مقدمة:

يمكن إرجاع أهمية دراسة الوقائع ذات الصلة بـ "اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية"، لكون هذه المساحة غالباً ما كانت موضعاً للدراسات الوصفية وبالأخص الإحصائية والرقمية، التي غالباً ما ركزت على الظروف الاقتصادية والحياتية الصعبة التي يعاني منها أهالي المخيمات في الضفة الغربية المحتلة، وهو ما يترك بشكل دائم مساحة لثغرات تتعلق بفهم التأثيرات المتبادلة بين المركبات والعوامل المختلفة.

  وهنالك حاجة لإدراك تلك العلاقات المعقدة بين التغيرات الكبرى التي عصفت بالمجتمع الفلسطيني منذ قدوم السلطة الفلسطينية للداخل، وبين تلك التغييرات التي لحقت بالبنى الاجتماعية والسياسية للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية، ومكانتهم وأدوارهم ضمن المجتمع الفلسطيني في الضفة والمجتمع الفلسطيني ككل، والنظام السياسي القائم وطبيعة التداخلات المعقدة بين السلطة الاحتلالية للكيان الصهيوني والسلطة المحدودة لـ"السلطة الفلسطينية".

يحاول "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" من خلال ملف خاص يتناول واقع اللاجئين الفلسطينيين في الضفة، إدراك ماهية عملية التهميش التي مورست على  المخيمات واللاجئين، ودور العوامل المختلفة في صناعة سردية رسمية مختلفة تقبع المخيمات على حواشيها كمصدر لما عملوا على تسميته بـ"الفلتان"، وكيف ترتبط عملية إعادة صناعة التصورات حول المخيم واللاجئ،  بطبيعة المشروع السياسي والاجتماعي الذي حملته السلطة الفلسطينية.

وإذ يتم تناول المخيم برمزيته على أنه موضع اللاجئين في الضفة أو بيئتهم، يكون من المهم الانتباه لكون ربع  العدد الإجمالي للاجئين في الضفة الغربية هم  فقط من  يعيشون داخل المخيمات.

تحت عنوان: "المخيم على هامش السلطة"، يتناول موقع بوابة اللاجئين في مجموعة من المواد البحثية والتقارير، واقع اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية والتغييرات التي لحقت به في ظل حكم السلطة الفلسطينية، أو على نحو أدق في ظل السلطات المتداخلة لكل من الاحتلال والسلطة.

معطيات أساسية:

 تشير سجلات دائرة الإحصاء الفلسطيني أن عدد اللاجئين في الضفة الغربية بلغ ٨٠٠ ألف لاجئ ، فيما تشير معطيات "أونروا" (العام ٢٠٢٠)، إلى أن عدد اللاجئين المسجلين لديها في الضفة الغربية هو ٩١٤ ألف لاجئ، يشكل هؤلاء ما نسبته ٣٠% من مجموع سكان الضفة الغربية، البالغ عددهم أكثر من ٣ مليون فلسطيني، لكن فقط ٢٥% من اللاجئين ما زالوا يعيشون داخل المخيمات في الضفة، فيما انتقل حوالي ٧٥% من اللاجئين للعيش في مدن وقرى الضفة الغربية.

منذ دخول السلطة الفلسطينية للضفة الغربية، وإدارتها لبعض المناطق فيها ضمن اتفاقية أوسلو وما تلاها من ترتيبات مع الاحتلال، توزعت مخيمات الضفة، كالتالي:

–  مخيم شعفاط في القدس استمرت سيطرة الاحتلال المباشرة والكاملة عليه.

وقع مخيم قلنديا في المنطقة (ج) وهي منطقة مخصصة بالكامل لسيطرة الاحتلال باستثناء أدوار شكلية للسلطة الفلسطينية في بعض ما يتعلق بها.

في حين وقعت ستة مخيمات في المنطقة (ب) الخاضعة للسيطرة العسكرية للاحتلال فيما تبعت السلطة من حيث خدماتها المدنية، وهي: مخيم دير عمار، مخيم الجلزون، مخيم الفوار، مخيم العروب،ومخيم الفارعة، مخيم نور شمس.

ووقعت باقي المخيمات الإحدى عشرة الباقية في المنطقة (أ) التي كان يفترض أن تمارس فيها السلطة الفلسطينية كامل الصلاحيات (المحدودة) التي أتاحها لها اتفاق أوسلو وتوابعه.

أما المخيمات غير المنظمة أو غير المعترف بها، فهي: قدورةو أنشئ عام 1948 وتبلغ مساحته (25 دونماً)، وبيرزيت: أنشئ عام 1948 ومساحته (23 دونماً)، وعناتا: أنشئ عام 1948، والعوجا: أنشئ عام 1949 ومساحته (200 دونم)، وجنيد: أنشئ عام 1949 ومساحته (27 دونماً)، و سلواد (غزة): أنشئ عام 1970 ومساحته (5 دونمات).

الضفة الغربية المحتلة:

تبدو الحاجة لسرد تعريف القارئ الفلسطيني والعربي عن الضفة الغربية تكراراً لما يعرفه القارئ، ولكنها تبقى ضرورة باعتبارين الأول هو التعقيدات الصراعية التي تلحق تغييرات مستمرة في بيئة وبنى وجغرافيا وديموغرافيا الضفة الغربية المحتلة منذ عام ١٩٤٨، والتي ازدادت وطأتها بعد عام ١٩٦٧، أما الاعتبار الثاني فهو ضرورة إدراك الأهمية الخاصة للضفة الغربية المحتلة، في ضوء تركيز السياسات الاستعمارية الصهيونية على قضمها كهدف أساسي خلال العقود الماضية، وما طرحته خطط التسوية وصفقة القرن بشأنها.

 الضفة الغربية غرب الأردن، فهو يحدها من الشرق، وتحاصرها مستوطنات الاحتلال الصهيوني من الشمال والغرب والجنوب، إلى جانب وجود ما يشبه شريط عازل من المستوطنات والقواعد العسكرية التابعة للاحتلال الصهيوني في منطقة الأغوار تفصل الضفة عن الأردن.

و تشكل مساحة الضفة الغربية ما يقارب 21% من مساحة فلسطين وهي حوالي 5,860 كم².

منذ عام 1967 وحتى نهاية 2017 أقيمت في أنحاء الضفة الغربية أكثر من 200 مستوطنة، وعدد المستوطنين الذين يسكنون في المستوطنات أكثر من 620 ألفاً.

استثناء عن سياق اللجوء:

اختلف وضع اللاجئين في الضفة الغربية، عن بقية مجتمعات اللجوء من جهة، وكذلك عن مجتمع الضفة من جهة أخرى، فلقد أسهمت عوامل متعددة، سياسية واجتماعية واقتصادية، في توزع أغلبية اللاجئين خارج المخيمات، ولعبت هذه العوامل دورها على نحو جعل المخيم دائماً مكاناً على هامش المجتمع، والتعامل مع صفة اللجوء كنشاز، على عكس الحال في أغلب التجمعات السكانية الفلسطينية، ففي غزة وفي دول الطوق كان اللجوء هو الصفة الأساسية والغالبة على الوجود الفلسطيني، وما سواه هو هوامش له، أو طارئ عليه بفعل ظرف سياسي أو مجتمعي مؤقت.

ثنائية المقاومة والدولة:

 لعب المخيم دوراً جماهيرياً هاماً خلال التجارب الانتفاضية المختلفة في الضفة الغربية ضد الاحتلال، واكتسب بفضل ذلك مكانة معينة رمزية وسياسية، فقد شكل العمل السياسي والوطني والبنى الفصائلية، أدوات للتنظيم السياسي لأبناء المخيمات، وأكثر من ذلك أداة صعود اجتماعي، ساهمت في تجاوز الكثير من أشكال التهميش السابقة لهم.

 وإذ شكلت سياقات المقاومة والانتفاضة، والتمسك الوطني بحق العودة، عوامل تضفي الأهمية للاجئ والمخيم، فإن سياق التسوية وإقامة السلطة تحت الاحتلال، وما حاولت إحلاله بالمجتمع والحقل السياسي، من تحولات بعد انتفاضة الأقصى، كان على النقيض من وجود المخيم، فتعاظم الترويج لإمكانيات التنمية والازدهار في ظل الاحتلال وتغذية ارتباطات رأس المال به، وصعود مفاهيم "الضبط الأمني" على حساب مفاهيم "الصمود الوطني"، وكان لهذا تأثيره الخاص على المخيمات وشكل قضية اللاجئين في مجتمع الضفة الغربية والبيئة السياسية للسلطة الفلسطينية.

صناعة المركزية ومعضلات تنظيم الذات:

كرست السلطة الفلسطينية منذ قيامها، جهازها الحكومي بشقيه الإداري والأمني كبنى تعلو المجتمع وتهيمن عليه، ما قاد تدريجياً لنوع من مركزة السلطة ومشروعها السياسي والنماذج الاقتصادية التي ارتبطت بهذا المشروع وبقيادة السلطة، وربط المجتمع الفلسطيني بهذا المسار، وفي هذا السياق تم إلحاق البنى السياسية و الفصائلية والمجتمعية في المخيمات بالسلطة.

ولم تسلم اللجان الشعبية، التي مثلت سابقاً، إفرازاً شعبياً في المخيمات ولعبت أدواراً مهمة في ضبط وضعها والتصدي للتهديدات التي تحيط بها، فتم إخضاعها لهيمنة السلطة وبيروقراطيتها الأمنية والحكومية، ما حولها لأداة في يد هذه الأجسام، وكرس لنموذج من "الهيمنة بلا تنمية وبلا خدمات" حكم علاقة السلطة بالمخيمات، كثير ما حضرت في سياقاته القبضة الأمنية والعمليات القمعية كعنوان للتعامل مع المخيم، وأسست لظواهر ومخاطر عميقة في بيئة المخيمات.

بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد