هذا الخراب الكائن في أحد أزقّة مخيّم مار الياس للاجئين الفلسطينيين ببيروت، تعيش بين جدرانه عائلة مكوّنة من زوج وزوجة، نجيا قبل أيّام من قتل مباشر، كاد أن يصيبهما جرّاء انهيار سقف الحديد "الزينكو"، الذّي يعلو سريرهما في منزل يسكنانه، ولكنهما لم ينجُوا من قتل بطيء، يحيط بهما من كافة جوانب هذا المكان، الذي غدا غير صالح للإيواء.
الصور دائما أبلغ إنباءً من الكلام، لتُخبر عمّا فعلته العاصفة المطريّة التي يشهدها لبنان منذ يوم الاثنين 14 كانون الأوّل/ ديسمبر الجاري، بهذا المنزل الذي لا تتجاوز مساحته 30 متراً مربّعاً بسقف حديدي متقادم وصدء، لم يصمد أمام ثقل الأمطار وحبّات البَرَد التي هطلت على بيروت، وكانت عائلة اللاجئ الفلسطيني توفيق حنّا سبانخ من ضحاياها.
العائلة غدت وكأنّها تعيش في العراء، فالأمطار تتساقط داخل المنزل ربما بغزارة أكبر من الخارج، نظراً لتجمّع المياه المنصبّة من الأسطح المجاورة، وانسيابها مع ميلان السقف، لتجد داخل منزل العائلة مصبّاً لها، وسط ظلمةٍ لم يشقّها ضوء النهار الساطع، ومخاطر جمّة تخلّفها تمديدات الكهرباء بين قضبان الحديد، وتشققات الجدران، التي تشي بأنّ المنزل بكامل أركانه آيلٌ للسقوط.
لم تجد عائلة اللاجئ توفيق حنّا سبانخ، من يجيرها من مُصابها، بعد أن طرقت كافة الأبواب، بما فيها باب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين " أونروا" حسبما أكّد ربّ العائلة لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين".
وقال سبانخ، إنّه قد قصد مكتب مديرة المخيّم لدى "أونروا"، علّ الوكالة تسعفه بحلّ عاجل، الّا أنّ الأخيرة طلبت منه أن يقدّم طلباً ويرفقه بصور للخراب، قبل أن تؤكّد له بأنّ الوكالة لا يمكنها أن تقدّم له شيئاً في الوقت الراهن.
لا يحتاج ترميم سقف المنزل، سوى لمبلغ 700 دولار أمريكي، بحسب تقديرات الفنيين الذين استعان بهم لمعاينة الأضرار، الّا أنّ هذا المبلغ في الظروف اللبنانية الراهنة، وانعكاساتها على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، يعتبر خياليّاً، فهو يعادل بمعايير الليرة المنهارة 5 ملايين و800 الف، أي فوق الحد الأدنى للدخل بأكثر من ثمانية أضعاف، وهو ما لا يمكن لأكثر من 90% من اللاجئين الفلسطينين في لبنان تأمينه في الظروف الراهنة.
لا تطمح هذه العائلة المنكوبة، سوى لترميم السقف، أمّا الجدران التي تأكلها الرطوبة، وتمديدات الكهرباء المتشابكة مع الحديد، والمرافق الصحيّة المتآكلة، والأثاث المتهالك الرطب غير الصالح للاستخدام، فهذه أمور مؤجّلة، خارج طموحات لاجئ فقير، تبدو بالنسبة له ترفاً لا يرنو اليه، بقدر حاجته هو وزوجته لسقف يؤويه من قسوة المناخ، ويختلي تحته من قسوة الحياة كذلك.
الجدير بالذكر، أنّ انهيار أسقف المنازل في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، باتت مشاهد اعتيادية، في حين تواصل "الأونروا" إهمالها لملف اعادة الترميم، واستجابتها البطيئة لمناشدات اللاجئين في كافة المخيّمات، من أجل الإسراع في ترميم منازلهم الآيلة للسقوط، في وقت تزداد المنازل تقادماً، وتتفاقم هشاشتها أمام قسوة المناخ، وسط فقر مدقع آخذ بالتصاعد.
ويأتي ذلك، وسط ارتفاع معدّلات البطالة في صفوف اللاجئين التي فاقت عتبة 90%، وازدياد نسبة الفقر لتصل إلى نحو 85% وفق ما أفاد أمين سر اللجان الشعبية أبو إياد الشعلان لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" في وقت سابق، عدا عن انهيار قيمة العملة اللبنانية وارتفاع أسعار الصيانة سواء للمنازل أم للوازم الحياتية كافّة، بشكل خيالي، ما يُفقد اللاجئين المنكوبيين قدرتهم على تجاوز نكباتهم، كحال اللاجئ توفيق حنّا سبانخ، ومثله كثيرون.