تعتبر قضية اللاجئين الفلسطينيين، الأكثر تعقيداً في العالم، بسبب استمرارها دون علاج منذ العام 1948، وبسبب الأعداد الكبيرة والمتزايدة للاجئين الفلسطينيين الذين حرموا من الحياة في وطنهم والمعاناة اليومية التي يتعرضون لها بسبب طبيعة القوانين المجحفة، والحصار والحرمان اللذين يواجونما داخل الدول التي لجؤوا إليها.
وقد عرّفت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” اللاجئ الفلسطيني، بأنه الشخص الذي كان مكان إقامته العادية في فلسطين لمدة لا تقل عن عامين سابقين لنشوب الصراع العربي-الإسرائيلي عام 1948 وهو الشخص الذي فقد جراء ذلك الصراع، بيته وسبل معيشته، وأصبح لاجئاً ومسجلاً لديها في أحد الأقطار التي تمارس فيها الوكالة عملياتها، وقد تم توسيع هذا التعريف لاحقاّ ليشمل أبناء وأحفاد اللاجئين.
وأشارت سجلات الوكالة إلى أن عدد اللاجئين المسجلين لديها حوالي 6.6 مليون، يعيش حوالي 28.4 في المئة منهم في 58 مخيماً رسمياً تابعًا للوكالة، تتوزع بواقع 10 مخيمات في الأردن، و9 مخيمات في سوريا، و12 مخيما في لبنان، و19 مخيما في الضفة الغربية، و8 مخيمات في قطاع غزة.
وتُمثّل هذه التقديرات الحد الأدنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين باعتبار وجود لاجئين غير مسجلين، إذ لا يشمل هذا العدد من تم تشريدهم من الفلسطينيين بعد عام 1949 حتى عشية نكسة حزيران 1967 ولا يشمل أيضًا الفلسطينيين الذين رحلوا أو تم ترحيلهم عام 1967 على خلفية حرب 5 حزيران/يونيو والذين لم يكونوا لاجئين أصلاً.
العالم أمام أطول وأكبر قضية للاجئين في التاريخ الحديث
كما أكدت تقرير استراتيجي لمركز “الزيتونة” للاستشارات والدراسات في بيروت، ثبات نسبة اللاجئين الفلسطينيين كشعب مهجر من أرضه كأعلى نسبة لجوء مقارنةً بأي شعب في العالم.
وفي نتائج التقرير الاستراتيجي، فقد بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين من مسجلين وغير مسجلين لدى وكالة “الأونروا” 8.990 مليون لاجئ، أي ما يعادل 67.4 في المئة من مجموع الشعب الفلسطيني، لافتاً إلى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا يبلغ 6.172 مليون لاجئ، مضيفاً، أن 794 ألف لاجئ موجودون في الضفة الغربية، و1.335 مليون لاجئ في قطاع غزة، ونحو 150 ألفاً من أبناء 1948 مهجرون من أرضهم، والباقي خارج فلسطين.
وأشار التقرير إلى أن الإحصائيات المتوفرة تبين أن عدد أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج مع نهاية 2019 (مطلع 2020) بلغ نحو 13.350 مليوناً، نصفهم تقريباً (49.7 في المئة) داخل فلسطين التاريخية، والنصف الآخر خارج فلسطين، أي نحو 50.3 في المئة.
وفي داخل فلسطين يقيم 6.637 مليون فلسطيني موزعين على الضفة الغربية 3.02 مليون، وفي قطاع غزة 2.019 مليون، و1.598 مليون في فلسطين المحتلة 1948 حسب التقرير.
وفي خارج فلسطين يقيم نحو 6.713 ملايين فلسطيني، من بينهم نحو 4.29 مليون في الأردن (معظمهم يحمل الجنسية الأردنية) و1.696 مليون في باقي الدول العربية، و727 ألف فلسطيني في باقي دول العالم.
ولكن فيما يخص اللاجئين الفلسطينيين في سوريا قدرت “الأونروا” عددهم قبل عام 2011 بـ 560 ألف لاجئ فلسطيني، بقي منهم داخل سوريا 438 ألفاً، كما جاء في تقرير ندائها الطارئ لعام 2019.
من الواضح أن العالم أمام أطول وأكبر قضية للاجئين في التاريخ الحديث، مشكلة لم يتم حلها إلى الآن، عمرها حوالي 72 عاماً، بينما معظم أو كلّ مشاكل اللاجئين في العالم قد تمّ حلها أو فتح المجال لحلها مثل لاجئي سوريا وأفغانستان، والبوسنة، والصومال، والأرمن وغيرهم، فهؤلاء لم يعد أحد يمنعهم من العودة إلى بلادهم وممارسة كافة حقوقهم المدنية والسياسية.
هناك إجماع في المؤسسات الدولية على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين
كما أن قضية اللاجئين الفلسطينيين، مدعومة بإجماع دولي، بمعنى أنها ليست مجرد رغبة فلسطينية فقط، بل هناك إجماع في المؤسسات الدولية على حقّ العودة، وقد صدر في قضية اللاجئين الفلسطينيين عدد كبير من القرارات تفوق القرارات التي صدرت بحق أيّ لاجئين في العالم، حيث أعيد مثلاً التأكيد على قرار 194 بشأن حقّ اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أرضهم وديارهم (الأراضي المحتلة سنة 1948) أكثر من 130 مرة.
ورغم أن قضية المهجرين واللاجئين الفلسطينيين ما زالت تمثل أكبر قضايا اللجوء، وأطولها عمراً في عالمنا المعاصر، فإنها لا تزال بلا حل حتى اللحظة. وأكثر من ذلك، يعتبر اللاجئون الفلسطينيون، بمن فيهم المقيمون في الدول العربية، من أشد مجموعات اللاجئين الذين يعانون من نقص الحماية على المستوى العالمي.
والسبب الرئيسي وراء ضخامة قضية اللاجئين الفلسطينيين، وطول عمرها وبقائها بلا حل يعود إلى ممارسات الاحتلال الإسرائيلي-دولة الاستعمار الإحلالي، والفصل العنصري، والاحتلال-أولاً، وإلى انعدام الإرادة السياسية لدى المجتمع الدولي. يضاف إلى ذلك، أن نقص الحماية يعود إلى ممارسات وسياسات الدول المضيفة والوكالات الدولية ذات الصلة. وهذه الفجوة تنشأ في مجملها عن عدم الالتزام بالإطار القانوني والتنظيمي الخاص بتوفير الحماية للاجئين الفلسطينيين، والذي صمم أصلاً لتوفير حماية مضاعفة للاجئين الفلسطينيين.
وفي هذا السياق، اعتبرت تقارير “منظمة العفو الدولية” أن عدم احترام إسرائيل لحق الفلسطينيين، الذين أُجبروا على ترك ديارهم في 1948 بالعودة إليها، يُعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، فهذا الانتهاك فاقم عقودًا من المعاناة لا يزال يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في المنطقة.
حالة اللاجئين الفلسطينيين تتسم بالعديد من الخصائص الاستثنائية بعيدة المدى
وكما هو الحال في ظروف اللاجئين الآخرين فإن الأبعاد الخاصة بوضع اللاجئين الفلسطينيين ينبغي أن يتم أخذها بعين الاعتبار لدى الاستجابات الإنسانية وفي تهذيب استراتيجيات الحماية. ومع ذلك، فإن أياً من تلك المزايا، بما فيها ما يطلق عليه شرط الاستبعاد المتضمن في اتفاقية عام 1951 ينبغي أن لا يفترض أنها تستثني اللاجئين الفلسطينيين عموماً من النظام المعياري الدولي، ولا ينبغي أيضا أن تصبح تلك الجوانب الفريدة ذريعة للتقاعس عن العمل في التعبئة من أجل حقوقهم.
فالوضع بالنسبة إلى اللاجئين الفلسطينيين لا يُحتمل، ويقترب من نقطة الانهيار مع مرور كل عام، وهذا ما يثير التساؤل، إلى متى يمكن أن يُتوقع من اللاجئين الفلسطينيين عيش حياة المعاناة والحرمان والتمييز لا لشيء إلا بسبب أصلهم؟ فمن المؤسف أن الواقع حطم آمال اللاجئين الفلسطينيين، وبناء مستقبل أفضل.
لدى صياغة الاستجابة الدولية لأزمة اللاجئين الفلسطينيين الممتدة، فإن اللاعبين الدوليين يمكن أن يسترشدوا بالالتزام بثلاثة مبادئ ذات علاقة.
ويأتي في مقدمتها تطبيق القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان.
إن التوصل لنهاية للنزاعات المسلحة ولانتهاكات حقوق الإنسان من شأنه تحقيق ظروف أكثر إيجابية للمفاوضات وللتقدم في المسار السياسي. من المعروف أن كل وضع يخص اللاجئين والنازحين يتميز بظروف استثنائية، ويؤدي إلى بروز احتياجات متنوعة واستجابات دولية ومسارات تاريخية. ولقد تمت معاملة اللاجئين الفلسطينيين على وجه الخصوص في الدوائر الدولية والإقليمية وفقا لروح “الاستثنائية”. ففي محافل اللاجئين الدولية، تم اعتبار اللاجئين الفلسطينيين على أنهم خارج حدود التحقيق النسبية أو خارج نطاق المعايير العالمية. وفي الواقع، فإن حالة اللاجئين الفلسطينيين تتسم بالعديد من الخصائص الاستثنائية بعيدة المدى والتي تجعلها مختلفة عن أي وضع للاجئين والنازحين في كثير من النواحي. ولكن، كيف يمكن أن يتم فهم تلك الاختلافات بصورة أفضل؟ وكيف يمكن لها أن تؤثر على مسؤوليات الدولة وعلى دور الأمم المتحدة؟ وكيف تقوم بالتأثير على مستقبل اللاجئين؟ وكيف يمكن الاشارة إليهم كباحثين وممارسين وناشطين في مجال اللاجئين والهجرة؟ وقبل القيام بإعطاء وزن للتحديات الفريدة التي تواجه اللاجئين الفلسطينيين، فإن على المجتمع الدولي أن يأخذ بعين الاعتبار بأن تجربة الاقتلاع من الجذور تتعدى الهويات والحدود.
إن التشريد القسري يحمل معه دوما ألما شخصياً عميقاً ناجماً عن الخلع والاغتراب غير الطوعيين. وعلى المستوى العملي، فإن الأشخاص الذين يفرون من الاضطهاد ينقطعون عن سبل معيشتهم التقليدية وموارد دخلهم، إضافة إلى انقطاعهم عن الأشكال الأساسية للحماية الوطنية، الأمر الذي يجعلهم أشد عرضة للمخاطر وبحاجة إلى الحماية الدولية. إن تلك الظروف القاسية تتفاقم عندما يحدث الهرب بشكل جماعي بسبب نزاع مسلح عام أو عندما يتم الافتقار إلى فرص الإنعاش السريع. وفي غالبية الحالات، فإن اللاجئين الفلسطينيين، يناضلون من أجل التأقلم مع ظروف الوهن فيما يحاولون استعادة درجة من الحياة الطبيعية والكرامة والفرص في أماكن لجوئهم.