توالت في الفترة الأخيرة حراكات في أوروبا داعمة لانتفاضة الفلسطينيين في وجه العدوان الصهيوني على قطاع غزة، واعتداءات قوّات الاحتلال والمستوطنين على الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني المحتل والقدس والضفة الغربية. وشارك في هذه الحراكات عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين في القارة الأوروبية، فأي دور يلعبه هؤلاء اللاجئون في سياق الدفاع عن قضيتهم، وما هي الأشكال المتاحة للتحرّك بالخارج وأي مساحة توفرها هذه البلدان مقارنةً بما توفّره بلاد اللجوء الأولى كلبنان وسوريا مثلًا؟.
ومن الأدوار التي يمكن لعبها الضغط على المجتمع الدولي من خلال العمل على تغيير الصور النمطية المتّخذة تجاه الفلسطينيين
يقول مصطفى بيطاري، وهو لاجىء فلسطيني من مخيّم اليرموك موجود الآن في هولندا، أنّ للمغترب الفلسطيني أو من في حكمه من مناصريي القضية الفلسطينية أدورًا عديدة نسبةً لإمكانيته الاستفادة من مساحة الحرية، الأكبر نسبيًا، الموجودة في بلاد اللجوء الثانية.
ومن الأدوار التي يمكن لعبها، حسب بيطاري، الضغط على المجتمع الدولي من خلال العمل على تغيير الصور النمطية المتّخذة تجاه الفلسطينيين ورفع الوعي تجاه القضية، والضغط على وفضح وسائل الإعلام الموجّهة، والمناصرة والاستقطاب والحشد، وفضح ممارسات الاحتلال.
الساحة الخارجيّة في نضالنا الفلسطيني ساحة أساسيّة ولا تقلّ أهميّة عن باقي الساحات
ويضيف بيطاري: يمكن التأثير على المؤسسات الأكاديمية، من خلال حملات التأثير والدفاع الأكاديمي الموجّهة للجامعات الأوروبية لرفع الوعي والمطالبة بقطع العلاقات الأكاديمية، واطلاق حملات مقاطعة على كامل الأصعدة سواء اقتصاديًا أو اكاديميًا، ودعم منظمات العمل الأهلي العاملة في فلسطين على الضغط على المنظّمات الدولية والمحاكم من خلال حملات الدفاع والتأثير على المحاكم والمؤسّسات الدوليّة، عدا عن نشر وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها الاحتلال ضد الفلسطينيين. حيث تعمل عدد من المؤسّسات والتجمّعات على العديد من المبادرات إضافةً إلى الوقفات التّضامنيّة التي شملت غالبيّة المدن الأوروبية وعواصمها، مشيرًا إلى أن 60% من فلسطينيي الخارج تقريبًا يستخدمون هذه الأدوات.
ويضيف بيطاري أنّه لكلّ مبادرة من هذه المبادرات والحراكات الأثر الكبير وأنه "لطالما كانت الساحة الخارجيّة في نضالنا الفلسطيني ساحة أساسيّة ولا تقلّ أهميّة عن باقي الساحات، والآن نمتلك الفرصة التاريخية لإعادة إحيائها".
وفي سؤال هل يملك فلسطينيو الخارج رؤية استراتيجية، يُجيب بيطاري أنّه بالطبع لدى فلسطينيي الخارج رؤية استراتيجيّة تختلف من تجمّع لآخر ومن تيّار لآخر وبالشكل العام تُعتبر رؤى ناضجة، ويضيف أنّ الرؤية الاستراتيجية لفئة الشباب ملفتة جدّا وتمتاز بالنّضوج والوضوح والتّطوّر والتقدميّة والوعي المبني على المعلومة الصحيحة والأكاديميّة والموثّقة وتشكّل هذه الفئة حاليًا ثقلاً وفعلاً لا يُستهان به في الشارع ويمكن اعتبارها أرضيّة جديدة لمفهوم النّضال والمقاومة.
وعن اختلاف أشكال النّضال بين الدول الأوروبية ودول اللجوء الأولى كسوريا ولبنان مثلًا يقول بيطاري أنّ هذه البلاد كجزء من الوطن العربي وكدول من دول الطوق يختلف شكل التأثير والعمل فيها، وذلك حكمًا بسبب ارتباط وتأثير العمل الشعبي بفصائل المقاومة وبأجندات الأحزاب اللّبنانية وصراعاتها.
أمّا القدرة على إيصال الصّوت، فتعتمد، حسب بيطاري على الفئة التي نودّ أن نتوجّه لها في إيصال أصواتنا، وعلى صعيد المجتمع الدولي والقوى الفاعلة تبدو إمكانية إيصال الصوت أكبر وبامكانها الوصول لفئات أكثر.
ويتميّز العمل على الأرض في الخارج بالوعي وتعدّد الأدوات وتوفّر المساحة الكافية التي لا تخلو طبعًا من ممارسات الأنظمة الأوروبيّة القمعيّة ضد هذه الحراكات والأنشطة ولكن هذا الوصف لا يُقارن مع ما يُمارس ضمن الديكتاتوريّات العربية سواء في لبنان أو غيره، حسب بيطاري، الذي يردف أنّ التضامن مع حركات التحرّر والتجمّعات الثوريّة كان مفاجئًا في الفترة الأخيرة حتى بالنسبة للفلسطينيين أنفسهم، حيث تميّز بقوته وكأن هذه الحركات كانت تجهّز نفسها لمثل هذه اللحظات التاريخية التي شهدتها الأراضي المحتلّة مؤخرّاً، أمّا على صعيد البرلمانات الأوروبيّة فكان التضامن ضئيلًا حتى على صعيد اليسار الأوروربي الذي يعتبر داعماً لفلسطين رغم أقليته، حيث كانت الأغلبيّة البرلمانية السّاحقة إمّا داعمة للاحتلال أو محيادة.
ويختلف هذا عن شكل التضامن الذي شهدناه في لبنان، حيث تميّز بشعبويّته وعاطفيّته، على عكس الحركات في أوروبا التي نُظّمت بناءً على عمل وبناء وخطّة وتنفيذ وتميّزت بالوعي وعدم العشوائية، حسب قوله.
الحراكات في الدول العربية أكثر هشاشة وأقل تأثيراً بعدما تم إفراغها من البناء ورفع الوعي
كما يرى أنّ العمل في أوروبا طاقته الآن أكبر ممّا كان عليه والأدوات أصبحت أوسع وأنضج وأكثر فعاليّة وتحديدًا.
وبيطاري كان عضوًا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عندما كان لاجئاً في سوريا، إلّا أنّه أعلن استقالته خلال الثورة السورية عام 2010، ثمّ نشط في العديد من منظّمات العمل الأهلي والكتل الشبابيّة بعد تهجيره إلى لبنان، لكنّه اكشتف عقب هجرته إلى هولندا مدى هشاشة تجمّعاتنا التنظيمية في العالم العربي وعدم وضوحها وقِدمها حتى تكاد تكون شبه معدومة التأثير، بعدما تم إفراغها من البناء ورفع الوعي على صعيد أفرادها المنتسبين، وتختلف هذه التنظيمات عن الحراكات الموجودة في أوروبا إذ لا تتخذ هذه الأخيرة هدف أن تتحوّل إلى حركة تنظيميّة أو تجمّع ما مسمّى، وهدفها قابل للقياس وممكن البناء عليه وفق خطّة وزمان محدّدين، حسبما يؤكّد بيطاري لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين".
التغيير في الساحات لا يُغيّر من واجبات الفلسطينين تجاه قضيّتهم
أمّا إياد أبو العلا، وهو لاجىء فلسطيني من مخيّم اليرموك، ومقيم في السويد منذ 8 سنوات بسبب التهجير الذي مورس على اللاجئين الفلسطينيين عقب الثورة السورية، فيرى في حديثه مع "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" أنّ التغيير في الساحات لا يُغيّر من واجبات الفلسطينين تجاه قضيّتهم الأساس وحقهم في العودة إليها وتقرير المصير. وأنّ خارطة التوزّع الجديد للاجئين في أوروبا توجّب عليهم البحث في نقاط القوّة الجديدة وكيفية استخدامها لصالح وفي خدمة القضيّة الفلسطينيّة.
وأبو العلا حاليّا عضو في اللجنة التحضيريّة للمسار الثّوري الفلسطيني البديل وهو حراك وإطار جديد يسعى إلى توحيد صف لاجئي الشتات في أوروبا وأمريكا وكندا ووصلها بالمخيّمات الفلسطينيّة في لبنان والأردن وسوريا. وذلك دفعهم إلى التواصل مع الجميع من أجل تشكيل محليّات في أماكن الوجود الفلسطيني مهمّتها الأساسيّة استعادة الدّور الوطني للاجئين، والذي همّشته القيادات الفلسطينية.
وبحسب أبو العلا، من ضمن المسؤوليّات التي تقع على اللاجىء في أوروبا، نقل الرواية الفلسطينيّة الحقيقيّة في مواجهة الرواية الصهيونيّة. وتتخطّى هذه المسؤوليات البدء في تشكيل رأي ضاغط على الحكومات الأوروبية وهذا ما ظهر في العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزّة، حيث كانت التصريحات الرسمية للاتحاد الأوروبي في البداية تُحمّل المسؤولية للمقاومة ولغزة متجاهلين سياسة التمييز العنصري والتطهير العرقي الذي يُمارسه الاحتلال في حيّ الشيخ جرّاح ومدينة القدس والأراضي المحتلة كاللّد وحيفا ويافا وأم الفحم،إلّا أنّ الأوروبيين تفاجئوا بحجم الاحتجاجات التي قام بها الفلسطينيون والداعمون للقضية الفلسطينية سواء في برلين أو ستوكولهم أو مدريد أو باريس، حيث لم يحدث وأن سبق وسمع الأوروبيون هتافات تحيّي القائد العسكري لكتائب القسّام، محمّد الضيف، وسط أوروبا وبصرخات وصلت إلى كل المدن الأوروبية، بحسب قوله.
نقلت وسائل الإعلام السويديّة والأوروبيّة هتافات الفلسطينيين المتمسّكة بحق العودة وبالمقاومة
ويُعطي أبو العلى مثال مشاركته في عدّة مظاهرات أمام سفارة الاحتلال في ستوكولهم، حيث نقلت وسائل الإعلام السويديّة والأوروبيّة هتافات الفلسطينيين المتمسّكة بحق العودة وبالمقاومة، كما قام المشاركين في الاحتجاجات بتوزيع مناشير وبيانات في مدينة مالمو وبرلين، ندّدوا فيها بالسياسة الأوروبية المبنية على دعم الرواية الإسرائيلية، كما أعلنت الجاليات العربية الفلسطينية في السويد، حسب تأكيد أبو العلا، بأنهم لن يمنحوا أصواتهم في الانتخابات القادمة لمن تبنّى مواقف الاحتلال في العدوان الأخير.
ويضيف أبو العُلا أنّ إمكانيّة التعبيرعن الرأي في هذه السّاحات الجديدة كبيرة، كذلك إمكانيّة التنقّل والتحرّك بين الدول التي تساعدهم في التواصل مع باقي أبناء شعبهم في مختلف الدول الأوروبيّة، الأمر الذي يُساعد في صناعة رأي وتصديره للمجتمعات الأوروبية، وكشف زيف الروايات الإسرائيلية، إلّا أنّ اللجوء في أوروبا سيف ذو حدّين، إذ من ناحية قد يخدم بشكل جيّد القضية الفلسطينية ومن ناحية أخرى قد يؤثّر في المستقبل البعيد على الأجيال القادمة الجديدة، وهنا تقع المسؤولية الكبيرة على الأهل والعائلات في بناء جيل جديد بما يتناسب مع قضاياهم الوطنيّة، حسب أبو العُلا، الذي يؤكد أن القضية الفلسطينية التي تربّى على حملها هي أولويّة تسبق أي شيء آخر.
أينما وُجد الفلسطيني في أيّ بقعة من الأرض نجده يناضل من أجل قضيّته
وفي الاختلاف بين الساحات الأوروبية وساحات اللجوء الأولى، يفيد اللاجىء الفلسطيني من مخيّم عين الحلوة في مدينة صيدا جنوب لبنان، والمقيم الآن في برلين، محمد أبو النصر لـ "بوابة اللاجئين الفلسطينيين" أنّ المساحة في أوروبا أكبر ولها تأثير أقوى على الرأي العام العالمي عدا عن أنّهم لا يحتاجون إلى "شق الأنفس"، حسب قوله، من أجل حشد أشخاص مستقلّين يمكن الشتبيك معهم، كما هو الحال في الدول العربية، إضافة إلى إمكانية الحصول بسهولة على تصريح للتظاهر بمجرّد امتلاك فرد ما او مجموعة ما جنسية البلد المقيم/ين فيه، وهذا ما لا يوفّره لبنان مثلاً للاجئين الفلسطينيين.
ويضيف أبو النصر أنّه أينما وُجد الفلسطيني في أيّ بقعة من الأرض نجده يناضل من أجل قضيّته بغض النظر إن كان في لبنان أو في بلاد الاغتراب، مشيرًا إلى عديد من الحركات والاحتجاجات التي كان قد شارك فيها أثناء وجوده في لبنان، إلّا أنّه في أوروبا يبقى تأثير استخدام وسائل الإعلام والتلفزيونات الأوروبية له صدى أكبر في فضح همجية واعتداءات المحتل من الإعلام العربي المحلي.