وجد فاقدو الأوراق الثبوتية من الفلسطينيين في لبنان فرصتهم لإعادة رفع أصواتهم والمطالبة بحقوقهم في خيمة الاعتصام المفتوح التي نُصبت أمام مكتب الإغاثة والشؤون التابع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في مخيّم عين الحلوة بمدينة صيدا جنوب لبنان، التي تم افتتاحها أمس الإثنين 22 آذار/مارس، وأهم هذه المطالب الاعتراف بوجودهم قانونياً ضمن المجتمع الفلسطيني في لبنان.
وعبّر أحد فاقدي الأوراق الثبوتيّة محمود مهنّا مرعي عن معاناته لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" قائلاً: "أنا أحد فاقدي الأوراق الثبوتية الموجودين في الساحة اللبنانية منذ عام 1970 أيَ منذ إبعادنا من الأردن إلى لبنان، ومنذ ذلك التاريخ إلى حد الآن وأنا أنتمي لفاقدي الأوراق الموجودين في لبنان والضفة الغربية وغزّة، نحن الذين ليس لدينا ما يُثبت أنّنا جزء من المجتمع الفلسطيني."
وطالب على ضوئها الدولة اللبنانيّة، الاعتراف بشخصيته القانونيّة، وشخصية الآلاف ممن يشاركونه ذات الوجع والمعاناة، خصوصاً وأنّ الدولة اللبنانية كانت عضو في مؤتمر حقوق الإنسان الدولي الذي انعقد في جينيف 2011، وبعده تعهّدت وزارة الخارجيّة اللبنانية بإيجاد حلول لمسألة فاقدي الأوراق، وإلى الآن لم تفي بتعهّداتها.
فاقدو الأوراق الثبويتة الأكثر تهميشاً في لبنان
ويُعتبر فاقدو الأوراق الثبوتية من الفلسطينيين الفئة الأكثر تهميشاً في لبنان، وتُقدّر أعدادهم بحوالي 12 ألف لاجىء فلسطيني غير مسجّلين في سجلات الدولة اللبنانية ولا وكالة "أونروا"، وبالتالي لا يحصلون على أيّ من خدماتها.
هذه الشريحة محرومة من التجوّل خارج المخيّمات، و ممارسة المهن على اختلافها، ومن الزواج والسفر والتملّك
ويقدّر عمر معاناتهم بأكثر من 50 سنة، بل ويتعدّاها إلى توريث هذه المعاناة إلى أبنائهم. وبهذا الصدد يقول مدير الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين، علي هويدي، لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" إنّ فاقدي الأوراق الثبوتية هم معدومي الشخصية القانونية تماماً، وبالتالي لا يتمتعون بأيّة حقوق، وأولادهم يدفعون ثمن ذلك غالياً، إذ أنهم محرومون من التجوّل خارج المخيّمات، ومن ممارسة المهن على اختلافها، وحتى من الزواج والسفر وتملّك أبسط الممتلكات كالسيارة مثلاً.
وفي حال الإنجاب يٌحرم أبنائهم كذلك من حقهم في التعليم، فالطالب منهم يجلس على المقعد دون أن يكون مسجّلاً في سجلات المدرسة بسبب عدم امتلاكه "كرت أعاشة". يقول مرعي في هذا الصدد: "احنا فش حدا شايفنا، النا من سنة ال 1996 نطالب بحقوقنا بس ما حدا شايفنا".
معاناة مضاعفة في ظل الانهيار الاقتصادي وجائحة "كورونا":
ويُضيف مرعي لموقعنا: "كله بجيب مساعدات للشعب الفلسطيني باستثاء فاقدي الأوراق الثبوتية، الأغلب مش معترفين بوجودنا، وكإنه لا يحقّ لنا الحياة".
ويستنثي مرعي من ذلك بعض المؤسسات المحليّة التي تقدم لهم المساعدات. ويعيش بذلك فاقدو الأرواق الثبوتية أزمة مضاعفة ومكثّفة في ظلّ الانهيار الاقتصادي وتفشّي جائحة "كورونا".
فالفئة الممنوعة من العمل ازداد وضعها مأساويةً بعد ارتفاع نسبة البطالة وفقدان الكثير من فرص العمل في البلاد وانهيار قيمة الليرة اللبنانية وفقدان قيمة القدرة الشرائية وغلاء المعيشة. والفئة الممنوعة من السفر أيضاً لا تجد حتى مكاناً او فرصةً للهرب.
فاقدو الأوراق أيضاً محرومون من فحصوات "pcr" وحقهم في الاستشفاء وتلقّي اللقاح ضد " كورونا" ولا تشملهم مساعدات " أونروا"
ويقول هويدي في هذا الصدد، إنّ المساعدات المقدمة للاجئين الفلسطينيين في لبنان على أنواعها لا تشملهم، ولا سيّما تلك المقدمة من وكالة "أونروا"، وعليه يجب أن يحصلوا على حقوقهم مثلهم مثل أي لاجىء آخر موجود على الأراضي اللبنانيّة.
ويُحرم فاقدو الأوراق أيضاً من فحصوات "pcr" وحقهم في الاستشفاء على حساب الوكالة وحتى من اللّقاح ضد فايروس "كورونا".
يُضيف هويدي: "لا تشملهم خدمات "أونروا" لا في المستشفيات ولا إلى ناحية توفير لقاحات، لأن أسمائهم ليست من ضمن الأسماء المرفوعة لوزارة الصحّة العامة ضمن الخطة الوطنيّة للقاح، وعليه، يجب التنسيق بين لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني واللجان الشعبية في المخيّمات والسفارة الفلسطينية ووكالة "أونروا" لحل هذه المعضلة."
ويُعبّر مرعي عن خطر حرمانهم من الاستشفاء وفحوصات "كورونا" واللقاح قائلاً: "أنا بعتبر حالي قنبلة صحيّة موقوتة في المخيّم، ممكن أعدي أي حدا إذا مش قادر أأمن سعر الفحوصات".
وعن وضعه المعيشي يقول: "غلن زيت أنا مش قادر أجيب و"أونروا" بطلعليش شي منها وولادي ممنوع يتعلموا، وانا بصرف كل مصرياتي هون بلبنان، ليش حتى ما يعترفوا فيني"، وشدّد على مطالبته كافة المعنيين بما فيهم الدولة اللبنانية والأمن العام اللبناني وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية ووكالة "أونروا" بضرورة اعترافهم بشخصيته القانونية.
كما رفض رفضاً قاطعاً السماح بالمتجارة بقضيتهم قائلا: "لن نسمح لأي فصيل المتاجرة فينا لإن ما خرب بيتنا إلّا الفصائل". وأشار إلى لقاء ستعقده وكالة "أونروا" غداً مع لجنة فاقدي الأوراق الثبوتية.
المؤسسات تعثّرت في إيجاد حلول جذريّة للمشكلة وحلول السفارة مؤقتّة ولا تمنحهم سوى اوراقاً للتجوال
من جهتها، ضمّت الهئية 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين، عبر "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" صوتها إلى صوتهم أثناء مطالبتهم بحقوقهم معتبرة كل هذه المطالب محقّة وقانونية وواجبة.
وأشار هويدي على هذا الصعيد، إلى جهود مؤسسات المجتمع المدني على المستوى المحلّي والإقليمي والدولي التي كانت قد سعت سابقاً لحل هذه المشكلة، إلّا أنها تعثرت في إيجاد حلول جذرية، وبذات الصفة تأتي حلول السفارة الفلسطينية، بشكلها المؤقت وغير الدائم، والذي يأخذ طابع منحهم أوراق للتجوّل فقط.
إلّا أنّ هذا ليس كافياً، حسب هويدي، الذي طالب بإدراجهم ضمن سجلات وكالة "أونروا" لأن غالبيتهم أصلاً لاجئين منذ سنة 1967، وأوراقهم الثبوتية انتهت صلاحيتها وتجديدها يتطلب الذهاب إمّا إلى الضفة الغربية أو إلى قطاع غزّة، وهو ما يُستحال القيام به، بسبب المنع الذي يفرضه الاحتلال الصهيوني من جهة، ولأنهم أصلاً مطلوبون لدى حكومة الكيان الإسرائيلي من جهة ثانية.