هل سيأتي أم لا يأتي؟ الموظفون في تركيا يجدون صعوبة في الاجابة بشكل حاسم على هذا السؤال. والمقصود هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. لأنه حسب مصدر تركي سيقوم بزيارة إسرائيل في شهر أيلول/سبتمبر. واذا تمت هذه الزيارة فسيلتقي أردوغان مع رئيس الدولة ورئيس الحكومة وسيزور ايضا المسجد الأقصى.
ليس واضحا بعد إذا كان أردوغان سيلتقي مع محمود عباس (أبو مازن)، حيث إنه من المفروض أن يلتقي الاثنان في أنقرة في نهاية شهر آب/أغسطس. في جميع الحالات، إذا وصل أردوغان إلى إسرائيل فسيكون ذلك تصريحا واضحا بأن العلاقات الرسمية تغلبت على جميع العقبات. اتفاق المصالحة الذي صادق عليه البرلمان سيدخل إلى حيز التنفيذ. وفي الوقت الحالي على الأقل تكف إسرائيل عن كونها دولة شيطانية في تركيا.
أردوغان سيستكمل، بهذا الشكل، جولة مصالحته مع «دولتين معاديتين»، روسيا وإسرائيل، بعد لقائه في بداية الشهر مع فلادمير بوتين والتوقيع على اتفاق تعاون عسكري واستخباري وسياسي مع روسيا. هذا الاتفاق سيُمكن الطائرات الروسية من استخدام مواقع سلاح الجو في انجرلك، التي تستخدمها قوات التحالف الدولي ضد داعش.
حول امكانية استئناف التعاون العسكري بين تركيا وإسرائيل في أعقاب استئناف العلاقات، أجاب ضابط رفيع المستوى في الجيش الإسرائيلي قائلا «ما زالت الطريق طويلة. فالمصالحة لا تزيل الشكوك الإسرائيلية، حيث إنه توجد لتركيا علاقات قوية مع إيران التي تؤيد حماس».
في الوقت الذي بدأ فيه استئناف العلاقات مع تركيا فإنه يؤتي ثماره، لا سيما في المجال الاقتصادي – الشركات الروسية عادت لعملها الاعتيادي في تركيا، وايضا تم استئناف التصدير من تركيا إلى روسيا ـ فإن العلاقات بين أردوغان وألمانيا تزداد خطورة، الامر الذي يهدد اتفاق تبادل اللاجئين الذي تم التوقيع عليه بين تركيا والاتحاد الاوروبي. الضربة الاخيرة التي تلقتها هذه العلاقات كانت تقرير وزارة الداخلية الالمانية الذي تم تسريبه ونشر في محطة البث الحكومية «إي.آر.دي». وقد جاء في التقرير أن تركيا تشكل مركزا لنشاط الحركات الإسلامية المتطرفة، وأن أردوغان نفسه متضامن ايديولوجيا مع حماس والاخوان المسلمين. وجاء في التقرير ايضا أن عددا كبيرا من المتطوعين الألمان في داعش لديهم جوازات سفر تركية. هذا التقرير تم نشره بعد بضعة ايام من مصادقة محكمة العدل في كيلن على طلب الشرطة منع بث فيلم فيديو لخطاب أردوغان أمام 40 ألف متظاهر في تركيا قاموا بتأييده بعد محاولة الانقلاب.
الشرطة في ألمانيا بررت المنع بذريعة خشيتها من الحاق الضرر بالأمن العام. وردا على ذلك قال الوزير التركي لشؤون الاتحاد الاوروبي، عمر تشليك، إن الحديث يدور عن الحاق الضرر بـ «الديمقراطية الالمانية». ليس فقط المظاهرات هي ما يقلق حكومة ألمانيا التي تخشى من انتقال الصراع السياسي من تركيا إلى ألمانيا. ففي ألمانيا يعمل اتحاد المساجد التركي الذي يشمل 900 مسجد في أرجاء الدولة. وأصحاب المهن الدينية في الاتحاد تقوم تركيا بتعيينهم، وهي تمول ايضا نشاطاتهم من خلال ميزانية وزارة الشؤون الدينية التابعة لمكتب رئيس الحكومة. ألمانيا نظرت بايجاب لنشاط الاتحاد، لأنها تعتبره مؤسسة تقوم بدعم تقبل الآخر والاعتدال الديني. ولكن بعد استنكار الاتحاد على تصويت 11 عضو من اعضاء البرلمان الالمان من أصل تركي، لأنهم قاموا بتأييد قرار اعتبار مذبحة الأرمن مثابة ابادة شعب، فهمت ألمانيا أن الاتحاد تحول إلى ذراع دعائية لحكومة تركيا ولأردوغان.
كل ذلك ينضم إلى الانتقادات التي تقوم ألمانيا بإسماعها، مع دول اوروبية اخرى، ضد حملة التطهير التي يقوم بها النظام التركي في الاجهزة الحكومة وفي وسائل الإعلام والجيش. عشرات آلاف المشبوهين وآلاف المعتقلين، منهم دبلوماسيون ورجال فكر وصحافيون، سيحصلون قريبا على زنزانات في سجون تركيا بعد أن قررت وزارة الداخلية اطلاق سراح 40 ألف أسير بكفالة من اجل اخلاء المكان للأسرى الجدد.
الاتحاد الاوروبي الذي استنكر الانقلاب في تركيا، يعتبر هذه المعركة جهد سياسي من اجل القضاء على أعداء ليست لهم صلة بالانقلاب، والانتقادات الجماهيرية في اوروبا تبين للحكومات هناك أنه سيكون من الصعب جدا تقديم المزيد من التنازلات لتركيا في اطار اتفاق اللاجئين، ولا سيما الاعفاء من تأشيرة الدخول للمواطنين الاتراك.
في المقابل، أوضحت تركيا أنه إذا لم تتم الموافقة حتى تشرين الاول/أكتوبر على الاعفاء من تأشيرات الدخول، فهي ستتراجع عن الاتفاق. مدى جدية هذا التهديد مشكوك في أمرها ـ حيث يتوقع أن تحصل تركيا على 6 مليارات دولار مقابل منع عبور اللاجئين ـ لكن اوروبا تخشى رغم ذلك. منذ تم التوقيع على الاتفاق في آذار/مارس تراجع عدد اللاجئين الذين وصلوا عن طريق البحر إلى 89 شخص يوميا قياسا بـ 1.740 شخص يوميا في الاشهر التي سبقت الاتفاق. وكما تبدو الامور الآن، مشكوك فيه أن الاتحاد الاوروبي سيضحي بمصالحه ـ تطهير اوروبا من الاجانب ـ على مذبح حقوق الانسان في تركيا.
تسفي برئيل
هآرتس 23/8/2016