معلّمة من 250 فصلتهم "أونروا" بغزة: نحن أمام كارثة اقتصادية بعد تنكّر الوكالة لمبادئِها

الجمعة 16 ابريل 2021

في خطوةٍ جديدةٍ استنكرتها اللجان الشعبيّة للاجئين في قطاع غزّة وغالبيّة الفصائل الفلسطينيّة، أقدمت إدارة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في قطاع غزّة الأسبوع الماضي على تجميد عقود ما يزيد عن 250 معلماً شاغراً في التخصصات التي صنفتها غير أساسيّة وهي: "المواد الاجتماعيّة، التربية الإسلاميّة، الحاسوب والتكنولوجيا، التربية الفنيّة، التربية الرياضيّة".

هذه الخطوة دفعت المعلّمين المتضررين من هذا القرار للاحتجاج أكثر من مرّة أمام مقرات وكالة "أونروا" في غزّة، مُستنكرين هذا القرار "الغريب" بعد أن كانوا ينتظرون قراراً بتثبيتهم على أحر من الجمر ليتفاجؤوا بإيقاف كل عقود معلمي بعض التخصصات بحجّة أنها "غير أساسيّة"، وعلى رأس هذه المواد: التربية الإسلاميّة، والدراسات الاجتماعيّة التي تعبّر عن قيم وثقافة المجتمع الفلسطيني، وكذلك مادتي الحاسوب والتكنولوجيا التي تعد مادة القرن الـ21، ومادتي التربيّة الفنية والرياضيّة.

هذا القرار سيكون له بالغ الأثر السلبي على هؤلاء المعلّمين، نفسيّاً، واجتماعيّاً، واقتصاديّاً، ولكن الخطر الأكبر سيتعرّض له طلبة مدارس "أونروا" في القطاع خاصّة مع إعادة نظام "التعليم عن بُعد" في ظل تفشي فيروس "كورونا" في المدارس بشكلٍ كبير.

"بوابة اللاجئين الفلسطينيين" تحدّث مع احدى المعلّمات المتضرّرات من هذا القرار وهي معلّمة المواد الاجتماعيّة (التاريخ، الجغرافيا، التربيّة الوطنيةّ) مرام محمد، والتي أكَّدت أنّ هذا القرار جائر وتعسّفي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ونحن الآن ندخل الأسبوع الثاني بلا أي مصدر رزق بعد أن قرّرت وكالة الغوث إيقاف أكثر من 250 معلماً ومعلّمة عن العمل على اعتبار أنّ المواد التي يدرّسونها "غير أساسيّة"، ولكن هذه المواد أساسيّة والطلاب بحاجة ماسّة إليها وإلى معلّم مختص لتدريس هذه المواد خاصّة في ظل افتقار وكالة "أونروا" للكوادر التعليميّة بشكلٍ حاد في هذه الفترة.

 نحن أمام كارثة اقتصاديّة حقيقيّة

وتابعت مرام: الوكالة تركتنا اليوم بعد أن خضنا اختبارات صعبة وهي الأطول في تاريخ الوكالة، وهذا أمر مرفوض خاصّة وأنّنا كنّا على بند التثبيت والمدارس بحاجة ماسّة إلينا، ولكن فاجأتنا الوكالة بإيقافنا جميعاً عن العمل إلى هذه اللحظة، وأؤكَّد أنّنا كمعلمين بالمياومة أمام كارثةٍ اقتصاديّةٍ حقيقيّة في ظل عدم شعورنا بالأمان الوظيفي بالمطلق، وكما يُقال بين العامّة: "نحن الآن في الشارع بلا أي مصدر دخل"، ولا وظيفة، ولا باب رزق، وهناك معلّمين كانت مهنة التعليم هي مصدر رزقهم الوحيد بعد أن خاضوا اختبارات صعبة جداً ولكنّهم أُوقفوا عن العمل بحججٍ واهية.

كيف لوكالة الغوث أن تؤسّس برامجاً تكنولوجيّة في ظل اعتماد نظام التعليم عن بُعد وفي ذات الوقت تفصل المعلّم الذي يقوم بالإشراف على هذه البرامج عن بُعد!

وبيّنت المعلّمة مرام أنّ هؤلاء المعلمين وقّعوا عقود العمل والتعليم في الوكالة بتاريخ 14 فبراير الماضي وتستمر حتى تاريخ 15 تموز، وعند انتهاء تاريخ هذا العقد يتم التجديد لمدّة عامين، وهذا هو الطبيعي، ولكن اليوم تضررنا نفسياً خاصّة وأنّ مجموعة كبيرة من الطلاب والطالبات تتواصل معنا يومياً لنشرح لهم بعض الدروس ويطالبوننا بمُساعدتهم، مُتسائلةً: كيف لوكالة الغوث أن تؤسّس برامجاً تكنولوجيّة في ظل اعتماد نظام التعليم عن بُعد وفي ذات الوقت تفصل المعلّم الذي يقوم بالإشراف على هذه البرامج عن بُعد!.

أطفال اللاجئين لهم الحق في معرفة تاريخهم وحضارتهم

كما أشارت المعلّمة مرام إلى ضررٍ آخر يقع على عاتق الطلبة بفعل هذا القرار، تُضيف: كل أطفال اللاجئين الذين يتعلّمون في مدارس وكالة الغوث الدوليّة لهم الحق في معرفة تاريخهم وحضارتهم، ولهم الحق في دراسة أديانهم وممارسة أنشطتهم في ظل الوضع المزري في قطاع غزّة بالذات، ومن المفترض أن تكون مواد الرياضة والرسم الوسيلة الوحيدة لتفريغ كل هذا الضغط والكبت بفعل عدّة عوامل نعيشها في القطاع.

وهناك مدارس يوجد فيها فقط معلّم واحد للمادة الدراسيّة الواحدة، واليوم بفعل القرار الجديد إذا فُصل هذا المُعلّم فسيتم إيقاف تدريس هذه المادة

وفي هذا الجانب، تابعت: العجز الكبير في عدد المعلمين بمدارس وكالة الغوث بقطاع غزّة واضح للجميع، وهناك مدارس يوجد فيها فقط معلّم واحد للمادة الدراسيّة الواحدة، واليوم بفعل القرار الجديد إذا فُصل هذا المُعلّم فسيتم إيقاف تدريس هذه المادة الضروريّة من المواد التي صنّفتها الوكالة أنّها "غير أساسيّة" إلى أجلٍ غير مُسمى، بالتالي حرمان الطالب من هذه المادة العلميّة، ونحن على مدار الساعة منذ أسابيع يتواصل معنا الطلاب وجل أسئلتهم تكون: لماذا فصلوكم من العمل؟!، نحن بحاجة ماسّة إليكم، وبكل صراحة نسأل: إذا انتهى هذا الفصل الدراسي دون إرجاعنا إلى العمل فكيف سيكون الطالب بدون ستّة مواد اعتبرتها الوكالة "غير أساسيّة"؟، الطلاب في النهاية لديهم ميولهم الخاصّة وبحاجة ضروريّة إلى التنوّع في المواد فليس من المعقول أنّ كل الطلاب سيصبحون في المستقبل أطباء، أو مهندسين، لا، نحن لدينا الفنان، والرياضي، والباحث الاجتماعي، وبالتالي يجب تعزيز هذه القيم بداخل كل طالب من خلال المتابعة والممارسة وتشبيع هذا الطالب بكافة العلوم، وهذا حق لكل طالب.

"أونروا" تتنكّر لمبادئها!

كما رأت المعلّمة مرام أنّ وكالة "أونروا" بهذا القرار تُخالف قرارات الدولة المُضيفة، والدليل أنّ وزارة التربيّة والتعليم في غزّة أصدرت بياناً استنكرت فيه هذا القرار الصادر عن الوكالة، وبكل أسف أقولها: إنّ أوّل من درّس للطلاب مادة حقوق الانسان وعدم التمييز في مدارسها هي وكالة الغوث الدوليّة التي هي ذاتها اليوم تتنكّر لهذه المبادئ وتميّز بين المواد الدراسيّة الأساسيّة بحجّة أنّها "غير أساسيّة" وتفرّق بينها بشكلٍ مُجحف ومُؤسف.

وكالة "أونروا" بهذا القرار تُخالف قرارات الدولة المُضيفة، والدليل أنّ وزارة التربيّة والتعليم في غزّة أصدرت بياناً استنكرت فيه هذا القرار الصادر عن الوكالة

وبشأن خطوات المعلمين الرافضة لهذا القرار، أوضحت مرام أنّهم نفّذوا عدّة اعتصامات ووقفات احتجاجيّة أمام المقر الرئيسي لوكالة "أونروا" في غزّة، ويوم الأحد القادم سيشهد تجمّعاً كبيراً أمام مقر الوكالة إلى حين نيل كافة حقوقنا، وحتى في ظل هذا الشهر الكريم الذي حُرمنا فيه من رواتبنا رغم كل الظروف الماليّة الصعبة التي نمرُ بها إلّا أنّنا سنُواصل الاعتراض على هذا القرار المُجحف، وإذا استمر قرار إيقافنا عن العمل فسنصّعد هذه الاحتجاجات إلى حين إلغاء القرار.

يُشار إلى أنّ عدّة جهاتٍ نقابيّة في قطاع غزّة، رأت في قرار فصل معلّمي اليومي استهدافاً قيميّاً وأخلاقيّاً ووطنيّاً لكل مكوّنات المجتمع الفلسطيني، واستمراراً لمسلسل التقليصات ضد اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزّة. 

         

خاص/ أحمد الحسين / بوابة اللاجئين الفلسطينيين

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد