لم يلحظ المرسوم الرئاسي الخاص بالانتخابات الذي أصدره رئيس السلطة محمود عباس مطلع العام الحالي بشكل صريح الانتخابات المتعلقة بالاتحادات والنقابات الفلسطينية وهي التي تشكل منذ بدايات تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية ركناً أساسيًا في النظام السياسي الفلسطيني، لا بل إن بعضها سبق تأسيس المنظمة وأفرز عدداً من قياداتها، ولايزال الحديث عن إعادة بنائها وتوحيدها ضبابياً ويكتنفه الكثير من الغموض؟!
لكن ثمّة حراك طفى على السطح بعد مرسوم الانتخابات، يبدو غير مريح ولا مشجع للوسط الفلسطيني، فلا يعقل في ظل الحديث عن تجديد الشرعيات وإشاعة وبث الأجواء الديمقراطية لضخ دماء جديدة في النظام السياسي الفلسطيني أن تتم تزكية شاهر سعد أميناً عاماً لاتحاد نقابات عمال فلسطين بعد أن مكث في موقعه مدة تزيد عن ٢٧ عاماً، فضلاً عن إشارات استفهام كثيرة متعلقة بموقفه التطبيعي مع الاحتلال وسلوكه المرتبط بالمال،ولايمكن فهم ذلك إلا في سياق فرض الوقائع وحجز المواقع استباقاً لانتخابات المجلس الوطني وتمثيل الاتحادات والنقابات فيه.
من نافل القول الحديث عن أهمية ودور الاتحادات والنقابات في بناء أي نظام سياسي، وتكتسب الاتحادات والنقابات الفلسطينية أهمية خاصة في ظل حركة تحرر وطني هي بأمس الحاجة لكل طاقة وكفاءة في مشروع التحرير والعودة، ومن هنا لا يمكن القفز عن دورها، ولاينبغي تجاوز إعادة بنائها على أسس ديمقراطية في الداخل والخارج الفلسطيني بما يجعلها تمثل هذه الشريحة والطيف الواسع لأبناء الشعب الفلسطيني من النقابيين والمهنيين والذين سجّلوا دورهم في الحركة الوطنية الفلسطينية على مدار كل سنوات ما قبل النكبة وحتى وقتنا الحاضر.
لاشك أن الاتحادات والنقابات الفلسطينية لا تعكس في وضعها الحالي نبض النقابيين والمهنيين ولا تمثلهم تمثيلاً حقيقياً، والأزمات التي تعيشها ليست خافية على أحد، لا سيما أنها تضاعفت وتعمّقت بعد اتفاق أوسلو وماجرّه من ويلات لشعبنا الفلسطيني وقضيته بشكل عام ولهذه الشريحة الحيوية من شعبنا بشكل خاص .
اليوم، هناك فرصة، وثمّة أمل يلوح بالأفق والأهم أنه وفي كل وقت هناك حاجة ملحة وضرورية لتعكس هذه الاتحادات والنقابات هموم النقابيين والمهنيين الفلسطينيين بحق، ولا نملك في ذلك ترفاً في الوقت لإضاعته بعد كل سنوات التعطيل والإقصاء والتهميش والانقسام.
بعد أيام ستنعقد جولة من الحوارات في القاهرة محورها الأساس ومادتها الرئيسية هي الانتخابات،والمطلوب أن تكون الاتحادات والنقابات بنداً على رأس أجندتها وضمن أولوياتها، وليس من المقبول أن يتم التعاطي معها بنظام المحاصصة والكوتا الذي أوصلنا إلى مانحن فيه .
لقد طُرِحت عددٌ من الأفكار والرؤى المتعلقة بإعادة بناء الاتحادات والنقابات الفلسطينية وأقيمت العديد من ورشات العمل الخاصة بذلك، وفي جعبة الكثير من أبناء شعبنا في القطاع النقابي والمهني، وبما يمتلكون من خبرات وكفاءات وطاقات ما يمكنهم من رسم ملامح وتحديد أشكال ومضامين أطرهم الشعبية والنقابية للوصول إلى لوائح ناظمة لها مبنية على أسس واضحة ترتكز إلى الديمقراطية والاستقلالية بعيداً عن السيطرة الحزبية والفئوية الضيقة والكل الوطني مدعو لدعم أي جهد في هذا الاتجاه كي تضطلع هذه الأطر بدورها كمكون مهم في النظام السياسي الفلسطيني، ولايجب أن يُكتفى في هذا الصدد بالحديث عن التمثيل بالصيغ القديمة دون التفعيل، لاسيما أن هناك وقتاً لذلك على اعتبار أن انتخابات المجلس الوطني ستكون في المرحلة الأخيرة ورغم تحفظنا على هذا الترتيب الذي يتناقض مع أهمية المجلس الوطني بوصفه البرلمان الفلسطيني و السلطة الأعلى في المنظمة، إلا أنه يجب استثمار هذا الوقت وعدم إهداره في أية مناكفات لا طائل منها، ولو صدقت النوايا سنكون قادرين بعد كل هذا التشتت وتفريغ هذه الاتحادات والنقابات من مضامينها ودورها النضالي والمطلبي من الوصول إلى تمثيل حقيقي وتفعيل حيوي لمنتسبيها بعد فتح أبواب العضوية بها ترشحاً وانتخاباً وفق ضوابط ومعايير مهنية.