شتاء قاسٍ يمر على مخيم درعا للاجئين الفلسطينيين جنوبي سوريا، وأغلب العائلات غير قادرة على تعبئة مادة المازوت من أجل التدفئة، نظرا لغلاء المعيشة وانعدام القدرة على الشراء، حيث يقنن الأهالي مصاريفهم، ويحصرونها فقط بالحاجيات الأساسيّة من الطعام، حسبما يؤكّد مراسل " بوابة اللاجئين الفلسطينيين" هناك.
ويشير المراسل، إلى أنّ هذا الشتاء هو الأقسى، الذي يمر على أهالي مخيّم درعا، حيث أنّ الأجواء الباردة، اشتدّت ونحن ما زلنا في فصل الخريف رسميّاً، بينما الأهالي يستقبلون الموسم، دون أي تجهيزات، فكل عام يمر بشكل أسوأ من الذي قبله، ما دفع الناس لـ" الترحم" على فترة الحرب، وهو فعل قد يثير الاستغراب، ويمارسه الأهالي كنوع من التعبير عن حجم التردي في واقعهم المعيشي جرّاء الانهيار الاقتصادي وارتفاع الاسعار وشحّ المواد الأساسية من الأسواق، وسوء البنى التحتيّة، وإهمال وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين " أونروا"، بحسب شكاوى أهالي المخيم.
مواجهة البرد بالتحمّل !
"ضيق الحال ومتطلبات الحياة تجعل منا أناس أقوياء قادرين على تحمّل البرد" هذه إحدى عبارات "أبو خالد" وهو ربّ أسرة من سكّان مخيّم درعا ولديه أطفال، وأضاف لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" :" فمن تحمل مرارة تأمين الخبز والغاز والمواد التموينية قادر على تحمل البرد الشديد، الذي قد نردّه عنّا بلبس الثياب الكثيرة والغطاء بالبطانيات".
هكذا يفكّر "أبو خالد" لتدفئة عائلته، فأحوال الناس في مخيّم درعا قد تراجعت عمّا كانت عليه في موسم الشتاء الفائت، حيث كانت تصلهم مخصصات المازوت المدّعم، وإن بكمّيّات قليلة، في وقت كانوا يتمكنون فيه من تجميع الحطب أو شرائه بالتشارك بين بضعة عائلات، وهو مابات في هذا الموسم أمراً صعباً، فأزمة المحروقات التي تشهدها البلاد، شحّت على إثرها الوسائل البديلة كذلك.
والحديث اليوم عن شراء حطب التدفئة بات أمراً مستحيلاً، حسبما رصد مراسلنا في درعا، فقد بلغ سعر طن الحطب 250 ألف ليرة سورية، بعدما كان 150 الفاً في العام الفائت، فمن كان يعتمد على الحطب، استبدله بقشور الرمان والحطب الخفيف والكراتين وكل شيء قابل للاشتعال، بيما المازوت فسعر 100 لتر منه تبلغ 20 ألف ليرة، وهو خارج القدرة الشرائيّة للسكّان.
بنى تحتيّة متهتكّة تزيد الأوضاع سوءاً
قبل نحو أسبوعين، فاض أحد المنازل في مخيّم درعا بمياه الصرف الصحّي، فمياه الأمطار لم تجد سبيلاً لها، سوى المنازل المنخفضة الواقعة ضمن خطّ شبكة الصرف القديمة، وهي لم تعد صالحة للقيام بوظيفتها، وبحاجة ماسّة لإعادة تأهيل، ولم تكفِ عمليّات الصيانة التي جرت قبل خمسة أشهر، حسبما يؤكّد أحد سكّان المخيّم " أبو جمال" لمراسل " بوابة اللاجئين الفلسطينيين".
يقول "أبو جمال": إنّ خطوط الصرف الصحي بالمخيّم، بحاجة ماسة إلى صيانة جديدة وتنظيف دوري وباستمرار، وخصوصاً مع قدوم فصل الشتاء، حيث يزداد منسوب المياه في أغلب المناطق، مما يؤدي الى انسدادها ورجوع مياه الصرف الصحي إلى بعض المنازل، مما يشكل مشكلة متجددة ومزمنة وكبيرة لدى الأهالي في المخيم.
وأما الشوارع فحدث ولاحرج، ووفق "أبو جمال" معظمها بحاجة الى تزفيت وصيانة وإعادة إصلاح، فالاتربة والردميات لازالت منتشرة في أغلب الأحياء وهي بحاجة ماسة للصيانة، من أجل تسهيل عملية الانتقال بين المناطق من المخيم و إلى خارجه.
والحال نفسه ينطبق على التمديدات الكهربائيّة، التي غدت متقادمة وغير صالحة للاستعمال، وتظهر مشكلتها بشكل كبير خلال فصل الشتاء، حيث يحاول الأهالي استغلال ساعات التغذية القليلة، لتشغيل سخانات المياه والمدافئ الكهربائيّة، ويوضح اللاجئ :"في العام الماضي عانينا منها الأمرين بسبب الأعطال المتكررة والضغط الزائد على الأكبال، وعدم تحملها لكثرة الوصلات فيها، وعدم تخديمها بالشكل المطلوب بسبب اهترائها.
"أونروا" لا تقدّم "أضعف الإيمان".
وككل عام، ترتفع أصوات اللاجئين لمطالبة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بتقديم "أضعف الايمان" وهو عبارة عن سلّة غذائيّة لا يريد الأهالي سوى توزيعها بشكل منتظم، علّها تخفف من نفقات الأهالي لزوم الطعام والشراب، لاستثمار مداخيلهم المحدودة في نفقات التدفئة خلال الشتاء.
يقول اللاجئ " أبو جمال" لمراسلنا : إنّ المساعدة الماليّة التي تقدمها وكالة "أونروا" يدفعها الأهالي لسداد ديونهم لمحلّات الخضار والبقالة، وبالكاد تكفي لتوفير لقمة العائلة، نظراً لارتفاع تكاليف توفير الغذاء.
أمّا "أم مجيد" وهي لاجئة فلسطينية أرملة مسنة تعيش مع ابنيها من ذوي الاحتياجات الخاصّة، وابنة كبيرة غير متزوّجة، فتقول :" نحن في سوريا ما زلنا نعيش تحت وطأة الحرب والغلاء والوباء، والوكالة لا تقدّم لنا ما يسد رمقنا".
وتشير "أم مجيد"، إلى أنّها لم تستلم المعونة الغذائيّة منذ خمسة أشهر، رغم حاجتها الماسّة للمساعدات الغذائيّة، وتناشد عبر "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" وكالة " أونروا" وتقول : نحن كلاجئين من العائلات الفقيرة، بحاجة إلى مساعدات غذائيّة، وبحاجة إلى مواد تنظيف، ومستلزمات منزلية لا نقوى على شرائها" وتضيف :" لا نستطيع أن نشتري مستلزمات التدفئة، لأنّه اذا فعلنا ذلك لن نستطيع أن نأكل".
يأتي ذلك، في ظل استمرار المطالبات لوكالة "أونروا" و "المؤسسة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب" بالتدخّل من أجل دعم اللاجئين في ظل الظروف الاستثنائيّة التي تزداد سوءاً، وأن يكون ذلك من ضمن مهام الوكالة الإغاثيّة في ظل الأزمة المفتوحة على المزيد من الصعوبات، في ظل التقارير التي ترجّح انحداراً أكبر للواقع المعيشي في سوريا.
ويسكن في مخيّم درعا، أكثر من 700 عائلة من أصل 13 ألفاً، وهي عائلات تمكنت من العودة إلى المخيّم عقب اتفاق التسوية في حزيران 2018، فيما يحول الدمار الذي فاق 70% من أبنية المخيّم والانهيار الشامل للبنى التحتية والخدميّة من عودة الأهالي المشرّدين خارج مخيّمهم منذ سنوات.