" رابطاً توقيت الإعلان كذلك بما تشهده المنطقة من تصاعد في الانفجارات الشعبيّة ضد الأنظمة الرسميّة، وكأنّه إعلان تحدي ومواجهة مع الشعوب التي تنزع للتحرر من هذه الأنظمة التي فرطّت بكل الحقوق الاجتماعية والقومية.