المشهد من بعيد يُظهر المخيم منفصلًا عن هويته، كشاهد على النكبة واللجوء، فالبيوت المتلاصقة، يتم هدمها لإقامة بنايات ربحية وبيعها لمن يرغب بالشراء.
في الآونة الأخيرة، بدأت المخيمات في قطاع غزة وعددها ثمانية، تواجه مشكلة جديدة، تُضاف إلى آلاف المشكلات الاجتماعية المتراكمة داخلها، هي تمدين المخيم، ويتخوف كثيرون من أبناء المخيم أن تطمس هويته وتُزال معالمه.
أرض المخيم هي عبارة عن قطعة أرض إما حكومية أو مستأجرة من ملاكها الأصليين من قبل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" لإسكان اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من بلداتهم وقراهم ومدنهم الفلسطينية إبان النكبة عام 1948 على يد العصابات الصهيونية.
تخوف من انسحاب "أونروا" من المخيم
يقول الكاتب عمر فارس أبو شاويش لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: وجود أبراج سكنية استثمارية داخل المخيمات قد يفقد المخيم صفة اللجوء وهويته وحقوقه المشروعة، ومع الوقت والزمن هناك تخوف من انسحاب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" من هذه المخيمات التي ستفقد طابعها العمراني كمخيم وتتحول إلى منطقة حداثية تابعة لللبلديات الموجودة، وهذا أمر كارثي خاصة أن "أونروا" هي الشاهد الطبيعي و الوحيد على حق العودة للاجئ الفلسطيني.
إيجاد مشاريع استثمارية باهظة الثمن قد بدوره يؤثر على تركيبة المخيم
يضيف أبو شاويش: "من الطبيعي أن يحسن أبناء المخيم مع الوقت ظروفهم المعيشية والبناء في نفس المنزل طابق واثنين وأكثر بفعل زيادة الأبناء والحاجة إلى التوسع، في حال كانت ذاتية بمعنى أن يقرر أي لاجئ أن يبني بأرضه وبيته، أما إيجاد مشاريع استثمارية باهظة الثمن وأبراج داخل المخيمات لاستثماريين هم من الأصل من خارج المخيم، هذا بدوره يؤثر على تركيبة المخيم على كافة الصعد، خاصة وأن هؤلاء المستثمرين من خارج المخيم يستغلوا قلة أسعار التراخيص داخل المخيم - وفق أبو شاويش.
يتابع: الوضع المعيشي للمخيم لا يتلاءم مع بناء أبراج ضخمة لمستثمرين من خارج المخيم، واللاجئ الفلسطيني يعاني الفقر واللجو، مؤكداً على ضرورة عدم السماح بفرض واقع لا يتلاءم مع وضعه.
إعادة تدوير المخيمات الفلسطينية
يقول الكاتب الفلسطيني سائد أبو عيطة : إن "المخيمات الفلسطينية تواجه ما يمكن تسميته بإعادة التدوير، لبنيتها المرتبطة بالتاريخ الفلسطيني والتراث، وقضية اللجوء، فأرض المخيم مسجلة للانتفاع منها ومقدمة كمساعدة من خلال الأونروا للاجئ الفلسطيني، وبيع منزل المخيم لصالح المستثمر يتسبب بمزيد من المشكلات التي تطال البنى التحتية، عدا عن مشكلات اجتماعية أُخرى كالميراث للأبناء وأبناء الأبناء".
استجرار مالكين جدد لعقارات اللاجئين يسهم بتلاشي المخيم
ويضيف أن تنازل اللاجئ عن قطعة الأرض الممنوحة له من الأونروا داخل المخيم وبيعها للمستثمر بهدف الاستثمار، يعطي الأخير حق التملك من خلال حصوله على تراخيص البناء للأبراج السكنية، ومن خلال المستثمر تتحول الملكيات لمزيد من الأشخاص أصحاب عقود البيع والشراء للشقق، وذلك يتسبب بتلاشي المخيم تدريجياً مع مرور الزمن لصالح مالكين جدد، وهو ما يؤثر مستقبلاً على المخيم المسجل لدى "أونروا" كأرض حكومية أو وقف أو مستأجرة.
لا بدّ من دعم اللاجئ الفلسطيني في تجديد بنائه لا التنازل عنه
يؤكد أبو عيطة أن الحفاظ على أرض المخيم مسألة مهمه تتعلق بقضية اللجوء وإثبات الحق الفلسطيني، و الاستثمار داخل المخيمات لا يخدم قضيتهم، بل يؤثر على الأهمية التاريخية لهم.
"لا بدّ من دعم اللاجئ الفلسطيني من خلال مشاريع جديدة، تسمح له بتجديد البناء دون التنازل عنه بموجب عقود البيع لصالح المستثمر، وهو ما يُسهم بدعم صمود المخيمات " يقول أبو عيطة.
يشير إلى أن "أونروا" ليست معنية بمنح العقار للاجئ كما كان في السابق بغرض السكن والانتفاع، سواءً في مخيمات الداخل أو الشتات، وثمة مشكلة حديثة تواجه المخيم، ألا وهي الاستثمار داخله لبناء أبراج سكنية ومحلات تجارية، وهي بمثابة أداة طمس لمعالم المخيمات ذات الارتباط المباشر بقضية اللجوء أو القضية الفلسطينية، وتؤثر بدورها على قيمة المخيم المعنوية والتاريخية.
إقحام البلديات في المخيمات "جريمة"
يقول عضو المكتب التنفيذي للجان الشعبية للاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية د. بكر أبو صفية: إن اقحام البلديات في المخيمات يعد جريمة، فالمخيمات تحت ولاية الأونروا، ولو قصرت يجب مطالبتها بتحمل مسئوليتها، وليس أن تلم البلدية ضرائب و تمنح تراخيص، فهذا الدور مناط للجان الشعبية والوكالة".
يتابع: "عندما يأتي مستثمر و يشتري بيت في المخيم ويهدمه ويبني عمارة من خمس طوابق، يغير الطبيعة الديمغرافية للمخيم من لاجئين إلى نصف لاجئين".
يضيف أبو صفية : في حال أخذ قرار بتجريف المخيم سيتأثر اللاجئ لأن المخيم يرمز إلى نكبته ولجوئه، فلذلك يجب الحفاظ على المخيم بكل تفاصيله، موضحًا " نحن ليس ضد أن يبني صاحب البيت باطون أو أن يرمم بيته ويزيد عدد طوابقه، ولكن هو وليس شخص آخر"
لا يوجد لدينا أشخاص على قدر مواجهة المشاريع الصهيو_أمريكية
وطالب أبو صفية الجهات الحكومية والمسؤولة، إذا كان هدفها بقاء المخيم والحفاظ عليه، أن تقوم بعملية إقراض ميسرة للأهالي حتى يعيدوا بناء بيوتهم لتتسع لأبنائهم.
يؤكد أبو صفية لبوابة اللاجئين الفلسطينيين أن هناك مخاطر وخيمة جراء ما يحدث، في ظل توجه الولايات المتحدة الأمريكية والحركة الصهيونية لإنهاء وكالة "أونروا"، وإيجاد المبررات لتقليص مهامها، ولا يوجد لدينا على مستوى قطاع غزة أو السلطة أشخاص على قدر المسؤولية من هذا الجانب.
البنية التحتية لا تحتمل مزيداً من الأبنية
مدير بلدية مخيم النصيرات المهندس محمد المغاري يقول: إن البنية التحتية قديمة،لا تحتمل مزيدًا من الأبنية ومزيداً من السكان، و لم يتم تحديثها وتطويرها، فمشاريع الوكالة الخاصة بأعمال البنية التحتية شبه متوقفة منذ سنوات، وانحصرت خدمات الوكالة في أعمال النظافة اليومية وبعض الأعمال الصحية، وما يخص ترميم الشوارع والبنى التحتية وتحديث خطوط الصرف الصحي متجمدة، ما ترك آثاراً سلبية كبيرة نعاني منها كبلديات.
وجه المغاري بعض الخطابات للجهات المسؤولة، بأن المخيمات بحاجة فعلية إلى تخفيف الكثافة السكنية وليس العكس، حيث أن طبيعية المخيم اختلفت عن السابق ، موضحًا أن بعض المنازل البسيطة يبنى مكانها عمارات سكنية، وجزء من المستثمرين استغل أجزاء المخيم وأنشأ مباني بغرض تجاري وربحي، ولا يوجد قوانين رادعة لهم.
"حاولت البلدية أن تتدخل للمحافظة على هوية المخيم، و توقف أنشطة من يذهب إلى الجانب التجاري؛ ولكن لا يوجد قوانين تمكننا لهذا العمل، حيث أن المخيمات خارج نطاق عمل البلديات"، يقول المغاري رغم اتهامات اللجان الشعبية للبلديات بأنها من تقوم بتسهيل الرخص.
يواصل : لا تستطيع البلدية منع أي مستثمر أن يشتري بيت من المخيم، ويحوله إلى عمارة استثمارية ، حتى فرض إجراءات السلامة والشروط الفنية أو مراعاة الأمور الحياتية خارج نطاق عمل البلديات، وهذا يعود الي أن المخيمات من مسؤولية الأونروا، ويجب أن لا نعطيها مبرر للانسحاب رغم أن هناك تقليصاً لدورها بشكل كبير.
إشكالية قانونية تواجه مساكن المخيم
بدوره يقول المحامي والمستشار القانوني عبد الله شرشرة لبوابة اللاجئين الفلسطينيين: إن عمليات البناء داخل المخيمات تؤدي لإشكاليات عديدة، فهذا النمط من التوسع العمراني العمودي، يضاعف الضغط على خدمات الإصحاح والصرف الصحي المتداعية في المخيمات، حيث أن محدودية المساحة ، تؤدي إلى جعل هذه الأبنية الجديدة صغيرة، وعديمة الارتدادات في مناطق مكدسّه بالسكان، في ضوء خدمات صرف صحي سيئة للغاية. وهو ما ينعكس لاحقا على حقوق اللاجئين الصحية، وحقهم في الخصوصية.
ويشير شرشرة إلى إشكالية قانونية تتعلق بهذه المشاريع، حيث أن القضاء الفلسطيني كان قد استقر على أن المساكن التي أقامتها الأونروا، لا تملك لمن وزعت لهم وإن وجودها بأسمائهم مرتبط باستمرار إشغالهم لتلك الوحدات السكنية حيث إن غياب هذا العنصر من شأنه أن ينفي الحكمة من اختصاص الساكن بها.
يواصل : إن " بناء هذه الأبنية يعني أن شاغلي هذه المساكن ليسوا مالكين لها، بل هم ينتفعون منها، وهذا لا يحقق للاجئ الفلسطيني الاستقرار المادي والنفسي، وهما عنصران رئيسيين لتمتع المواطنين بالحق في المسكن الملائم حسب المعايير الدولية للحق في السكن".