"اذا توفّر الدواء، فإنّ سعره يجعل توفّره مثل فقدانه" بهذه العبارة وصف اللاجئ الفلسطيني " أبو عمران" من أبناء مخيّم خان دنون للاجئين الفلسطينيين بريف دمشق معاناته و أبناء مخيّمه في تأمين الأدوية، ولا سيما الخاصّة بالأمراض المزمنة كالقلب والسكّري والربو وسواها، في ظل أزمة الدواء التي تعاني منها البلاد سواء من حيث ندرة توفّر العديد من الأصناف، أو غلاء أسعارها والتي تجعلها خارج القدرة الشرائيّة للاجئين.

أزمة بدأت تبعاتها تظهر منذ منتصف العام 2020 الفائت، وطالت أدوية الأمراض المزمنة والمضادات الحيويّة وأدوية الأطفال بنسبة فقدان بلغت 90% في بعض المناطق كدرعا وريف دمشق، في حين لا تبدو الحلحلة في توفير بعضها مفيدة، بسبب ارتفاع أسعارها بشكل جنوني، حسبما أكّد " أبو عمران" مشيراً إلى أنّ سعر علبة دواء مسيّل الدم لأمراض القلب " كلوبيدوغريل" الذي يُنتج محليّاً بلغت 3 الاف ليرة سوريّة.

تأمين الدواء لمريض مزمن داخل الأسرة يقضم ربع الدخل الشهري للعائلة

يقول "أبو عمران" لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إنّ فقدان الأدوية التي يحتاجها بشكل يومي كمسيّل الدم ودواء تنظيم الضغط، بات أقل حدّة مما كان عليه قبل أشهر، ولكن المشكلة باتت في الأسعار، التي لا تناسب مستوى الدخل، موضحاً أنّ احتياجاته من الدواء شهريّاً تكلّفه أكثر من 6 الاف ليرة سوريّة، وهو ما يعادل ربع دخله الشهري، الأمر الذي يأتي على حساب تأمين الطعام والشراب في ظل جنون الأسعار الذي يضرب البلاد وفق قوله.

كلام "أبو عمران" ينطبق على بعض الأدوية التي تصنّع محليّاً، الّا أنّ توفرّها ليس على النحو الذي كانت عليه قبل الأزمة، ويشير في هذا الصدد إلى أنّ صيدليّات المخيّم، قلّما تتوفّر فيها كافة الأصناف، مُرجعاً ذلك إلى عدم قدرة الصيادلة تغطية كافة المستلزمات أو لعدم كفاية المخصصات لدى الموزّعين، الأمر الذي يدفع الأهالي مُضطّرين إلى جلب احتياجتهم من المناطق المجاورة أو التوجّه إلى صيدليات العاصمة دمشق.

فقدان الدواء يدفع اللاجئين للتوجّه إلى مصادر التهريب غير المأمونة

أمّا القدرة على تأمين الدواء، تحددها طبيعة المرض، حيث أنّ العديد من أصحاب الامراض والمزمنة، أو من يحتاجون إلى علاج دوائي استثنائي وطارئ، لا يمتلكون ترف الحصول عليه، وليس ضعف الأوضاع الماديّة كلّ السبب وراء ذلك، بل أيضاً فقدان الدواء بشكل كلّي، ما يجعلهم يتوجّهون إلى مصادر الدواء المهرّب، غير الخاضع لرقابة صحيّة وغير المأمون من جهة المصدر، ما يجعل أزمة الأمن الدوائي تأخذ طابعاً مركّباً.

وهو ما أوضحته اللاجئة "وداد" من أبناء مخيّم جرمانا، والتي أجرت مؤخّراً عمليّة تثبيت ورك اصطناعي، وعانت من مضاعفات التهابيّة تُوجّب علاجاً بدواء " نيو إيد" ما سبب لها فقدانه وفقدان معادلاته، مضاعفات خطيرة، حتّى تمكّنت من تأمينه من مصدر يجلب أدوية مهربّة حسبما قالت لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين".

وكالة أونروا لا تلعب أيّة دور في تأمين النقص لأهالي المخيّمات

وأشارت "وداد" إلى أنّ الدواء المطلوب، لم تتمكّن من الحصول عليه من أيّة صيدليّة سواء في منطقة جرمانا، ولا حتّى في الصيدليّة المركزيّة في العاصمة دمشق، ما أخر علاجها لأكثر من أسبوعين حتّى تمكّن زوجها من جلبه من مصدر غير صيدلاني، وبمبلغ 18 الف ليرة سوريّة.

وعن دور مراكز وكالة " أونروا" في تأمين الدواء، قالت "وداد" إنّ معظم الأهالي أخرجوا عيادات الوكالة ومستوصفاتها من قائمة الوجهات التي يقصدونها لتأمين الدواء، نظراً لكونها خاليّة الّا من المسكّنات وبعض المكملّات الغذائيّة، وبعض الأدوية التي توزّعها الوكالة كالضغط والسكرّي للفئات المسجلّة ذات الأمراض المزمنة، ولا تلعب أيّ دور في تأمين المخيّمات بالأدوية المفقودة.

يأتي ذلك، في ظل أزمة شاملة تعانيها البلاد، سواء بشحّ معظم أنواع الأدوية الأساسية أو غلاء أسعارها بالتزامن مع الانهيار المتواصل لسعر صرف الليرة مقابل الدولار، حيث أوردت مصادر إعلاميّة سوريّة شبه رسميّة، فقدان العديد من الأصناف الأساسية ولا سيما التي توصف لما بعد إجراء العمليات الجراحيّة القلبيّة كـ" ماجيهارت" ومضادات الالتهابات وأدوية الربو والجهاز التنفسّي.

وتتوجّه أنظار اللاجئين الفلسطينيين في البلاد، باتجاه  وكالة "أونروا" وسط تساؤلات حول ما تعدّه الوكالة الدولية من خطط لمواجهة الأزمة الصحيّة الآخذة بالتفاقم، فيما يخص توفير الأدويّة للاجئين الفلسطينيين في سوريا، وتأمين الحد الأدنى من الأمن الدوائي.

وكان مراسل " بوابة اللاجئين الفلسطينيين" في درعا، قد أفاد ببلوغ سعر الشريط الواحد من المضاد الحيوي 12 كبسولة نوع  "أزتومايسين" عتبة الالفي ليرة سوريّة، فيما يعاني الأهالي في توفير أدوية الأطفال، حيث بلغ سعر دواء السعال للأطفال 1200 ليرة سوريّة.

ولفت المراسل، إلى تحذيرات الأطباء للأهالي من كارثة انسانيّة حقيقية، مشيراً إلى نصائح باتت متداولة من قبل الأطباء حين مراجعتهم، بضرورة تخزين أدوية الأمراض المزمنة وخصوصاً لمرضى السكرّي والقلب، لكونها مقبلة على أن تفقد بشكل كامل، عدا عن الارتفاع المتواصل في أسعارها، الأمر الذي يجعل اقتنائها بعد المنال.

ويتزامن ذلك، مع استمرار ارتفاع نسب الفقر والبطالة في صفوف اللاجين الفلسطينيين في سوريا، ما يعزز فقدان الأمن الدوائي والغذائي، وكانت "أونروا"، قد أقرّت في تقرير النداء الطارئ للعام 2021 بارتفاع معدلات الفقر المطلق في صفوف الفلسطينيين في سوريا، وأنّ نحو 79% من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، قاموا بتقليص عدد وجبات أو نوعية الطعام المستهلك منذ بدء جائحة "كورونا" التي فاقمت تردي الأوضاع المعيشيّة بحسب الوكالة ذاتها.

خاص/بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد