تواجه المخيّمات والتجمّعات الفلسطينية في لبنان أزمة إنهيار الإقتصاد اللبناني وتبعاتها، من انخفاض في القدرة الشرائية وارتفاع جنوني لأسعار السلع والمواد الغذائية، ما أدى إلى تدهور أوضاع اللاجئين الفلسطينيين المعيشية والإقتصادية إلى درجة غير مسبوقة منذ سنوات لجوئهم الأولى إلى لبنان، حتّى كادت أن تساوي بين التاجر الصغير والمستهلك.
التاجر الصغير والمستهلك في ذات المُعانات المعيشيّة
وفي إطار البحث والسؤال عن تأثير الأزمة الاقتصادية على اللاجئين وصغار التجار منهم، أجرينا ثلاث مقابلات مع ثلاثة تجّار في مخيّم مارالياس وسط العاصمة بيروت، في نموذج يعكس أزمة شاملة تعاني منها كافة المخيّمات.
شحادة شقير "أبو محمد" وهو صاحب متجر بقالة صغير عند مدخل المخيّم، يقول لـ"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إنّ الأزمة أثّرت على صغار التجار واللاجئين في آن، لدرجة جعلت التاجر يخجل من مخاطبة الزبون على خلفية رفع أسعار السلع السريع. ويضيف: "إنّ رفع الأسعار المفاجىء والسريع عند تجّار الجملة يجعلنا مضطرين إلى رفع أسعارنا بالمقابل، بما يتناسب مع قدرتنا الشرائية للبضائع" وهو ما يجعل صاحب الدكان يخجل من المستهلك لأنه ينتمي أصلاً إلى نفس طبقتهم وبالتالي يفهم معاناتهم.
شجع كبار التجار الذين يتلاعبون بالأسعار على هواهم ويضعون التجار الصغار تحت الأمر الواقع
وفي السياق نفسه، يخبرنا أبو محمد موقفاً حصل معه، إذ أتته إحدى الزبائن بيدها 5000 ليرة لبنانية تريد شراء كيلو سكر، الذي كان سعره بالأمس 5000 ليرتفع اليوم إلى 6000، مما جعل الفتاة تطلب منه أن يبيعها سكر على قدر المبلغ الذي تحمله.
وأشار أبو محمد، إلى شجع كبار التجار الذين يتلاعبون بالأسعار على هواهم ويضعون التجار الصغار تحت الأمر الواقع، حيث يقول: "لا علاقة لأسعار هذه السلع بسعر الدولار، إذ أغلبها سلع مخزّنة مسبقاً"، مما يدل على احتكار كبار التجار للسلع، ويضيف: "عم نتفاجىء بالأسعار احنا ما عاد نعرف شو بدنا نبيع والمواطن ما عاد يعرف شو بدو يتشري".
وفيما يتعلق بإختلاف الأسعار بين المحل والآخر، أوضح "أبو محمد" أن سببه يعود إلى إختلاف البضائع الموجودة في المحل أصلاً، قد يكون تاجر ما اشترى بضاعته اليوم، التي يمتلك منها مسبقاً تاجر آخر مما يجعل التاجر الأول مضطراً الى رفع الأسعار، بما يتماشى مع متطلبات السوق. ولفت إلى أن بعض التجار قد يطمعون إلى رفع أسعار سلعهم القديمة على خلفية إحساسهم بضرورة "حماية أنفسهم".
إلا أن هذا الطمع الذي تحدّث عنه يبقى ضمن الإطار القابل للتفهم نوعا ما، على الرغم من تذمر كثير من أهالي المخيّمات منه. يقول "محمد" في هذا الإطار لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين": "المحل يلي عم ببيع بأقل خسران، لأنه عم يرجع يضطر يشتري بضاعة بالدوبل تاني نهار".
أصناف من الخضار والأطعمة أصبحت من الكماليات !
و"محمد" لاجئ آخر يعمل بائع خضار داخل المخيّم، يعتبر نفسه وجاره بائع الخضار الآخر، والمشتري، جميعهم خاسرين. فالبائع خاسر لأنه يضطر في كثير من الأحيان إلى إتلاف البضاعة بسبب تكدسها عنده في المحل. فالزبون الذي كان يشتري 2 كيلو بندورة أصبح يشري نصف كيلو، وهو خاسر أيضاً، لأنه يشتري النصف كيلو بسعر الـ 2 كيلو. و يردف "محمد": "كنا بالأول نبيع صندوقين أو 3 بندورة، هلأ يا دوب عم نبيع نص صندوق هون على صعيد المخيّم". وعن ضعف القدرة الشرائية للأهالي يقول: "كيلو اللوبية ب 12 ألف، ما عاد فيني أجيبو عالمخيم".
والطفل الي مصروفه ألف ما عاد فيه يشتري شي أبداً
كيلو اللوبية ليس وحده الصنف الصعب التواجد على سفرة الأهالي هنا في المخيّم، فـ "كيس الشبيس" أيضاً أصبح من الكماليات، هذا إضافة إلى المنظفات والحليب والنسكافيه والبيض "البيضة الوحدة بألف ليرة"، والأرز الذي هو أصلاً "لقمة الفقير" أصبحت "أسعاره نار"، بحسب "أبو محمد".
كلام يُطابق ماتحدث به شحادة شقير إذ يقول محمد: "ارتفع سعر المواد الغذائية بهاليومين من 3 لـ 4 آلاف للصنف الواحد، والطفل الي مصروفه ألف ما عاد فيه يشتري شي أبداً".
ويُجمع كثيرون أنّ "الوضع مأساوي على الجميع والفقير أكتر شي ماكلها"، و أصبح واضحاً أنّ الفقير "إلي ماكلها" صار محروماً من عدّة أصناف، ومنها اللحم الذي صار حلماً للفقير.
نسبة شراء اللحوم في المخيم تضاءلت 30%
يؤكّد اللحام علي الديراوي "أبو ابراهيم" صاحب محل لحوم لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" أنّ نسبة شراء اللحوم عنده تضاءلت إلى الـ 30%. وأن اللحم المدعوم من الدولة، وذا الجودة الأدنى والسعر الأرخص حتى من قبل الدعم، لا يغطي إلا 10% من استهلاك السوق، فيغطي باقي النسبة من الإستهلاك كاهل المواطن، أو اللاجىء، أو المقيم في لبنان، والفارق 10 آلاف ليرة لبنانية بالجملة بين اللحم المدعوم وغير المدعوم.
وأصبح الكيلوغرام الواحد من اللحم اليوم 60 ألف ليرة، بعدما كان 50 ألف قبل أن يفوق سعر صرف الدولار الـ 10 آلاف، ويختلف سعر اللحم وفق قيمة العملة الوطنية، التي هي في حالة تدهور مستمرة.
وأشار الديراوي، إلى مشكلة أساسية في طبيعة النظام الإقتصادي اللبناني المُستهلك، والمعتمد بالكامل على استثمارات رؤوس الأموال، والقطاع المصرفي على حساب باقي القطاعات الإنتاجية قائلاً: "فش مَزارع بلبنان، اللحمة كلها مستوردة، ومش من ضمن الإقتصاد اللبناني تربية المواشي".
وفي إطار حديثه عن الأزمة الطبقية التي يعاني منها الناس في لبنان أضاف: "إنت عم تبحثي بالمجتمعات الشعبية، إذا اتطلعتي لفوق، بتلاقيهن مش حاسين بالأزمة، وحتى سعر ربطة الخبز ما بيعرفوه، لأن الأزمة بس عالطبقة يلي تحت، ونحنا يلي تحت أمورنا كلها متل السلسة مترابطة حلقاتها، إذا بتشتي بتشتي عالكل وإذا بتغيّم بتغيّم عالكل وإذا بتجفّ بتجفّ عالكل".
يُذكر أن نسبتي الفقر والبطالة بين أوساط اللاجئين الفلسطينيين في لبنان قاربتا الـ 80%، حسب ما جاء في تقرير أعدّه الباحث الفلسطيني جابر سليمان لمركز زيتونة للدراسات والذي جاء فيه: أن أبرز الاحتياجات في صفوف اللاجئين تتراوح بين توفير فرص عمل كريمة وضرورة تقديم مساعدات غذائية متواصلة وهذا ما يشير إلى انعدام الأمن الغذائي لدى مجتمع اللاجئين".